رواية "فرانكشتاين في بغداد" للروائي أحمد سعداوي

حصلَّ الروائي العراقي أحمد سعداوي على جائزة "البوكر" في نسختها السابعة عن روايته "فرانكشتاين في بغداد"، فيما  توجت الرواية من بين 156 عملًا من 18 دولة، في حين  ينال الكتاب والمبدعون العراقيون جوائز عديدة عربياً وعالمياً، وفي هذه السنة، بالإضافة إلى "بوكر" الرواية العربية، هناك جوائز حصلت عليها السينما العراقية، وأخرى تخص القصة والنقد الأدبي والشعر، ولكن "البوكر" لها وقع خاص، بسبب أنها أشهر جائزة عربية اليوم في مجال الرواية، وإن يتم منحها هذا العام لروائي عراقي فهذا يعني تسليط الأضواء بقوة على المشغل السردي العراقي، الذي يحفل بأسماء روائية وسردية عديدة تثير الاهتمام ولديها تجارب متقدمة.
و تدور أحداث "فرانكشتاين في بغداد"، عن مواطن عراقي اسمه  هادي العتاك  يسكن حي البتاويين وسط بغداد، ويعيش على بيع الأجهزة العتيقة و المستعملة، وقد عايش العتاك أحداث العنف في شتاء 2006 المليء بالدم و الضحايا، و تطايرت أمامه أشلاء الجثث، فقام بجمع بقايا جثث ضحايا التفجيرات، ولصقها لينتج عنها  كائنا غريبا تُبعث فيه الحياة، و ينهض للثأر من المجرمين الذين قتلوا مجموع أجزائه و يُسمي العتاك كائنه باسم "الشسمه" أي الذي لا يعرف اسمه .
ومن جانبه قال سعداوي في حديث إلى "مصر اليوم" عن مراحل تطور الكتابة في حياته من "الفنون الكتابية، أياً كانت، تتراسل فيما بينها، وتغذي بعضها البعض الآخر إن كان سلباً او إيجاباً. بالنسبة لي العلاقة مع الشعر أعطتني فهماً عميقاً لأهمية المفردة وظلالها الدلالية، والخبرة البلاغية مع اللغة، ففي جوهر كل نص أدبي هناك طاقة شعرية ما تنعكس على البناء والتشكيلات الجمالية اللغوية. والذي لا يملك حس شاعر بالتعامل مع اللغة يفشل في تقدير قيمة اللغة التي يستعملها".
وأضاف سعداوي "أما الصحافة والكتابة الصحافية فهي تعلم الحس العملي، فأنت هنا لا تحتكم إلى المزاج وانما إلى حس الواجب، وتضطر للتعامل مع وقائع من اجل تحويلها إلى نص، وهذا يجعل الكاتب في مواجهة دائمة مع الواقع المباشر، فتصبح الوقائع بما فيها من احداث هي مرجعية الكتابة، وهذا اهم درس للصحافة يمكن ان يتعلمه الأديب. كما أن الكتابة الكثيرة في الصحافة، ترشق الأسلوب وتقلب قاموس الكاتب دائماً".
و تابع "لكن الكتابة هي العدوة الاساسية للكتابة كما اقول دائماً، والخطر على الادب من الصحافة هو تضخم حس التعليق داخل الادب، وأسوأ النصوص الروائية هي تلك التي تحتفي بالتعليقات الصحفية، بحيث لا يميز الكاتب ما بين المجالين التعبيريين، ويضعف عنده حس التصوير لصالح الاخبار والابلاغ وطرح وجهات نظر عمومية".
وأردف قائلا "أسوأ ما يمكن ان يحصل للروائي هو أن يعتقد أن اللغة الصحافية والاسلوب الصحافي كفيل بإنتاج رواية جيدة. أما بما يتعلق بالشعر، فأن الحس الشاعري بالتعامل مع اللغة لا يعني ترصيع النص السردي بجمل شعرية، او الافتتان بالتشكيلات اللغوية إلى حد تغييب طبيعة النص السردي وجعله عسيراً على التواصل، كما هو شأن بعض النصوص الروائية التي تريد ان تكون "شاعرية".
و واصل سعداوي "في نهاية المطاف الرواية هي وعاء جامع لفنون كتابية متعددة ولدى الرواية مرونة دائمة في تقبل الاستعارات من فنون اخرى، ولكن بشرط ان لا تفقد طبيعتها الاساسية وتتحول إلى نص هجين لا شكل او هوية محددة له، الروائي المبدع هو من يوسع من مساحة ارض الرواية لا ان يغادرها إلى ارض أخرى. ".
و علق سعداوي على جائزة البوكر وأهميتها للمثقفين العراقيين قائلا " ينال الكتاب والمبدعون العراقيون جوائز عديدة. عربياً وعالمياً، وفي هذه السنة، بالإضافة إلى بوكر الرواية العربية، هناك جوائز حصلت عليها السينما العراقية، واخرى تخص القصة والنقد الادبي والشعر. ولكن "البوكر" لها وقع خاص، بسبب انها اشهر جائزة عربية اليوم في مجال الرواية. وان يتم منحها هذا العام لروائي عراقي فهذا يعني تسليط الاضواء بقوة على المشغل السردي العراقي، الذي يحفل بأسماء روائية وسردية عديدة تثير الاهتمام ولديها تجارب متقدمة".
وأضاف "أتمنى ان يكون هذا الفوز حافزاً لتنشيط المشغل السردي العراقي اكثر فأكثر، وأن تتقدم الرواية باتجاه مساحات تعبير جديدة".
وأكد سعداوي أن دور الكتاب العراقيين لا ينحصر في  التوثيق فحسب، وإنما محاولة فهم ما يحصل وتقديم قراءة ورؤية تساعدنا كأفراد على تجاوز ما نعيشه من مصاعب ومشاكل. دائماً ما يعبر الرأي العام عن قناعات مغلوطة او ناقصة، فما نمر به كعراقيين اليوم ليس حالة استثنائية وانما مر سابقاً على شعوب عديدة، واستطاعت هذه الشعوب ايجاد الحلول والخروج من ازماتها، ولسنا بمعزل عن العالم. كما ان الغرق باليأس والاحباط يعني الاستسلام لظروف خلقتها اوضاع سابقة، وفقدان الثقة بحركة الزمن والمتغيرات التي يمكن ان تحصل فيه".
ولفت سعداوي إلى أنه "ليس شرطاً ان يبث الكاتب والاديب الأمل بمعناه السطحي والساذج في انفس قرائه، وانما على الاقل يقترب من الحقيقة المتعلقة بأنه لا يوجد شيء يستمر على حاله إلى الابد، وان المتغيرات تعصف بكل قناعاتنا، ومن الضروري أن نواكب هذه المتغيرات ونعرف كيف نثق بالمستقبل".
وتحدث عن تأثير تعدد الطوائف في العراق على الإبداع قائلا " التعبير الادبي لا يتحرك بحرية كاملة في العراق، كما هو الحال مثلاً بالفضاء التعبيري في المجتمعات الغربية، حيث المقدس الاجتماعي والديني والسياسي لا حضور له ولا تأثير".
وأضاف "لكن من الضروري للأديب ان لا يهرب بشكل كامل من هذه المواجهة وان يحاول اقامتها بدون ان يحمل اي اساءة ذات طبيعة جنائية او قانونية، وان ينظر بشكل شامل ومتوازن إلى الجوهري والاساسي في الطبيعة البشرية لدى كل المكونات والاعراق والطوائف. فلا يوجد في حقيقة الامر خصائص اجتماعية او نفسية جذرية لدى كل مكون. وكل شيء يتعلق بالاكتساب والثقافة الاجتماعية الشعبية. فلا توجد خصائص سلبية تتعلق بفئة دون أخرى. والذي يتصدى للدراسة السسيولوجية والانثربولوجية للطوائف والاديان العراقية سيرى أنها متشابهة في العمق في طبيعة نظرتها الاجتماعية والمتيافيزيقة".
وتابع " أخيراً ارى انه من الضروري أن تصدر الكتابة، اي كتابة كانت، وبالذات الروائية، عن معرفة بالمجتمع او الجماعة السكانية التي تتحدث عنها. فالمعرفة هي ما يحمي الكاتب".
وأوضح سعداوي  مدى تقارب شخصية "فرنكشتاين" المتراوح بين الضحية و الجاني مع شخصية العراقي اليوم قائلا " مر العراقيون بمحنة عصيبة بالذات بما يتعلق بالفترة من 2005 و،2007 ورغم أن ظروف العنف ما زالت مستمرة حتى اليوم، لكن تلك الفترة العصيبة كانت الاشد، وكان الجميع، برأيي، مشترك بالورطة الاخلاقية التي وجدنا انفسنا فيها، فعلى الرغم من تحول الاكثرية إلى ضحايا المواجهات الطائفية، إلا ان قسماً كبيراً من هذه الاكثرية كانت متضامنة نفسياً مع طرف من اطراف الصراع. وكانت تعطي المسلحين شرعية اخلاقية لقتال الفئة المضادة".
وأضاف  السعداوي " كان هناك قبول ما، بشكل او بآخر، لعمليات الثأر والانتقام، استجابة لشعور بالمرارة وفقدان العدالة والاحساس العميق بالظلم، ولكن الجميع، من كل الفئات المتصارعة، كانوا يندفعون، في واقع الحال، بعيداً عن أي حل واقعي، وكانوا يساهمون بطريقة مباشرة او غير مباشرة في ادامة ماكنة العنف وتزايد الضحايا".
و تابع "من هذه الصورة تولدت لدي فكرة فرانكشتاين العراقي، حيث الجسد الواحد، المشابه للجسد الاجتماعي العراقي المتنوع، يقتل نفسه بنفسه. ويستمر بعمل عبثي لا نهاية له ولا طائل من ورائه".
و واصل قائلا "الذي يهمني، ويهم الكثير من المثقفين اليوم، هو ان لا ننسى ما يحصل لنا، حتى لا نكرر التجارب السيئة، وأن نقف امام لحظة ندم حقيقية. فمن دون الشعور بالندم على ما حصل، لن نستطيع اكتشاف بداية جديدة لنا كمجتمع وبلد".
أما عن قراءته  لملامح المشهد الروائي العربي اليوم فقال " انه مشهد ضاج ومتنوع، ومن الضروري ان يستمر بالتنوع، لأن هذا يعني الحصول على اكبر مساحة ممكنة من القراءة. وهو مشهد يكشف عن مواهب حقيقية تحاول التواصل مع القضايا العامة التي تشغل القراء والجمهور العام، وتحاول الانفتاح في الوقت نفسه مع الثقافة العالمية".
و اختتم قائلا "الرواية اليوم يمكن ان تساهم في عالمنا العربي في تشجيع واغراء قطاع اوسع من القراء للتواصل مع القراءة واقتناء الكتب، ومن دون القراءة فأننا سنفقد عنصرا اساسياً من عناصر التنمية البشرية".