القاهرة – محمد أحمد
بعيون دامعة من قسوة الحياة، وخدود حفرت فيها الدموع مجرى لها، يتطلع أكثر من (20 ألف) مواطن من سكان العشوائيات في ضواحي الجيزة نحو السماء.
ذكرت التقارير الحكومية، بأن العشوائيات في مصر نتجت عن أسباب عدة، أولها، الهجرة الغير مقننة من أبناء الريف المصري إلى الأماكن الحضرية، ولما كان هؤلاء لا يجدون ما يسكنون فيه إضطروا إلى السكن على أطراف المدن في مساكن لا تليق بالبشر أو عشش ومع مرور الوقت تم توصيل بعض المرافق إلى هذه الأماكن مما أعطى هذه البيوت والعشش صفة قانونية.
ليس هذا فقط، ولكن كانت الإنهيارات الكثيرة للبيوت والوحدات السكنية في مصر، وتضارب قوانين الإيجار المصرية، كل هذا أنتج عدد من العشوائيات، هذا بالإضافة إلى عدم توافر بديل للوحدات المنهارة، أو قدرة الدولة على توفير بديل للقوانين المتضاربة.
كل هذا أدى إلى نشوء عدد من معسكرات الإيواء وهذه بطبيعة الحال أدت إلى نشأة المناطق العشوائية، لأنها تحولت إلى عشش أو هجرها بعض سكانها وإستقروا على أطراف المدن مما ساهم في نشأة المناطق العشوائية.
بدأت رحلتي إلى داخل هذه العشش العشوائية في منطقة عشوائيات ضواحي الجيزة.. تقع تلك المناطق على مساحة تقارب الـ(20كم2), وهي تجاور بعضها البعض وتقع في غرب محافظة الجيزة, وتمثل مناطق زهراء العمرانية والكونيَّسَة وبدوي والقصبجي وترسا البلد، وتلاصق هذه العشوائيات الطريق الدائري: المريوطية، المنيب، المعادي، وتبلغ الكثافة السكانية لهذه العشوائيات ما بين (15000 إلى 20000 نسمة), ويعبر بها خط مترو أنفاق " الجيزة - شبرا الخيمة" في ثلاث محطات رئيسية متتالية متتابعة.
قمامة منتشرة في أزقة ضيقة مزدحمة لا يدخلها الضياء، والمواصلات الرسمية هي " التوكتوك, والدراجات" نظراً للضيق الشديد في الحواري إذ أحيانًا تبلغ مساحة عرض الشارع (100 سنتيمتر).
طوابير مزدحمة أمام المخابز، ولحوم معلقة أمام أكشاك الجزارة لا تجد من يشتريها بسبب أسعارها الباهظة.. فهنا يأكل هؤلاء البسطاء " الهياكل" وهي تعني "الأرجل والأجزاء الداخلية من الدجاجة" يبلغ سعرالكيلو (6جنيهات), هذا في أيام الرفاهية القليلة التي يقتطوعنها من الحياة المؤلمة, وأما الحياة اليومية, فلا مانع أن يكون غموس الخبز هو "الطرشي" فقط أو"المِش"، وأحيانًا تكون " الدَقَـّة" المصنوعة من الملح هي غموس الخبز فهذا أفضل من البيات أحياناَ في كثير من العشش بلا عشاء بالمرة.
إن تركيبة هذه العشش غريبة، ومدهشة إلى حد ما، فتتكون هذه الأكواخ أو العشش من الخشب أو الصفيح، أو من الكرتون ويتم تغطيتها ببعض ملاءات السرير القذرة، فيما يتم سقف بعض هذه الأكواخ ببعض جذوع النخل، أو ألواح الخشب إذا كان سكان الكوخ في بحبوحة من العيش ورغم هذا فأن هذا ترف لا يحظى به كثيرون.
يقتسم سكان هذه الأكواخ دورة مياه واحدة تستخدمها جميع هذه الأسر، ويمتهن السكان في المناطق العشوائية المهن الدِنيا في المجتمع، فما بين بيع البطاطا على الأرصفة وتوزيع الإعلانات الورقية وبيع المناديل في طرقات عربات المترو، وبيع الفواكه الرديئة، أو تصليح الكوالين، هذا إلى جانب خدمة مسح السلالم في الوحدات السكنية الفخمة، ولا يعمل سكان هذه المناطق في خدمة المنازل نظرًا لخوف السكان من إنتقال الأمراض إليهم، ولكن تظل المهنة الأهم هي جمع الكرتون والبلاستيك من مقالب القمامة.
يفترش سكان العشش الأرض ليلًا، فلا توجد أمتعة أو أسرة يناموا عليها، والأرض ترابية فلا توجد أرضيات، وتصبح الأرض طينية نتيجة تسرب مياه المجاري الملوث، فيفترش الفقراء الطين حتى يناموا, وكأنهم ينامون في المراحيض.
لا تزيد مساحة هذه العشش عن مترين أو ثلاثة أمتار مربعة، وغالبًا ما ترتكن هذه الأكواخ إلى جدران المباني أو أحد الأسوار، فغالبا ما تتكون الأكواخ من ثلاثة حوائط خشبية أو كرتونية أيًا كان نوع الكوخ.
فى بعض الأحيان ونتيجة لكبر الأبناء وحاجتهم للزواج، يتم إقتسام الكوخ إلى نصفين.
تتكون الأسرة في المناطق العشوائية من ورق الكرتون الكبير وتُوضع كراتين البيض على أطرافه الأربعة كقوائم له، و لا تخلو عشة من الكنبة البلدي المستطيلة وعليها شلتة محشوة بقطع القماش القديمة، بالإضافة إلى دولاب خشبي متهالك.
وهنا تتجلى في العشوائيات ظاهرة "الباجور، وابوور الجـاز" وكذلك "أنبوبة البوتاجاز الصغيرة " ولا وجود للإختراع المسمى "البوتاجاز" مما يزيد العشوائية عشوائية، بالتعرض للحرائق والأضرار, ويضع بعض سكان العشش، الحلل والأطباق في أقفاص صغيرة معلقة على الجدران, وليست كل العشش بها دولاب لوضع الملابس بها, فالبعض يضعون ملابسهم في كرتونة أو يعلقونها في مسامير علي الجدران أو على حبل ممتد وسط العشة .
وأما الأدوية والحالة العلاجية في العشوائيات, فلا توجد أدوية، وإذ جرح أحدهم يطببو الجرح بوضع كمية من البن أو يتم دق بعض الطوب الطفلي الذى يستخدم في البناء من أجل وضعها وتستخدم لأغراض أخرى، وإن طالت فترات المرض عند الرجال بما يعني توقف الدخل، وأيضًا تؤثر البيئة غير الصحية في العشوائيات في تزايد إنتشار الأمراض, وأيضًا غياب التأمين الصحي في تلك العشش.
غالبًا لا توجد مياه صالحة للشرب في هذه الأكواخ، ويستخدم السكان دورات المياه في المساجد القريبة، أو يسمح لهم بعض سكان الوحدات السكنية القريبة بإستغلال مياه الصنوبر الموجودة في حدائق هذه الوحدات، ويتم تخزين هذه المياه في إناء فخاري يطلق عليه "الزير" ، بالإضافة إلى بعض الجراكن والحلل.
ظاهرة "الإستحمام في الطشت".. هي إحدى الظواهر الأكثر شهرة في هذه المناطق، فيستحم السكان في هذا الأناء، ويتم تجميع الأطفال على أبواب الأكواخ من أجل الإستحمام، هذا دون مراعاة للخصوصية أو الآداب العامة.
إن موائد الرحمن والأعياد وبخاصة عيد الأضحى يعتبر من أهم الأيام في حياة سكان هذه الأكواخ، لأن بعض ميسوري الحال يقيمون موائد عليها أصناف من اللحم، أو يقدمون لسكان الأكواخ اللحم فى عيد الأضحى، لا يتذوق سكان الأكواخ من الفاكهة الأ رديئها.
كثيراً، ما تئن معدتهم من الفول أو الطعمية، ولكن لا بديل لهم .
ينظر الكثيرون، إلى الحكومة المصرية الحالية، وإلى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، صاحب الشعبية الأكبر منذ عهد جمال عبد الناصر، خاصة مع تشبهه كثيرًا به، آملين في أن ينجح فيما فشل فيه الكثيرون.