عودة تنظيم القاعدة من جديد وتنظيم "داعش"

كشف مسؤولون أميركيون وأفغان، أن أزمة أفغانستان الأمنية أحيّت فرصة لعودة تنظيم القاعدة من جديد وتنظيم "داعش" وغيرها من التنظيمات المتطرفة، مما يثير مخاوف بشأن تعرض البعثة الأميركية هناك للخطر. وهاجم تنظيم "القاعدة" مناطق كبيرة يسيطر عليها الأمن الأفغاني، ما ينذر بأنّ هذه المناطق، تشكّل نقطة انطلاق لعودة التنظيمات المتطرفة. فعلى الرغم من هذا، يتمركز الآن قرابة 10 ألف جندي أميركي بالأراضي الأفغانية التي تنحصر مهمتهم في محاربة الإرهاب وتقديم الدعم للقوات الأفغانية التي تتحمل العبء في محاربة الإرهاب.

وصرّح الجنرال " جوزيف لوفيتل" أحد القادة العسكريين التابعين للولايات المتحدة بأن القوات الأفغانية تفرض سيطرتها على 60 % من الأراضي الأفغانية، في حين أن "القاعدة" تستحوذ على 10 % من أفغانستان وتعتدي على 30 % المتبقين. ويشير إلى أن الخطر الحقيقي يكمن في تعاون تنظيم "القاعدة" مع غيره من التنظيمات المتطرفة. 

وقدّر مسؤولون غربيون وأفغان عدد الميلشيات المتطرفة النشطة في أرجاء أفغانستان ما بين 40 ألف إلى 45 ألف متطرف. ولتنظيم القاعدة نصيب الأسد منها بنحو 30 ألف متطرف على الرغم من أن بعضهم مقاتلين موسميين. لكن باقي العدد، مقاتلون تحت ألوية مختلفة حيث أنهم لا زالوا يتوافدون من خارج أفغانستان، فتلك التنظيمات المتطرفة تقاتل بعضها البعض لكن في أغلب الوقت يقاتلون قوات الحكومة الأفغانية وحلفائهم من القوات الأميركية المتركزة هناك. 

وأفاد "الجنرال جون نيكلسون" قائد القوات الأميركية وقوات حلف شمال الأطلسي في أفغانستان بأن من بين نسبة 98% من التنظيمات التي تعتبرهم الولايات المتحدة أو الأمم المتحدة إرهابية حول العالم منها 20% في منطقة أفغانستان وباكستان. فهذه أكثر المناطق تواجدا للتنظيمات المختلفة من أي مكان آخر في العالم. 

وتحدث الرئيس المنتخب دونالد ترامب على مضض في الشأن الأفغاني، فهذا الإرث من الإرهاب الذي يجب التعامل معه من نصيب الرئيس الأميركي المنتخب "دونالد ترامب" وفريقه الأمني. وغالبا ما كان يعلن رغبته بسحب جميع القوات مما أسماه "الكارثة الكاملة التامة" لكن العضو الأبرز في فريق الأمن القومي "مايكل فلين" الجنرال المتقاعد والملم بالأمور الأفغانية قال إن الفوضى في أفغانستان قد تسهم بشكل مباشر في تهديد أمن الولايات المتحدة الأميركية، وأضاف أن الولايات المتحدة عليها أن تنهي ما بدأته من تطهير تلك المنطقة من الإرهاب، فلا يمكن أن تترك الولايات المتحدة الأميركية أرض أفغانستان لقمة صائغة للإرهاب الدولي.

ويشغل بال المسؤولين الأفغان، ما الذي ستتمخض عنه إدارة الرئيس المنتخب "ترامب" فيما يتعلق بالوضع في أفغانستان، حيث يشكل تنظيم "القاعدة" التهديد الوجودي والأساسي للمسؤولين في الحكومة الأفغانية، إذ يقول مسؤولون أفغان إن "طالبان" لا تزال تقتل ما بين 30 إلى 50 فردًا من قوات الحكومة الأفغانية يوميًا في الأشهر الماضية، بالإضافة إلى تهديدهم المباشر لعواصم المدن الإقليمية وسيطرتهم من جديد على الطرق الحيوية، الأمر الذي زاد من صعوبة مهمة قوات الحكومة الأفغانية في محاربة "طالبان". وفي باكستان يتخذ قادة طالبان ملجأ آمنًا لهم، إذ يصرون على توحيد قواهم لاستعادة الحكم مرة أخرى في أفغانستان.

 وذكر بعض المسؤولين الروس بما فيهم "زامير كابولوف" المبعوث الخاص في أفغانستان أنهم فتحوا قنوات اتصال بينهم وبين "القاعدة" لاستخدامهم كوسيلة ممكنة للقضاء على الجماعات المتشددة الأخرى في حال فشلت الحكومة الأفغانية في القضاء عليهم وعلى الرغم من هذا يصر مسؤولون روس على عدم توسعهم في مساعدة المتمردين على الحكومة الأفغانية. 

ويهدد نجاح التمرد الأخير الاستقرار الأمني والسياسي للحكومة الأفغانية، ما ينذر بخلق فراغ إقليمي لنشأة الجماعات المتشددة الأخرى التي تحاول استغلال ذلك، حيث أن التركيز المتزايد للإدارة الأميركية على عمليات محاربة الإرهاب لقوات تنظيم "داعش" التي تطلق على نفسها اسم " تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان"، الاسم القديم لهذه المنطقة، لكن بعد الخسائر الفادحة للضربات الجوية الأميركية والعمليات البرية للقوات الأفغانية خلال العام المنصرم يقدر الآن عدد تنظيم "داعش أفغانستان" بنحو 1000 مقاتل أغلبهم من تنظيم "القاعدة" الباكستاني في المناطق القبلية وفق ما قاله مسؤول أميركي رفيع المستوى رفض الإفصاح عن هويته لصحفي "نيويورك تايمز". ويحتفظ "تنظيم داعش أفغانستان" بقوات خفيفة الحركة لفرض سيطرتها على عدة مناطق في شرق ولاية ننكرهار، كما أنهم لا زالوا على اتصال بالقيادة الرئيسة "لداعش سوريا والعراق من أجل تقديم التمويل والإرشاد. كما أن لتنظيم "داعش أفغانستان" دورًا نشطًا في ساحة العمليات المتطرفة، إذ كشفت "وكالات الاستخبارات الأميركية (السي أي ايه)" بأن تنظيم "داعش أفغانستان" نفذ ما لا يقل عن سبع هجمات إرهابية في أفغانستان منذ منتصف الصيف الماضي وهذا بجانب العمليات الانتحارية.

 وشهدت الساحة الأفغانية تنافسًا ضاريًا بين قوات "داعش" وقوات "طالبان"، حيث أعلنت "داعش" خلافها المذهبي مع "طالبان" ودارت بينهم اشتباكات حول معقل "داعش الرئيسي في الشرق الأفغاني. وصرّح مسؤول أفغاني رفيع المستوى رفض الكشف عن هويته لاعتبارات أمنية بأن فكرة قتال "طالبان" تنظيم "داعش" ليست بالحقيقة الكاملة إلا أنها تقاتل القوات الأفغانية في جميع أرجاء أفغانستان. فحين اشتعلت حدة القتال الدامي بين "طالبان" "وتنظيم داعش" في الشرق كانت طالبان نفسها تتعاون مع عناصر من "تنظيم داعش" في الشمال والشمال الشرقي للبلاد. ويدلل على ذلك تصريح مسؤول أميركي رفيع المستوى بأن "شبكة حقاني الإرهابية" المسؤول الأساسي عن تمرد طالبان العسكري على الحكومة الأفغانية عام 2015 أصبحت أكثر انفتاحا لعرض مناقشات حول "تنظيم داعش". 

ويحذر " محمد حنيف أتمار" مستشار الأمن القومي في الحكومة الأفغانية  من أن القضاء على "تنظيم داعش" ومكافحة الإرهاب على رأس اهتمامات الحكومة الأفغانية بمشاركة القوات الأميركية المتمركزة في أفغانستان، فكل التنظيمات الإرهابية يتشاركون الأيدلوجية المتطرفة ذاتها. ويتابع " محمد حنيف أتمار" "لا يمكن للحكومة الأفغانية أن تسقط من حساباتها محاربة "تنظيم داعش" فكل التنظيمات الإرهابية ذات صلة بعضها البعض لذلك لا يمكن ترك أي جماعة إرهابية بمفردها تعوث فسادا على الساحة الأفغانية. فتنظيم داعش وطالبان وجهان لعملة واحدة ضعفت قدراتهما القتالية بشكل ملحوظ جراء استهداف القوات الأميركية الخاصة والهجمات الجوية بدون طيار للرؤوس الكبيرة في التنظيمين، بالإضافة لقلب التنظيم الأساسي الذي يركز هجماته في خارج أفغانستان بالإضافة إلى هجماته في أفغانستان وباكستان، كما أنشأ تنظيم القاعدة فروعًا جديدة له في الهند، وكل تلك الأمور موضع تركيز الإدارة الأميركية في حربها على الإرهاب. ويقدّر مسؤولون في الإدارة الأميركية عدد العمليات التي استهدفت تنظيم القاعدة الأصلي أو فروعه الجديدة بنحو 200 عملية. 

ويتابع السيد " محمد حنيف أتمار" حديثه بأنه لا يوجد تغير في غايات "تنظيم القاعدة" الذي يسعي لتخريب البلدان الغربية والديموقراطيات الإسلامية، فالاختلاف استعانتهم بجماعات أخرى في حربهم كشبكة حقاني وعسكر طيبة الإرهابيين وهذا ما يجعل تنظيم القاعدة بالغ الخطورة. وأشار "مسؤول استخباراتي" إلى أن تنظيم القاعدة الأصلي قد شهد انشقاق في بعض صفوفه ليذهب هؤلاء المقاتلين لتنظم "داعش أفغانستان" حيث ترسلهم "داعش أفغانستان" إلى سوريا للقتال جنبا إلى جنب مع المقاتلين "بداعش سوريا". كما أن الجماعات الإرهابية الأخرى التي كانت تتبع "القاعدة" يميلون للانضمام "لتنظيم داعش". 

ويسيطر الخوف على المسؤولين الأفغان والأوروبيين من أنهم إذا كثفوا العمليات العسكرية ضد "تنظيم داعش" في العراق وسورية قد يجد رموز التنظيم الطريق خاليا لنحو أفغانستان، حيث مساحات كبيرة خارج سيطرة القوات الأفغانية. وبيّن " محمد عمر دواودزاي" وزير الداخلية الأفغاني السابق أن الولايات المتحدة جاءت لأفغانستان لتحقيق مبدأ واحد وهو عدم السماح للدولة الأفغانية أن تنزلق مرة أخرى في نفق الإرهاب، فلا شيء تغير في تهديد تلك الجماعات فالقاعدة كتنظيم داعش يمثل شرارة الانطلاق للإرهاب في حين أن التطرف كفكر يمثل التهديد الحقيقي وهو بالفعل أخذ في الانتشار.

 وأشار الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي في أفغانستان السفير " فرانز مايكل ميلبين " إلى أنه إذا لم يتم التعامل مع الجماعات الإرهابية كجملة واحدة فيمكن دائما لفصائل أحد الجماعات أن ينضم لجماعة أخرى أو تبديل العناصر بينهم. ويتابع أن تلك الجماعات تهدد السلم الدولي، فبعضهم لديه طموحات داخلية كتنظيم "القاعدة" والبعض الآخر الذي يشكل الأغلبية له طموحات تتجاوز حدود أفغانستان. وأنهى حديثه بأن الإدارة الأميركية لها الفرصة في تقييم الوضع على الأرض وإحداث بعض التغييرات في مهمتها، فالعالم في غنى عن هذه النقاشات بعد 15 عامًا من الآن.