ثورة غضب المصريين في الأردن

حلم ضائع وسحابة لبست ثوب حداد وعلى المدى أسراب طير راحل نسي الغناء فصار سرب جراد، هذه بلاد تاجرت في أرضها وتفرقت شيعا بكل مزاد لم يبق من صخب الجياد سوى الأسى تاريخ هذه الأرض بعض جياد في كل ركن من ربوع بلادي تبدو أمامي صورة الجلاد لمحوه من زمن يضاجع أرضها حملت سفاحا فاستباح الوادي، لم يبق غير صراخ أمسى راحلا، ومقابر سئمت من الأجداد وعصابة سرقت نزيف عيوننا بالقهر والتدليس والأحقاد ما عاد فيها ضوء نجم شارد، ما عاد فيها صوت طير شادٍ، تمضي بنا الأحزان ساخرة، وتزورنا دوما بلا ميعاد، شيء تكسَّر في عيوني بعدما ضاق الزمان بثورتي وعنادي، أحببتها حتى الثمالة بينما باعت صباها الغض للأوغاد، لم يبق فيها غير صبح كاذب وصراخ أرض في لظى، استعباد لا تسألوني عن دموع بلادي.

هذه الكلمات قالها الرائع فاروق جويدة في قصيدته "هذي بلاد.. لم تعد كبلادي" نتذكرها سريعا عندما نسمع خبرا عن مأساة أو معاناة المصرين المقيمين في الخارج، نتذكرها أيضا عندما تتنافس وسائل الإعلام في تغطية أخبار تتعلق بالسفارات المختلفة أو السفراء في الدول العربية دون تطرق الكثير منها إلى مشاكل هؤلاء المصريين.
نتأثر كثيرا عندما نعلم أن هؤلاء الهاربين من جحيم الحياة في بلادهم هربوا بحثًا عن لقمة عيش في بلاد مجاورة، أو هربوا بحثا عن حلم الزواج وتكوين الأسرة التي قد يكون دافعا للكثير من الشباب للعمل وتخطي تحديات وصعوبات في حياتهم من أجل هذا الحلم، لكن حلمهم قد يتحول إلى دافع الموت إما بالسقوط من أعلى الإنشاءات أو التعرض لممارسات أمنية وحشية. هذه الكلمات التي قالها الكاتب فاروق جويدة تتجسد معانيها في قرى ومدن محافظات جمهورية مصر العربية  التي يعاني أهلها غربة ذويهم في البلدان العربية الشقيقة لكسب لقمة العيش، لكنهم يتعرضون للمخاطر والاعتداءات الجسيمة دون تحرك من السفارات المختلفة.


"الأردن" تلك الدولة التي تضم أكثر من 500 ألف عامل مصري، فكل شبر فيها شاهد على جهد وتعب وعرق المصريين الذين حملوا الحجارة ليشيدوا العمارات والأبراج، عملوا في المدارس ليعلموا أولاد الذوات، باتوا في المستشفيات ليسهروا على راحة المواطن الأردني، تحملوا مشقة السفر والغربة وذهبوا إلى وطن في غير الوطن من أجل لقمة العيش، لكنهم تعرضوا للاعتداءات والملاحقات الأمنية في بلد اعترفت صراحة بأن هناك بعض المهن مغلقة على مواطنيها وأنه يجب تسريح العمالة المصرية العاملة في هذه المهن على عكس ما يحدث في وطننا "مصر".
 قد تجبرهم الظروف على القيام بأعمال لا تتفق مع المبادئ العامة والقيم السائدة لحقوق العمال المهاجرين وقد يتعرضون لعمليات الإتجار بهم أو الخضوع لشروط أقل من شروط عمل الآخرين بسبب تشغيل "الكفيل" لهم في مهن غير التي سافروا من أجلها، بجانب تعرض الكثير من المصريين للسجن غير القانوني بسبب تجاهل السفارات لهم وعدم التدخل لحمايتهم من السجن وتعرضهم للاعتداءات سواء بالقتل أو السرقة بالإكراه أو غيرها.


حاولنا رصد بعض مشاكل المصريين العاملين في دولة الأردن خصوصا بعد تزايد الاعتداءات ومنها اعتداء أشقاء رجل أعمال منذ أيام على مصري جنسيًّا بعد خطفه وإلقائه على إحدى الطرق الصحراوية عقب ضربه، وأيضًا بعد إعلان العاملين في الأردن عن تنظيم وقفة احتجاجية أمام السفارة المصرية في العاصمة الأردنية "عمان" ضد ملاحقات الشرطة التي أسفرت عن مقتل عامل سقوطًا من أعلى "السقالات" وإصابة آخرَين عقب ملاحقة الشرطة لهم.
قال عمرو الغريب أحد المصريين المقيمين في الأردن، إنه عقب قرار وزير العمل الأردني على الغزاوي بتقليص العمالة في الأردن وتسريح بعض العاملين في بعض المهن الخاصة بالأردنين - أصبحت الشرطة تُلاحق المصريين دون غيرهم من الجنسيات؛ مما يؤدي إلى تعرضهم للسقوط والموت أحيانًا سواء من أعلى "سقالات البناء" كما حدث منذ أيام أو أثناء محاولة الهروب. مضيفا أن وزير العمل بادر برفع أسعار استخراج وثائق العمل كالتصاريح، مع وقف تجديد تصاريح العمل للمصريين دون غيرهم كأنه يصفي حسابات مع العمال المصريين، موضحًا أنه يتم تغريم العامل المصرى 500 دينار حال عدم تجديد تصريح العمل رغم وضع عراقيل أمامهم.
وأوضح أحد المصريين المقيمين في الأردن أن السفارة المصرية لا تسأل عنهم حال تعرضهم لمشاكل سواء مع الكفيل أو موظفي استخراج الأوراق الرسمية. وأكد عبد الغفار أحمد أحد ابناء محافظة كفر الشيخ العاملين في الأردن، أنه عقب قرار وزير العمل الأردني بملاحقة المصريين الحاصلين وغير الحاصلين على تصاريح عمل لتسفيرهم وتوفير فرص عمل للأردنيين شنت الشرطة بمساندة أجهزة الأمن العام الأردنية عددا من الحملات التفتيشية على مواقع العمل الأردنية سيما المعمارية منها التي يعمل بها المئات من أبناء الشعب المصري.
وأشار عبد الغفار إلى أن الشرطة تقبض على كل مصري وتترك غير المصريين حتى لو كانوا غير حاملين لتصاريح العمل، مشيرًا إلى أن الشرطة الأردنية تصفي حسابات مع المصريين دون ذنب، مؤكدًا أنه أثناء قيام الشرطة بحملة تفتيشية في إحدى ضواحي عمان حاول 3 شباب الهرب خوفًا من القبض عليهم ودفعهم لغرامات مالية كبيرة مما أدى إلى سقوطهم من أعلى "سقالات البناء" ووفاة أحدهم وإصابة الآخرين بكسور وجروح متفرقة.
وأكد ضياء السيد أحد المصريين العاملين في الأردن، أن الشرطة الأردنية تفرض 500 دينار أردني حال عدم تجديد تصاريح العمل، مشيرًا إلى زيادة رسوم استخراج الأوراق، موضحًا أنهم ذهبوا للسفير خالد ثروت سفير مصر في الأردن الأيام الماضية للتقدم بشكوى ضد أفراد الشرطة الأردنية لكنهم لم يستطيعوا مقابلته. وشرح عبد العزيز محمد بسيوني أحد العاملين في الأردن أيضا، أن سكنه هو وزملاءه تعرض لحملة تفتيشية الخميس 4 آب/ أغسطس الجاري رغم وجود تصاريح عمل معهم ستنتهي في شهري كانون الثاني/ يناير وأيار/ مايو المقبلين، لكن الشرطة الأردنية استهدفت سكنهم دون وجه حق، وعندما قدم تصاريح العمل وكل الوثائق الرسمية أصرت الشرطة على أخذه؛ مما أدى إلى محاولة هروب صديقه عبد العال وسقط وكُسر ذراعه الأيسر. مشيرا إلى أن الشرطة تُلاحق المخالفين والمنضبطين، وتفرض عليهم غرامات بدعوى أنهم يعملون في مهن غير مهنهم أو غيرها من الحجج، والشرطة بدأت في تنفيذ حملات أمنية مكثفة تستهدف المصريين دون غيرهم ودون مبررات في بعض الأحيان، على حد قوله.
ولفت رجائي جمال أحد العاملين في الأردن، إلى أنه حال القبض على المصريين يدفعون كفالة تتخطى 2000دينار، موضحًا أن عددًا من المصريين يحاولون نقل العامل الذي تعرض للاعتداء من قبل أشقاء رجل الأعمال، من مستشفي البشير الأردنية الحكومية لكن باءت المحاولات بالفشل بسبب تهديد رجل الأعمال للمصريين، مضيفًا أن السفارة المصرية لكم تتحرك تجاه إنقاذ هذا العامل. وقال محمود يوسف أحد المقيمين في الأردن، إن أصحاب الأعمال في الأردن يظنون أن العامل المصري دون كرامة نظرًا إلى عدم اهتمام السفارة بنا، ويوظفونا في مهن ليست هي التي سافرنا من أجلها، ثم يأكلون حقوقنا في بعض الأوقات، وعندما نريد تغيير الكفيل لا نستطيع، وإذا هربنا للعمل في أماكن أخرى يبلغون عنا.
 
نصب الكفيل وسجن المصريين
 
وبيَّنت نورا أحمد إحدى العاملات في الأردن، أن المصريين يعيشون حياة كلها ذل ومهانة فالعامل المصري يذهب إلى الأردن بعقد عمل وعندما يصل إلى ميناء العقبة يدفع 250دولارا، وفي حالة تسوية التصريح خلال 45 يوما يسترجع المبلغ، موضحة أنه يدفع أكثر من 16ألف جنيه قيمة العقد، وعندما يصل يرفض صاحب العقد عمل تصريح له ويضطر لعمل تصريح على مكان آخر مما يتسبب في ملاحقة الشرطة له ويتعرض للضرب والإهانة وسب الشعب المصري والرئيس السيسي. موضحة أن هناك أحد المصريين معه عقد زراعي ساري المدة قُبض عليه داخل السوق المركزي وأُدخل السجن وصدر قرار بتسريحه، وعندما ذهب للسفارة لم تفعل له شيئا.
ونوَّه أحد العاملين في الأردن عبر صفحة "مجموعة الجالية المصرية في الأردن" على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" بأن علاء محمد أحمد عارف سعيد أحد أبناء محافظة أسيوط، سافر والده إلى ليبيا واتقطعت أخباره واضطر علاء للسفر إلى الأردن في 2008 وعمل في تحميل الحجر والرخام، وفي شهر كانون الثاني/ يناير الماضي اتصل به أحد الأشخاص وقاله له "أنا عايز أحمل تريلة حجر من محافظة معان متجهة للسعودية، وكان رد علاء بالرفض لأن تصريح عمله في منطقة عمان؛ راح الراجل قاله خلاص هبعتلك الحجر في سنجلين علي عمان وإنت رصهم علي طبالي خشب وهات رافعة واجمع ترلة من عندك وأنا هبعتلك كل الحساب مع الحجر" طبعا علاء وافق.
 
واستكمل القصة "اتفق معاه وجات السناجل محملة بالحجر وبدأ علاء بمعاونة ابن عمه مجدي عمر أحمد برص الحجر وتربيطه بماكينة خاصة به، واتصل بمكتب التخليص لصاحبه محمد موسى شاهر غيث ليجمع له سيارة، واتصل محمد غيث بمحمد نصار صاحب مكتب نقل وبعتلهم سيارة وحملو الحجر واتجهت السيارة إلى حدود المدورة الأردنية وتبوك السعودية؛ وإذا بالجمارك تكتشف أن الاحجار محشوة بمليون حبة مخدر (للعلم متوسط سعرهم 750 ألف دينار أردني، أي ما يعادل 11مليون و250 ألف جنيه مصري). مختتما "أُبلغ عن السيارة وبتسلسل الأسماء (السائق- مكتب النقل- مكتب التخليص- علاء) هنا وقف التسلسل لأن كل الذي يربط علاء بالتاجر رقم الهاتف، مع العلم أنه لم يقبض على علاء بل هو الذي سلم نفسه، وهو الآن موجود في سجن الجويدة منذ 7 أشهر، والسفارة لا حياة لمن من تنادي ولا تعلم عنه شيئًا رغم مناشدة المصريين للسفير المصري في الأردن".
هذه بعض قصص وحكايات المصريين المقيمين في الأردن الذين اتفقوا على تنظيم وقفة احتجاجية أمام السفارة المصرية في عمان الأحد 7 آب/ أغسطس الجاري اعتراضًا على ما أسموه بـ"الملاحقات الأمنية من قبل الشرطة الأردنية". وقال عدد من المصريين العاملين في الأردن إنهم يتعرضون لملاحقات أمنية غير مبررة (على حد قولهم)، موضحين أنهم قرروا تنظيم الوقفة الاحتجاجية أمام السفارة المصرية عقب تزايد الاعتداء على المصريين وتعذيبهم وقتلهم.
 
بدورنا عرضنا شهادات بعض المصريين المقيمين في الأردن وحق الرد مكفول للسفير خالد ثروت والجهات الحكومية في عمان.