الطفل عمران دقنيش ابن الخمس سنوات يصير رمزًا لمعاناة حلب وعجز المجتمع الدولي

ظهر في الصورة جالسًا لوحده. طفل صغير مغطى بالغبار الرمادي والدم، وقدماه الصغيرتان لا تتجاوزان حافة المقعد الذي يجلس عليه، ويحدق في ذهول، وفوق كل هذا تبدو عليه علامات الإرهاق، وكأنه يمثل حالة سورية كلها.

الطفل الذي حدَّد الأطباء هويته بأن اسمه عمران دقنيش، يبلغ من العمر خمس سنوات، وتم إخراجه من تحت أنقاض مبنى استهدفته طيران النظام السوري أو الطيران الروسي، شمالي حلب، هو واحد من 12 طفلًا أقل من 15 عامًا أصيبوا في الغارة الجوية التي وقعت يوم الأربعاء الماضي، وهو ليس الحالة الوحيدة كما يقول الأطباء في المستشفى التي تقع في شرق مدينة حلب حيث تسيطر المعارضة.

فبعض الصور تلعب على وتر معين، لأسباب واضحة وغير معروفة في الوقت نفسه، لشدِّ انتباه العالم إلى الكارثة، صورة عمران واحدة من هذه الصور. فبعد دقائق من نشر الصحفيين صورة عرمان، انتشرت الصورة والفيديو بسرعة الصاروخ على مواقع التواصل الاجتماعي في كل أنحاء العالم. وبدون ترتيب مسبق لعب عمران نفس دور آلان الكردي، الطفل السوري الذي مات غرقا وألقت به الأمواج على الشاطئ التركي في سبتمبر/أيلول  الماضي، في جذب الانتباه مرة أخرى إلى الآلاف والآلاف من الأطفال الذين قتلوا وأصيبوا خلال السنوات الخمس من الحرب في ظل عجز أو غياب إرادة الدول الكبرى لوقف المذبحة.

ربما يكون سبب انتشار صورة عمران  قصة شعره الطويل والمسترسل إلى الأمام، أو "التيشرت" القميص القطني الذي يرتديه والذي يحمل صورة شخصية "بيسبوني" الكارتونية، أو هي الحركات المضطربة التي كان يقوم بها، ربما كل هذه الأشياء المألوفة لدى الأشخاص الذين يحبون الأطفال، أو ربما التساؤل الذي لا مهرب منه عما إذا كان أحد من والديه نجا من القصف ليعانقه.

على أي حال، انتشرت صورة عمران والفيديو يوم الخميس في كل أنحاء العالم، وتناقلها السوريون الذين بكوا طلبا للمساعدة أو سخروا سخرية سوداء من تكرار مثل هذا الطلب.

وإحدى صور السخرية تظهر كرسي عمران على المنصة التي تمثل دولته أمام العالم. صورة أخرى تحمل إشارة اتهام موجهة، تظهره يجلس بين أوباما وبوتين. اتخاذ صورة عمران كرمز ليأس السوريين من العالم ليس بالصور الجديدة، فصور القتلى والجرحى يتم نشرها كل يوم على مواقع التواصل الاجتماعي، والكثير منها مخيف بشكل يصعب تصديقه، مثل صور جثث الأطفال التي يتم انتشالها من تحت الانقاض. غالبية هذه الصور نتيحة للقصف الجوي السوري، ولكن أحيانا تكون بسبب قذائف هاون التي تطلقها المعارضة.

وبينما قد يثور البعض من معارضي عرض هذه الصور بكثرة، وتعارض نشر وسائل الإعلام لها، إلا أن صورة عمران ونظرته المألوفة ستجعل جمهورًا واسعًا من المشاهدين في التعاطف مع قضيته. في حالة آلان الكردي الذي غرق بعد ما كانت عائلته تحاول الهرب إلى أوروبا في قارب صغير بدا في الصورة ميتا ولكن جسده سليم ويرقد كما لو كان نائما، مرتديا ملابسه في عناية تدل على اهتمام عائلته به قبل الرحلة.
أما فيديو عمران، فهو يظهره بعد أن تم حمله في الليل من المبنى المدمر، ووضعه في سيارة إسعاف، وكان يحدق في ذهول يمنعه حتى من البكاء، ثم يضع يديه على الجرح، وينظر الى الدماء في الذهول ذاته.

ربما التقط "مركز حلب الإعلامي" القريب من المعارضة والذي يضم صحفيين مدنيين، صور وفيديو عمران، ونشرها الاطباء في المستشفى التي تدعمه الجمعية الأميركية السورية.

الفيديو يظهر أيضا طفلين آخرين يتم إحضارهما الى سيارة الإسعاف، ثم بالغين أحدهما على نقالة مصابين، والآخر مغطى بالغبار ويبدو أنه عاجز عن السير. لقد كانت المستشفى مليئة بالضحايا، وتلقى الطفل علاج فتحة الراس التي أكد الأطباء أنها سطحية لن تؤثر على دماغه، وصور أخرى أظهرت عمران بعد علاجه.

حالة الفوضى في المستشفى منعت الأطباء من التعرف على والديه إن كانا حيين. فالأطباء يقولون أن حالة عمران ليست الوحيدة، فكثيرا ما لا يتعرفون على هوية الأطفال، لأنهم ينقلون بمفردهم، وأعداد الجرحى كثر حتى أن الأطباء يعالجونهم على الأرض، كما أن المستشفى يتم استهدافها في الحرب.
اليوم يحاول الصحفيون معرفة المزيد عن حالة عمران، ولكن الأطباء تجاوزوا حالته ويتعاملون مع قصف اليوم، وينشرون صورا جديدة، منها طفل فقد قدميه.

صورة أخرى نشرها الأطباء لطفل يدعى إبراهيم حيدي، يرقد على نقالة غارقا في دمائه ويحاول الأطباء مساعدته، وبعد دقائق أبلغ الأطباء عن موته، وهناك صورة جديدة له وعيناه مغلقتان، إلا أنه ليس من المحتمل انتشار هذه الصورة.