أستاذ الفنون التطبيقية الفنان التشكيلي جمال مشعار

كشف أستاذ الفنون التطبيقية الفنان التشكيلي جمال مشعار، عن أبرز مراحل حياته الفنية والمعيقات التي واجهته في سبيل الوصول إلى مركز مرموق على ساحة المبدعين من خلال لوحات مميزة تعبّر عن خلجات النفس البشرية وتغوص في أعماق الروح الإنسانية.

وأكد مشعار في حديث خاص إلى "مصر اليوم"، أنَّ "الفن التشكيلي يُعد من أولى اهتماماته إلى جانب الموسيقى التي اعتبرها مكملة للفن التشكيلي ولا أفرق بينهما في الدرجات، لأنني شغوف بمجال الفن التشكيلي وعاشق للألوان والمزج بينها  منذ الصغر".

وأضاف "درست هذا التخصص؛ لأن أخي أستاذ للتربية التشكيلية وفي البيت كنا جميعًا نرسم في سن مبكرة جدًا، نأخذ منه المواد ونحاول تقليده في كل شيء  وفي السن التاسعة يمكن القول بأنني أصبحت بارعًا في الرسم وأتقن فن التشكيل، الأمر الذي دفعني إلى دراسة هذا المجال بعد مرحلة الإعدادي".

وتابع مشعار "تخصصت في دراسة شعبة الفنون التشكيلية في ثانوية الليمون في الرباط  وتخرجت عام 1997، أستاذا للتربية التشكيلية من المركز التربوي الجهوي في الرباط، إلا أنَّ ظروف العمل والتعيين قادتني إلى مدينة الحسيمة التي قضيت فيها أجمل اللحظات ثم اتجهت إلى الصويرة عام 2007، حيث لم أجد فرقا كبيرًا بين المدينتين من جهة المناخ والجمال وبعض المعالم، إلا أنَّ منطقة الصويرة تمتاز أكثر بلمسة الهدوء التي تجعلها قبلة لكل عشاق الفن التشكيلي وممارسيه للإقامة فيها إذ أنَّ طقسها وشعبيتها وهدوءها يساهم في جعل الفنان التشكيلي والمثقف بصفة عامة، يستحضر إلهامه للإبداع والعطاء أكثر".

واستطرد "المدرسة الانطباعية من أكثر المدارس التي تأثرت بها، لاسيما أنَّها ظهرت في أوروبا في القرن 19 واتصفت بتمردها على ما كان معتمدًا في الرسم التشكيلي، ومنحت الفنانين التشكيليين فرصة للرسم في الفضاء، والجميل فيها أيضًا أنها حافظت على صبغة الفنان التشكيلي الذي يشتغل بالصباغة والألوان والمواد الخام التي كان يشتغل بها الفنانون الكلاسيكيون والرومانسيون".

واستدرك مشعار "إلا أنَّ الفرق الذي تقدمه المدرسة الانطباعية أنَّها تعطي الفنان فرصة لتجسيد الصورة في اللحظة سواء من ناحية الإحساس أو من ناحية السرعة، أي يجسد على اللوحة ما يؤثر فيه سواء ايجابيًا أو سلبيًا دون أن يكون مقيدًا  بوقت معين أو أشياء محددة".

وفيما يتعلق بالفنانين التشكيليين الذين تأثر بهم بشكل كبير، أجاب "هم غونواغ الذي اعتبره فراشة للمدرسة الانطباعية، كونه يتميز بصفات وميزات مثل الفراشة التي بمجرد أن تتحرك أمامك ويجذبك مزيج ألوانها الساحرة الذي يخطف الأنظار، فهو إذن مجموعة ألوان في لوحاته المميزة، مزيج من الأحاسيس والمشاعر وخليط من الأشكال الرائعة، كما اعتمد مختلف المواضيع والقضايا التي تجعلك تسافر في عالم من المتعة والخيال  ما أن تنظر إلى إحدى لوحاته".

وأشار إلى أنَّ المرأة "من بين القضايا التي تأخذ حيزًا كبيرًا في لوحاتي، إذ تجد أنَّ معظمها تتكلم عن المرأة بصفة عامة عن جمالها ورقتها وعن لباسها وإكسسواراتها، كما أعتمد المزج بين الموسيقى والفن التشكيلي إذ من الصعب جدًا أن أتخيل نفسي أرسم لوحة دون أن أستمع إلى الموسيقى، لاسيما أغاني العمالقة مثل الفنان الراحل عبد الحليم حافظ والمرحومة أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب، لاسيما عبد الحليم حافظ الذي اعتبره انطباعيًا في أغانيه إذ تجد أنَّ الأغنية لديه هي تعبيرية أكثر عما يخالجه، في الكلمة واللحن والأداء، ما يجعلني أتعلق بأغانيه أكثر لدرجة أني أسميت عددًا من لوحاتي بأسماء أغانيه؛ لما تحتويه من تعبيرات ومعانٍ شبيهة بالأغنية".

وأكمل مشعار "أشتغل على اللوحة كما لو كنت ألحن قطعة ما، أضيف مقامات وأزيلها، إلى أن أحصل على العمل الذي أريده، وهذه هي لمستي التي أضيفها على الفن التشكيلي وأعتقد أنها مختلفة نوعًا ما عن لمسات الفنانين الآخرين".

وعن الألوان التي يفضلها في لوحاته، أوضح "إنَّ اللون يتحكم فيه الفنان التشكيلي بشكل قطعي، وأنا كنت في بداياتي من عشاق اللون البنفسجي والذي كنت استخدمه كثيرًا في لوحاتي و اعتبرته رمزا للحلم الذي أسعى إلى تحقيقه، لاكتشف فيما بعد أنَّ هذا التعلق باللون البنفسجي ليس إلا تأثرًا من أخي الأكبر إذ كان يستخدمه كثيرًا، ومع مرور الوقت مزجت اللون البنفسجي مع الأصفر لأجد أنني من عشاق اللون الرمادي الملون، والذي أصبح رمزًا معتمدًا في لوحاتي، إذ أمزج ألواني كاملة لأحصل في نهاية المطاف على خليط مميز ممزوج وجامع بين عدة ألوان في رقة وجمالية لامتناهية".

وشَّدد الفنان جمال مشعار، على أنَّ لوحاته لم تعرض يومًا في معارض، سواء كانت فردية أو جماعية، إلا مرة واحدة، موضحًا "أتيحت لي الفرصة لأكون ضيف شرف في اليوم العالمي للمرأة، بحكم أني أشتغل على مواضيع المرأة إذ تلقيت دعوة للحضور، والسبب في ذلك ليس لأنني لا أريد المشاركة في المعارض، ولكن لعدم استقرار لوحاتي إذ بمجرد الانتهاء من لوحة ما إلا وأجدها تحت الطلب ما يجعلني حتى الآن لم أصل إلى عدد كاف من اللوحات يخول لي المشاركة في معرض جماعي".

وبيّن "ذاك الأمر ما يجعلني أتعامل تجاريًا مع من يرغب في شراء لوحاتي دون الدخول في تجربة المعارض، وبكل صدق لوحاتي معروفة بين الناس بلمستها الخاصة وإضافتها، ما جعل فكرة المعرض غير حاضرة اليوم في ذهني، كما إن تلقيت دعوات للمعارض فأنا رهن الإشارة ولا أرفض ذلك".

وتابع مشعار، إنَّ "الفن التشكيلي ما يزال يتخبط في بعض الأفكار السطحية مثل أنَّ وزارة الثقافة هي صانعة الفن التشكيلي، وهذه فكرة خاطئة لأنَّ الفن التشكيلي هو من صنع الرسام التشكيلي والفنانين التشكيليين بصفة عامة مهما اختلفت مدارسهم وانتمائهم، ولم يكن للوزارة يومًا يد في خلق موجة الفن التشكيلية في المغرب، إلا في السنوات الأخيرة إذ تم الاهتمام بهذا الفن على الصعيد الوطني".

وأبرز أنَّ "هذا الفن لم يتلقَ الاهتمام الكافي وأكبر دليل أننا لا نملك سوى معهد للفنون الجميلة في مدينة تطوان وفي مدينة الدار البيضاء على صعيد المملكة المغربية، ما أدى إلى خلق تيارين تشكيليين في المغرب فقط وهما تيار أكاديمي في تطوان وتيار عصري في الدار البيضاء، ما يؤكد أنَّ هذا المجال لم يصل بعد إلى النتائج المرجوة والمطلوبة ووزارة الثقافة هنا تبقى هي المسؤولة كونها من خلق هذه المدارس التشكيلية".

وبيّن "إلا أنَّ كل هذه الصعوبات لم تقف أمام تقدم وتطور هذا الفن الراقي وذلك يظهر من خلال المعارض التشكيلية الكثيرة التي تشهدها مختلف المدن المغربية، فضلًا عن عدد من المهرجانات الوطنية والدولية التي تحتضنها مختلف الفضاءات عبر ربوع المملكة والتي تشهد مشاركة مهمة لمختلف ممارسي هذا الفن ومن مختلف الفئات العمرية لاسيما الشابة، وهذا في حد ذاته يبشر بالخير، ويجعلنا نتفاءل نوعًا ما بمصير الفن التشكيلي في المغرب".

واختتم الفنان مشعار حديثه بالتأكيد على أنَّ "مجال الفن التشكيلي يجعل الإنسان متصالحًا مع ذاته قبل كل شيء، كما أنَّه يجعله قريبًا من مختلف الشرائح المجتمعية يشاركهم همومهم وأحزانهم وأفراحهم عن طريق تجسيد مختلف هذه المشاعر على لوحاته التي تكون موجهة للمتلقي".

وأضاف "كما أنني أجد نفسي صديقا لتلاميذي الذين أسعى دائمًا لأعطيهم الأكثر والأفضل والأجود، وأحاول أن أتقاسم معهم تجاربي سواء في الفن التشكيلي أو في التلحين والموسيقى التي اعتبرها ملاذا أهرب إليه عندما أرغب في الجلوس مع نفسي والتصالح مع ذاتي، لاسيما أننا نعيش في الصويرة التي اشتهرت عالميًا بهدوئها وروعة طقسها التي تجعلك تستخرج كل مواهبك الدفينة وإبرازها للجمهور أو المتلقي".