دمشق - نور خوام
تلقى الفني الذي استمر في ضخ النفط السوري لمدة عقدين من الزمن عرضًا مغريًا من تنظيم "داعش" براتب يعادل ثلاثة أضعاف راتبه الذي كان يتقاضاه من الحكومة السورية، والتي توقفت عن الدفع له.
واتجه الفني إلى ملئ الشاحنات بالنفط الخام لتمويل "داعش" إلا أن عمليات الإعدام المتكررة للمتمين بالتجسس والضربات الجوية من قبل الطائرات الحربية الحكومية جعلت الأمر أكثر صعوبة، حيث غضب الفني من كون موارد البلاد تذهب لتمويل المتطرفين في حين يتم إغلاق المدارس والمستشفيات.
وذكر الفني الذي لم يكشف عن هويته بعد هروبه من سورية إلى جنوب تركيا "كنا نظن أنهم يريدون التخلص من النظام ولكن تبين لنا أنهم لصوص".
وأوضح العديد من الناس الذين هربوا أخيرًا من الأراضي التي تسيطر عليها "داعش" أن مشروع الدولة الذي تروج له "داعش" يمر بمحنة أكثر من أي وقت مضى منذ استيلاء "داعش" على أراضٍ في العراق وسورية، حيث بدأ المتطرفون يظهرون بعض التوتر والإجهاد تحت ضغط الضربات الجوية من قبل العديد من البلدان والجمات البرية الجديدة من قبل الميليشيات الكردية والشيعة.
وتعرض بعض المقاتلين إلى تخفيض الأجور في حين استقال آخرون وتركوا التنظيم كما فشلت بعض الخدمات بسبب سوء الصيانة فضلا عن تعثر أعمال تهريب النفط، وبدأت "داعش" تلجأ إلى زيادة الضرائب والرسوم المفروضة على المواطنين الذين تقلص عددهم بالفعل، وتمنح هذه الضغوط العديد من الفرص لأعداء التنظيم إلا أنها على وشك الانهيار.
يشار إلى أن القوات البرية الجاهزة لقتال "داعش" لم تتوفر بعد في معاقلها في سورية والعراق، حيث يحاول التنظيم الحفاظ على مكانته الدولية العالية من خلال شن هجمات خارجية مثلما حادث من إسقاط الطائرة الروسية في مصر وهجمات باريس.
ويسعى التنظيم إلى التوسع وخلق فروع جديدة له في ليبيا حيث يواجه مقاومة لا تذكر هناك، ويعتبر وعد إنشاء دولة على الأراضي التي يسيطرون عليها في سورية والعراق العامل الرئيسي المميز لهم عن تنظيم القاعدة ومن عوامل جذب المجندين من مختلف أنحاء العالم.
يذكر أن الدعوة للانضمام إلى تنظيم "داعش" لا تزال تنتشر وتحقق تأثيرًا من خلال وسائل الاعلام الاجتماعية وداخل الدوائر الجادية المختلفة، إلا أن وعود التنظيم الجوفاء تتهاوى في ظل فرار السكان من الأراضي التي تسيطر عليها "داعش" بسبب الحرمان والغارات الجوية المكثفة. كما أنهم أصبحوا أشبه بعصابة للجرائم المنظمة بدلا من كونهم مدافعين، حتى أن بعض السكان الذين قرروا البقاء عندما سيطرت "داعش" على الأراضي يدفعون للمهربين حتى يمكنهم تخطي نقاط التفتيش المصممة لإبقائهم داخل البلاد.
وأضافت معلمة من مدينة دير الزور السورية والتي هربت إلى تركيا الشهر الماضي "الكثير من الناس يهاجرون، وتريد "داعش" بناء مجتمع جديد لكنهم سيجدون أنفسهم بمفردهم".
وأوضحت المعلمة أنه بعد غلق المدارس التي تديرها الحكومة السورية أنشأت بنفسها مدرسة غير رسمية واستمرت في تشغيلها عندما وصل الجهاديون إلى البلاد، ويعنى هذا شراء العباءات السوداء الفضفاضة التي أجبروا النساء على ارتدائها في الطرق العامة.
وحاولت المعلمة إيجاد وسائل ترفيهية لطلابها دون الموسيقى أو الفن، مشيرًة إلى أن الطلاب كانوا ينحتون باستخدام الصابون في بعض الأوقات، إلا أن المعلمة توقفت عن أداء هذا بعد إعدام النشطاء خوفا على حياتها، وفى ظل التعامل الوحشي للمتطرفين مع السكان أدرك المتطرفون أنهم بحاجة إلى المهنيين المهرة لبناء المؤسسات.
وكُتب في مجلة "دابق" الدعائية الإنجليزية لـ "داعش" العام الماضي "تعتبر الخلافة في حاجة إلى الخبراء والمهنيين والمتخصصين أكثر من أي وقت مضى للمساعدة في تعزيز هيكل الخلافة والميل إلى تلبية احتياجات إخوانهم المسلمين"، حيث أصبح الجاديون يكافحون للعثور على أشخاص قادرين على تشغيل المعدات النفطية وإصلاح شبكات الكهرباء وتوفير الرعاية الطبية.
وأضاف صيدلي من شرق سورية "ليس لديهم مهنيين ولذلك يضطرون إلى الدفع للناس لفعل هذ الأشياء"، وأشار أحد السكان إلى أن "داعش" تضع أعضاءها المخلصين في مواضع ليسوا مؤهلين لها، وأن رئيس الخدمات الطبية في إحدى المدن هو عامل بناء سابق، كما أفاد موظف سابق أن رئيس أحد حقول البترول كان تاجرًا سابقًا.
وأفاد أحد عمال الإغاثة بأن المستشفى الوطني في الرقة أظهر شريط فيديو دعائي مغلق من الخدمات الطبية كافة، بسبب هروب الأطباء، وأضاف الصيدلي أن حظر تعامل الأطباء الرجال مع المرضى من الإناث جعل جميع النساء دون أطباء في المدينة، كما حاول المتطرفون سد هذه الفجوة من خلال توظيف القابلات.
ويفرض المتطرفون نظام ضرائب مرهقة فيما يعرف باسم الزكاة أو الصدقات الإسلامية، حيث يجمع الجهاديون ضرائب أخرى تتمثل في حصة سنوية من كل محصول وقطيع من الماشية، كما يدفع أصحاب المحلات حصة مماثلة، وناك غرامات مفروضة على المخالفات لارتداء ملابس غير مناسبة وتعادل جرام واحد من الذهب وتدفع بالعملة المحلية، وزادت نسبة الهروب من المدينة فى ظل محاولات الجهاديين لإبقاء الناس داخل المدينة.
ولفت السوري "نايف الأسعد" (55 عامًا) إلى أنه دفع للمهرب 150 دولار لكل شخص لنقل 10 أفراد من عائلته من بلدة الشدادى التى تسيطر عليها "داعش" إلى الحدود التركية، وفى الطريق ضغط أحدهم على لغم أرضي أدى إلى قتل ابنة السيد الأسعد وزوجها واثنين من أطفالهم أحد أقربائهم نتيجة انفجاره.
وأضاف الأسعد "لم تجعلنا "داعش" نهرب وقالوا أنت ذاهب إلى الكفار"، حيث ترهب الجماعة من يعيشون تحت ظلها ويخشى الكثير من الفارين إلى جنوب تركيا أن يستهدفهم وكلاء "داعش" بسبب انتقادهم للتنظيم، ولذلك فإنهم يتحدثون مع إخفاء هويتهم، حتى أن هؤلاء الذين ينتفعون من الحكم المتطرف لم يعودوا مهتمين بالبقاء تحت سيطرة "داعش".
وكشف فني النفط السابق أنه حصل على 150 دولار شهريًا من الحكومة السورية قبل خفض راتبه في مارس/أذار، موضحًا أن "داعش" استأجرته للعمل في نفس الحقل براتب يبدأ من 450 دولار شهريًا وزاد إلى 675 دولار.
ولفت الفني إلى أنه غضب بسبب عدم وجود مدارس لأبنائه، مضيفًا أنه يخشى أن يُجبر على العمل في العراق، ولذلك دفع إلى مهرب لتهريبه مع زوجته وأبناءه الثلاثة إلى تركيا ووصلوا مؤخرًا إلى اليونان على متن قارب على أمل أن يتجهوا إلى ألمانيا.
وبيّن فني أخر عمل في حقل غاز طبيعي أنه وزملاءه استمروا في العمل مع الجهاديين الذين استولوا على الحقل ونفذوا الأوامر التي تلقاها رئيسهم من تنظيم "داعش"، مضيفًا "كان وظيفتها في فتح وتوصيل بعض الأشياء ولم نكن نسأل عنمن المسؤول عن هذا"، إلا أن الحقل تحطم في الحرب وبدلا من إنتاج منتجات الغاز المكرر كما اعتادوا أرسل الفنيون كمية قليلة من الغاز غير المكرر للحكومة السورية. مشيرًا إلى أنه لم يكن يعلم العائد الذي يحصل عليه الجهاديون في المقابل.
وختم الفني أن الجهاديين وعوده بإنشاء دولة الخلافة كما وعدوا الكثيرين، مضيفًا "الدعم الشعبي أمر هام ولكنهم لم يحظوا به، وكان الناس يسمعون منهم كلامًا جيدًا، لكنهم لم يروا أي فعل جيد منهم".