الأسلحة النارية

اشتهر صعيد مصر بتجارة السلاح، بحكم العادات والتقاليد القبلية، والبيئة التي تغلب عليها  معارك الثأر والمنازعات والخصومات، التي راح بسببها المئات من أبناء الصعيد، ولايزال يوميًا يتساقط أبناء الصعيد، أخرها ما حدث الأسبوع الماضي، وسقوط  8 قتلى من عائلة واحدة بسبب خلاف حول ملكية أرض زراعية. واقتناء السلاح لدى المواطن الصعيدي من أهم أولوياته، فالعائلات تعتمد على بيع ما تملكه من أراضي زراعية وعقارات في سبيل اقتناء السلاح، فهو وسيلة للصعايدة للتباهي والتفاخر بين العائلات وبسط القوة والنفوذ القبلي والاقتصادي.

وتكشف "مصر اليوم"، كيفية دخول السلاح؟ من خلال اختراقها لأوكار تجار السلاح، وتستعرض مع الخبراء سبُل القضاء على هذه الظاهرة.

برر أحمد مصليحي، عامل زراعي، حمل الصعايدة للأسلحة، بمقولة "فرد في اليد يحميك في البيت والغيط"، مؤكدًا أن السلاح في الصعيد يلقى قبولًا كبيرًا من الصعايدة، للتعويض عن دور الأمن المفقود، مضيفًا "كثيرًا ما تعرض للسرقة بالاكراه على الطريق الزراعي ليلًا، الأمر الذي دفعه للبيع ما يملكه لشراء فرد، للحماية من حوادث السرقة والاختطاف".

كيفية دخول السلاح إلى الصعيد

لعل السؤال الأهم، هو كيفية دخول هذه الكميات الكبيرة من السلاح إلى صعيد مصر، بعيدًا عن أعين الأمن؟!، وتدخل هذه الأسلحة إلى الصعيد، إما عن طريق "الدروب الصحراوية"، بواسطة الجمال في مناطق يغلب عليها ضعف الأمن والحراسة، ويتم بعد ذلك دفن السلاح في الصحراء في مغارات معروفة تحمل إشارات مفهومة، ثم تنقل هذه الأسلحة على كميات حتى لا تقع في قبضة الأمن إلى مخازن السلاح بالتدريج، أما الطريقة الأخرى لدخول السلاح إلى صعيد مصر، هي "التهريب" وهي الطريق الغالبة في الوقت الجاري من خلال السودان وليبيا، نظرًا لضعف الأوضاع الأمنية في هاتين الدولتين وعدم استقرار الأوضاع السياسية والاقتصادية، وذلك عبر النيل بواسطة "صنادل" ويتم تفكيك السلاح ودفنه في قيعان الصنادل.

أكثر أنواع الأسلحة رواجًا

يأتي على رأس أكثر أنواع الأسلحة رواجًا في صعيد مصر "الفرد الروسي"، "ومسدس حلوان"، والأسلحة المحلية الصنع التي تصنع في الورش، وهو المسدس ذو الطلقة الواحدة، الذي يتم تصنيعه عن طريق خراط المواسير الحديدية، بحيث تكون على مقاس الطلقات المراد استخدامها سواء الروسية أو عيار 9 مم، ويتراوح سعره ما بين 500-700 جنيه، ويتوقف ذلك على ظروف العرض والطلب. يلي بعد السلاح الروسي على رأس أكثر أنواع السلاح انتشارًا في صعيد مصر، السلاح العادي ذو الخمس طلقات ألماني الصنع ويتراوح سعره ما بين "5000-7000 جنيه"، ويليه الرشاش البلجيكي "الغرنوف"، وسعته ألف طليقة ويصل سعره في الوقت الجاري إلى 30000 ألف جنيه، ويأتي في المرتبة الرابعة البنادق الآلية الثقيلة التي تتراوح ثمنها ما بين "12-15 ألف جنيه" والبنادق الآلية ذات الأربعيين طلقة البلجيكية الصنع ويتراوح ثمنها ما بين "6-8 آلاف جنيه"، والسلاح الروسي والعراقي التي تتراوح أثمانهما ما بين "9-12 ألف جنيه.

بالأسماء مراكز بيع السلاح

وتتمثل أهم المناطق الصعيدية لبيع السلاح، في قرى أبو حزام وحمرة دوم في قنا في مركز نجع حمادي، وهي قرتين ضالعتين في الإجرام والخصومات الثأرية منذ عقود طويلة، وفاو قبلي وفاو غربي، وفاو بحري، والياسنية والسمطا، وتأتي الحجيرات في قنا، والسلامات والكرنك، التابعيين للمركز أبو تشت محافظة قنا من أكثر مناطق بيع السلاح، أما في سوهاج تأتي قرى البلابيش قبلي والبلابيش بحري، والكشح والأحايوة وأولاد خلف التابع، وهو المركز الذي شهد من سنتين المعركة الثأرية الشهيرة التي راح بسببها 12 قتيل، أما في أسيوط تأتي البداري على رأس المناطق بيع السلاح، يليها ساحل غنيم والغنايم والبدرشيين.

 

أشهر الأسماء في عالم تجارة الموت

ويعد شهدي حمام أبو سريع، عفريت الحمبولي، الجن، الوحش، أبو قرين، الأسيوطي، أشهر تجار السلاح في صعيد مصر، الذين تحولو خلال أعوام قليلة من تجار عاديين إلى  "امبراطورات وملوك السلاح" في صعيد مصر، ويأتي على رأسهم الحمبولي، المعروف بخط الصعيد، الذي تم الحكم عليه مؤخرًا بـ 190 سنة سجن لاتهامه في قضايا قتل وسرقات بالاكراه وتجارة السلاح، أما الجن هو من أشهر أباطرة السلاح في أسوان، والتي كشفت التحقيقات التي أجرتها النيابة العامة في أسوان، عقب مذبحة الهلايل والنوبة، أن الجن هو من قام ببيع السلاح إلى الهلاليل مقابل 2 مليون جنيه.

 

السلاح والثأر والدية

في عالم الثأر بين العائلات والقبائل أصحاب الخصومات الثأرية، يصبح السلاح هو الحل في صعيد مصر، فمن يمتلك السلاح هو المنتصر دائمًا وهو من يملك الأمر والنهي، وفي سبيل ذلك تحصد حوادث الثأر بين العائلات المئات من الأفراد. فالثأر عند الصعايدة لا يسقط بالتقادم، حتى لو ظل القاتل متخفيًا من أعين أهل القتيل لأعوام أو خلف القضبان، فسجنه او إعدامه لا يشفي غل أهل القتيل، لابد عن أخذ الثأر عند الصعايدة إلا ويعتبر ذلك وصمة عار تلحقهم في كل مكان وكل زمان. وغالبا ما تنتهي حوادث الثأر بالدية وهي حفنة من المال، يدفعها أهل الجاني إلى أهل القتيل، وأحيانًا يقبلون ما يسمى بـ "القودة" وهي عادة قبلية قديمة يقوم فيها المطالب بالدم وغالبًا ما يكون كبير العائلة أو القبيلة بحمل ثوب من القماش على هيئة "الكفن" ويذهب مع أفراد العائلة إلى منزل أهل القتيل ويقدم لهم الكفن وبعدها يتم نحر الذبائح إعلانًا بنهاية الخصومة وانتهاء الثأر.

وكشف العمدة رفاعي عبد الوهاب من قرية الأشراف لـ "مصر اليوم"، أن تجارة السلاح أصبحت للأسف في الصعيد "عُرف" سار عليه الأجداد والأباء ومن بعدهم الأبناء.

 ويرى رئيس محكمة الجنايات سابقًا، المستشار أحمد عبدالعزيز في حديثه لـ "مصر اليوم"، أن رواج تجارة الموت في الصعيد يرجع إلى الإنفلات الأمني، وتجاهل الحكومات المتعاقبة قبل وبعد الثورة لمطالب أهل الصعيد وحرمانه من التنمية الحقيقية والمشروعات الاقتصادية والخدمات الصحية وتجاهل الوعي التعليمي والثقافي، وكل ذلك جعل من الصعيد مناخ ملائم للبيع  ورواج لتجارة السلاح، وتوقف النشاط السياحي في قنا والأقصر ساعد في اللجوء الكثير من شباب الصعيد إلى المتاجرة في السلاح للحصول على الربح والثراء السريع.

ويتفق معه أستاذ القانون الجنائي، الدكتور خالد موسى الذي يرى أنه لابد من تفعيل دور اللجان المصالحات وجمع السلاح من الشباب والأهالي، وحل الخصومات الثأرية، إضافة إلى تفعيل دور الأمن الغائب منذ ثورة يناير. ويرى اللواء محمد ثروت الخبير الأمنى والاستراتيجي في حديثه لـ "مصر اليوم"، أن شراء أنصار الجماعات المتطرفة السلاح من الصعايدة، يرجع إلى تدمير الأنفاق بين سيناء وغزة، لأنها كانت تستغل هذه الأنفاق في نقل السلاح عبر حماس.