القاهرة - وفاء لطفي
نجاحهم في تخطي الإدمان يعطي طاقة إيجابية كبيرة لمن يستمع قصصهم؛ فهم شباب تغلبوا على أنفسهم وتحرروا من أغلال المخدرات، ثم منحتهم الحكومة فرصة لاقتراض قروض ميسرة من بنك ناصر الاجتماعي؛ لإعادة دمجهم في المجتمع وتنفيذ مشروعات صغيرة تدر لهم دخلا يستعينون به على متطلبات الحياة.
مبادرة الحكومة التي تحمل اسم "بداية جديدة" دخل فيها سبعة شباب بعد أن تم تعافيهم في المستشفيات الحكومية التابعة لصندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي، في القاهرة والإسكندرية؛ "مصر اليوم" تواصلت مع خمسة منهم، لمعرفة قصة لكل شخص فيهم بداية من الإدمان وحتى مرحلة التعافي، وأخذ القرض والدخول في مبادرة الحكومة للمشروعات التجارية الصغيرة.
أولا، محمد غازي، 38 عامًا، يقول إنه أحب فتاة ماتت بعد أن سلكت طريق الإدمان بسببه، وأن رحلة الإدمان بدأت معه من خارج مصر، حيث كان وقتها في المرحلة الثانوية، وكانت فكرة الإدمان بالنسبة له في بداية الأمر رغبة من مُراهق للتجربة، وحاول على مدار 13 عامًا التعافي من الإدمان، ولكنها كانت محاولات فاشلة، فضلا عن ضغوط من أسرته للعلاج، واقتنع مؤقتا ودخل مستشفى المعمورة للأمراض النفسية، خضع للعلاج فيها عامين، ومازال في مرحلة المتابعة، وفي سنوات سابقة كان مقتنعًا أنه لم يكن مريضًا.
يضيف غازي: "كنت مصدق إني أشرب في أي وقت وأبطل في أي وقت، الحقيقة جربت كل أنواع المخدرات، ووجودي بره البلد دفعني لتعاطي أنواع غير معروفة وجديدة على مواطن مصري، أيضا فكرة رفضي للعلاج كانت نابعة إن مع تقدمي في السن تصبح فرصة علاجي ضعيفة، وعليه شعرت ببعض الإحباط ولكني وافقت مثلما قلت سابقا مؤقتا لإرضاء أمي وأسرتي الذين تضرروا كثيرا مني، ووجدت داخل المستشفى برامج تأهيل جيدة ليس فقط للمرضى، بل لأهالي المرضى أيضًا، للتعافي من الأذى النفسي الذين تعرضوا له من أبنائهم المدمنين، الأماكن الخاصة ليست في أفضل حالاتها، ووجدت في مستشفى المعمورة بعض الأخصائيين النفسيين، الذين يعقدون جلسات مع المدمنين لتأهيلهم للعودة للحياة، وكنت دائمًا أسال نفسي هما ليه بيساعدوني؟ والحقيقة السؤال ده كان سبب لإصراري على التعافي".
ويشير إلى أنه كانت متزوجًا من سيدة أميركية، وحينما خرج من المستشفى انفصل عنها؛ كونها بالأساس مدمنة مخدرات، وأن حياتهما الزوجية إذا استمرت لعاد إلى الإدمان مجددًا، وعمل في وقت سابق كمشرف في أحد المراكز الخاصة لعلاج الإدمان، لمساعدة حالات أخرى من المدمنين على التعافي، وفي أحد الأيام تلقى مكالمة من مسئول الخط الساخن بصندوق علاج الإدمان، الدكتور أحمد الكتامي يخبرنه بالمشروعات المقدمة من الصندوق إلى المُتعافين من الإدمان، وجاء ذلك الترشيح بتزكية من الأخصائي النفسي حسن حجاج الذي أشرف على علاجه، موضحًا أنه كان في البداية مترددًا، ولكن بعد استشارة بعض المقربين منه تقدم بدراسة جدوى لافتتاح كافيتريا في المركز الخاص الذي يعمل فيه كمشرف، وأن تخوفخ من فتح المشروع كان بسبب قلة عدد النزلاء في المركز.
يضيف: "في الأول كانوا 10 نزلاء، ودلوقتي بقوا 30، واجهني بعض الأزمات في إنهاء بعض الأوراق الخاصة بالمشروع ولولا تدخل وزيرة التضامن الاجتماعي، غادة والى ما كانت الإجراءات انتهت بهذه السرعة، وأشكر بنك ناصر على منحي مهلة في السداد وحصلت على قرض بمبلغ 50 ألف جنيه لمشروع كافيتريا، وأقوم بسداد 1145 جنيه شهريا على 5 سنوات".
ويوضح غازي أن الشعور بالذنب يطاردنه حتى الآن، بسبب الأفعال التي ارتكبها أثناء الإدمان؛ ففي اليونان ارتبط بفتاة كان يحبها، ثم جعلها تسلك طريق الإدمان، حتى ماتت بسبب جرعة زائدة، وأن المُخدر جعله مجنونًا، أنفق أموال زواج أخيه على المُخدر و أموال أسرته أيضًا، مؤكدًا أن كل هذا يفكر فيه الآن ويقول لنفسه إنه أهدر عمره في ذنوب، فضلا عن وجود بقعة سوداء في تاريخه، هي أنه قُبض عليه أثناء التعاطي، ونصيحته للأهل قبل المدمن، أن لا يشعروا باليأس في أي يوم من الأيام؛ فالشخص المدمن بالتأكيد لن يشعر أنه مريض ويحتاج للعلاج ولن يقبل النصيحة بالتعافي.
ويقول ثاني الحالات معتز عمر، 32 عامًا، إن الإدمان بدأ معه بسيجارة وصولا إلى الهيروين، وبدأ مع تزايد الفضول بداخله أن يخوض تجربة جديدة، أخوه كان مُدمنا، ثم توالت السهرات الأسبوعية"، والتنقل بين المراحل التعليمية المختلفة جعلنه أجرب كل أنواع المخدرات، حتى وصل لأسوأ مخدر وهو الهيروين.
يضيف أنه يتذكر أنه كان يوهم أسرته بأنه يحصل على دروس إضافية في المرحلة الثانوي، ثم يحصل على الأموال لشراء المخدر، وأنه حينما بدأت تظهر ملامح الإدمان عليه، الجميع سواء من أهله أو أصدقائه نبذونه وابتعدوا عنه، حتى حينما حصل على عمل، كان يسرق صاحب المحل، وسرق أخته وصل الأمر إلى انه بدأ بيع مخدرات لزملائه؛ حتى يحصل على أموال لشراء مخدر، ثم أصبح غير قادر على جلب أموال لشراء المخدر، ورحلة العلاج بالنسبة إليه كانت على مراحل، مثل أي مدمن، هو غير مقتنع بالعلاج، هو كل تركيزه على التعاطي، دخل إحدى المستشفيات في مدة علاج استمرت أيام فقط، ثم خرج وعاد مرة أخرى إلى التعاطي، وبدأ مجددًا البحث عن حيل جديدة للحصول على المخدر.
وأوضح غازي أنه لا ينسى أنه تم القبض عليه أثناء بيع المخدرات، و لم يتعلم من هذا الأمر؛ فبمجرد الإفراج عنه عاد مجددًا إلى التعاطي والاتجار، مضيفا ان كل تركيزه كان بس من حوالي ثلاث سنوات كيف يحصل على المخدر، وأخيرًا قرر أن يتعافى بجدية، لأن الجميع يكرهه ويرفضه لدرجة أن أهله رفضوا يفتحوا له الباب لكي يدخل الشقة وقتها اتجه إلى مستشفى المعمورة، وسلم نفسي إلى المعالجين، هناك تعلم مبادئ التعافي التي أهمها أن تكون أمينًا و لا تكذب، والأخصائيين أيضًا كانوا يعقدوا معهم جلسات تأهيل يومية، وعلى مدار الـثلاث سنوات الماضية كان يرى حفلات تكريم المستشفي للمُتعافين، وبقول لنفسه هل يأتي اليوم الذي يصبح فيه مثلهم.، وحاليا يعمل كمساعد في الخط الساخن لعلاج الإدمان.
وأكد أنه دراسته للحصول على قرض من بنك ناصر، كانت بالأساس سياحة وفنادق، حيث فكر في البداية أن يحصل على قرض لفتح كافيتريا، ولكن لاحقا تغيرت الفكرة بعد دراسات أن يقوم بفتح مشغل ملابس، خاصة أن والده يمتلك مصنع ملابس، وحصل على مساعدة كبيرة من أعضاء الخط الساخن للإدمان، لأن المشغل سيساهم في تشغيل أسر".
ويضيف الحالة الثالثة، محمد تامر، 40 عامًا، أنه أصبح مدمنًا من أجل المتعة، وأن الأمر بدأ معه منذ أن كان عمره 24 عامًا، و تدرج معه من الحشيش وصولا إلى "الهيروين"، وأنه صرف كل أمواله وأموال إخوته على المخدرات، وحينما جاءته فرصة العلاج، كانت عن طريق الخط الساخن للإدمان في عام 2005، وصل إلى الخط الساخن عن طريق شخص مُتعافي، قال له على أن الخط الساخن هو الأنسب لحالته، وقتها قال لأسرته وأشقائه ساعدوه وقاموا بإدخاله مستشفى الدمرداش، وهناك تحدث مع الأطباء عن المواد المخدرة التي يتعاطها، والأطباء كانوا يقدموا له أفضل معاملة".
يضيف: "حصلت على قرض يقدر بـ 40 ألف جنيه، وقمت بتأسيس محل لبيع المشويات في مدينة بنها، قررت تغيير كل الأماكن التي كانت مرتبطة لدي بالإدمان، وأسدد شهريا 840 جنيهًا إلى البنك، في البداية قلت للصندوق أنى أريد تأسيس مشروع تجاري أخر هو مشروع تربية مواشي، لكنهم تناقشوا معي أن هذا المشروع سيتسبب في خسائر شخصية، مما يؤكد أني قد أعود مجددًا لانتكاسة".
ويوضح الحالة الرابعة أسامة خميس، 34 عامًا أن الفقر سبب إدمانه وأن تاجر المخدرات كان قدوته لأنه يجني أموالًا كثيرة، وأنه في الأساس، كان ناقمًا على عيشته منذ أن كان صغيرًا، حتى قبل سلوكه طريق الإدمان، وأنه كان يسرق زملائه منذ كان طفلًا، ثم أصبح مُدخنًا للسجائر، وفي سن الـ13 أصبح مدمنا، وكان يعمل شغال مع أحد تجار المخدرات، وحاول التعافي عام 2003، عن طريق دخول مستشفى المعمورة ولكنه فشل، و من أجل إرضاء أمي وإخوتي، عدت إلى العلاج عام 2010، لأن المخدرات دفعته لبيع كل ما يملك، مما أدي لفشل زواجه، بعدها ترك المنزل وظلل متنقلا بين منازل أصدقائه.
أضاف: "أخذت نصيحة من مُدمن سابق قال لي " متفكرش في أي حاجة إلا أنك تخف .. بمجرد ما تخف .. كل حاجة حلوة هترجعلك، وهو ما حدث، بدأت رويدا رويدا تعود العلاقات الأسرية، حاليا أجهز مع بنك ناصر تأسيس مجزر دواجن بعد الحصول على القرض، وهو ما ساعدني في مستوى علاقاتي الاجتماعية، والمبلغ الذي حصلت عليه لإقامة المشروع، ف 50 ألف جنيهًا أخذت أول جزء منه، وبدأت التنفيذ ويوم 20 فبراير هبدأ العمل الفعلي".
ويشير الحالة الخامسة، أحمد إبراهيم، 30 عامًا، إلى أن أهله يرفضوه حتى الآن؛ فهو مُتعافي منذ سنة وسبعة أشهر، متزوج ولديه ولد وبنت، ورحلة الإدمان بدأت معه بـ"سيجارة حشيش"، ولكن الأزمة الحقيقة بدأت مع تصاعد نوع المخدر، منذ صغره كان يسرق الأموال من والدته، مما سهل لديه فكرة الإدمان، وصل به إلى أن أدمن الحشيش في مرحلة الإعدادية، موضحا أن قبل مرحلة الزواج، وصل إلى أنه أدمن "الهيروين"، لكن ظلل مستمرًا في الإدمان، مما أثر بالسلب على حياته، فباع عفش بيته وأنفقه على المخدرات.
ويقول مدير صندوق الإدمان عمرو عثمان في تصريحات خاصة له مع "مصر اليوم"، موضحا شروط ومعايير طلب الشخص المتعافي للدخول في مبادرة "بداية جديدة" وأخذ القرض: "هناك 5 معايير هامة، أولها أن تكون مدة التعافي لا تقل عن سنة لان معدل الخطورة في الفترة الأولى وهي أول 10 شهور من التعافي تكون مرتفعة، ولكن بعد مرور سنة كاملة يكون معدل الخطورة أقل وفرصة الاستمرار في التعافي ترتفع، وثانيا ألا يتعرض الشخص المتعافي لأي "زلات" بمعني ألا يدخل جسمه أي مادة مخدرة في أول سنة من التعافي، وثالثا سلامة الفحوصات الطبية لأن ما يهم الصندوق هو ليس فقط تبطيل المادة الأساسية وإنما تبطيل المواد المخدرة بصفة عامة، ورابعا الخضوع لبرنامج علاجي مرورا بمرحلة العلاج النفسي ثم الفردي ثم الجماعي خامسا، وخامسا ألا يكون له أي سوابق إجرامية، فتلك المعايير المطلوبة للتقدم لرغبة صرف القرض، وبعد تطبيق كل هذه المعايير يكون من حق الشخص المتعافي، طلب القرض، وهنا يتم تحويله على الإدارة المالية والحسابات للصندوق الممثلة في السيد ممدوح سيف، مرفقا معه ملف تشخيص مني كأخصائي نفسي شامل اختبار توافق نفسي لمعرفة قدرته على التواصل مع المجتمع مرة أخرى".