داعش

وصل القادة العراقيون لتنظيم "داعش" من سورية، وبدأت بالفعل أولى عمليات الإعدام العلنية، إذ لم تعد المحطات الإذاعية المحلية تذيع الموسيقى، بل أناشيد تمجيد عظمة أبو بكر البغدادي الذي نصب نفسه خليفة لـ "داعش"، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "نيويورم تايمز" الأميركية.

وأوضحت الصحيفة أن الذراع الليبي عندما رفع راية التنظيم السوداء لأول مرة على المدينة الساحلية "سرت" منذ ما يقرب من عام واحد، كانوا مجرد حفنة من المتطرفين المحليين يحاولون الظهور بمظهر قوي، أما الآن أصبحت "سرت" مستعمرة تدير النشاط المركزي لـ "داعش"، إذ تزدحم بالمقاتلين الأجانب من مختلف أنحاء المنطقة، وفقا لسكان وقادة المليشيات المحلية والرهائن المفرج عنهم مؤخرًا من السجن الرئيسي في المدينة.

وبدأ قادة "داعش" في التوافد إلى الخارج، بعدما تعرض التنظيم لتزايد الضغط العسكري والاقتصادي في سورية والعراق.

وأفاد مسؤولون في الاستخبارات الغربية، بأن من مظاهر التحول في نشاط التنظيم هو الهجمات المتطرفة على نطاق واسع وضد أهداف بعيدة، مثل مجزرة باريس وتفجير الطائرة الروسية فوق مصر، لكن قادة التنظيم يكرسون موارد جديدة ويهتمون بالفئات النائية التابعة لهم والتي تعهد لهم بالولاء من أماكن مثل مصر وأفغانستان ونيجيريا وغيرها.

وتعد المدينة الساحلية الليبية على البحر المتوسط والتي تبعد ​​نحو 400 ميل إلى الجنوب الشرقي من صقلية أكثر المقرات أهمية، ويقول مسؤولون غربيون على دراية بتقارير الاستخبارات إن "سرت" هي المدينة الوحيدة التي تعمل الآن تحت السيطرة المباشرة للقيادة المركزية لـ "داعش".

وتفرض قيادة "داعش" قبضتها على "سرت" الآن بإحكامـ وأفادت وكالات الاستخبارات الغربية بأنها ملاذ آمن للتنظيم، يعودون إليه باعتباره قاعدة بديلة إذا لزم الأمر، مما يمكن لهم أن يستمروا في القتال لو فقدوا السيطرة على الأراضي الأصلية في سورية والعراق.

وصعدت واشنطن من الضربات الجوية ضد زعماء "داعش"، ولكن هناك غضب وسط الاستراتيجيين العسكريين بسبب عدم وجود خيارات طويلة الأجل لاحتواء التنظيم هناك.

ولا يوجد حكومة فاعلة في ليبيا الآن، حيث ساعدت حملة قصف حلف شمال الأطلسي على الإطاحة بالعقيد معمر القذافي قبل أربعة أعوام، وتركز الفصائل على محاربة بعضهم البعض بدلًا من محاربة "داعش"، وجيران ليبيا كلهم ضعفاء جدًا أو غير مستقرين لقيادة أو حتى استضافة التدخل العسكري.

وأحكم "داعش" بالفعل السيطرة على أكثر من 150 ميلًا من السواحل المتوسطية قرب "سرت"، من بلدة أبو قرين في الغرب إلى نوفلية في الشرق، وتراجعت تمامًا ميليشيات من مدينة مصراتة المجاورة التي تعهدت في مرة بطرد التنظيم، ولا يوجد الآن أية مقاومة له سوى عدد قليل من نقاط التفتيش من رجال ميليشيا الحرس على حواف التنظيم، حيث يأتي مقاتلوه ويذهبون كما يشاؤون.

ويقدر قادة الميليشيات والمسؤولون الغربيون أن قوات التنظيم في ليبيا تصل الآن إلى قوة 2000 مقاتل، مع بضع مئات في "سرت" وعدد متفاوت من الشرق حول نوفلية.

وأثارت موجة التفجيرات الأخيرة والاغتيالات وغيرها من الهجمات مخاوف من أن مدينة أجدابيا هي الهدف المقبل لـ"داعش"، فاحتلالها يمكن أن يفرض سيطرة التنظيم على مفترق طرق إستراتيجي ومحطات النفط الحيوية وحقول النفط جنوب المدينة.

وتوجد كومة من الفصائل التي استولت على ما تبقى من الحكومة الليبية، إلى جانب تلقي "داعش" أسلحة وغيرها من أشكال الدعم من الثروة النفطية المتراكمة والتي يجب أن تعود إلى الدولة الليبية، كما أنهم يحصلون على الأسلحة من خلال الوسيط الذي لعب دورًا هامشيًا في الهجوم المميت على المجمع الدبلوماسي الأميركي في بنغازي عام 2012.

وأشار سكان ومسؤولون غربيون إلى أن واحدًا من أكبر قادة "داعش" هو ضابط في الجيش العراقي السابق في عهد صدام حسين ويعرف الآن باسم أبو علي الأنباري، وصل مؤخرًا إلى ليبيا في قارب عبر البحر الأبيض المتوسط.
وبيّن المسؤولون أن الزعيم العراقي رفيع المستوى في التنظيم وسام نجم عبد زيد الزبيدي، والمعروف أيضًا باسم أبو نبيل، عمل مؤخرًا كقائد للمجموعة الأولى في ليبيا حتى قتل هذا الشهر في غارة جوية أميركية بالقرب من شرق مدينة درنة.

وذكر عمر آدم (34 عامًا)، وهو قائد ميليشيا بارزة مقرها في مصراتة: "الأعداد الكبيرة المهاجرة من قيادات داعش في العراق وسورية تؤسس نفسها الآن في ليبيا".

وأفاد سكان وزوار المدينة مؤخرًا، بأن التنظيم بدأ بفرض نسخته المتشددة من الشريعة الإسلامية في "سرت"، حيث فرض الحجاب على جميع النساء، وحظر الموسيقى والسجائر، وإغلاق المحلات التجارية أثناء الصلاة، كما صلب أربعة على الأقل في آب / أغسطس، وفي الشهر الماضي قطعوا رأس اثنين أمام العامة بتهمة ممارسة السحر.

ودعا "داعش" المسلمين في كل مكان إلى أن يأتوا للانضمام إلى الخلافة المزعومة في سورية والعراق، وصوّر الهجرة للجهاد كواجب ديني، ودعت مجلة التنظيم الرسمية التي تصدر باللغة الإنجليزية المهنيين المسلمين إلى الانضمام للتنظيم، وإلا سيواجهون عواقب يوم القيامة.

وأعلن العدد الأول من المجلة العام الماضي: "انضموا تحت ظل الدولة الإسلامية مع والديك، إخوتك، وزوجتك وأطفالك"، لكن الرسائل بدأت تتغير في مشروع بناء التنظيم في ظل زيادة الضغط العسكري في سورية، وبدأ قادة التنظيم في تركيز اهتمامهم أكثر على المعارك في الخارج، عندما بدأت الولايات المتحدة الضربات الجوية ضدهم الخريف الماضي، دعا المتحدث الرسمي المعروف باسم أبو محمد العدناني، المسلمين في الغرب إلى البقاء حيث هم ويقتلوا من حولهم، واستجاب عدد قليل من البائسين لتلك الدعوة، بينهم المسلح الذي هاجم البرلمان الكندي وقتل جنديًا في مكان قريب.

ويعتمد التنظيم دائمًا على إيقاع ثابت من الانتصارات في ساحة المعركة، ويشتهي العناوين الرئيسية لتعزيز دعايته المروعة وجذب مجندين جدد، ويعتمد على الفتوحات لنهب المال والسلاح في سورية والعراق، ونظرًا لتباطؤ كل ذلك في الآونة الأخيرة، فإنه سيصل إلى طريق مسدود في القريب.

ولم يحقق التنظيم انتصارًا كبيرًا هناك منذ أيار / مايو الماضي، عندما استحوذ على مدينتي الرمادي في العراق وتدمر في سورية، وفي المقابل انسحب في حزيران / يونيو من بلدة الحدود السورية تل الأبيض، وهذا الشهر من بلدات سنجار في العراق والحول في سورية.

وصرّح فيصل أبو ليلى: "لا تزال ترسل مجموعات صغيرة لمهاجمتنا بين الحين والآخر، لكنهم لا يستطيعون التحرك في قوافل كبيرة وإلا سيتعرضون للقصف من قبل قوات التحالف".

ووجهت الضربات الجوية الأميركية الأخيرة هجماتها على شاحنات النفط التي يسيطر عليها "داعش" مما تسبب في ارتفاع أسعار الوقود، وقال مدير متجر للالكترونيات يعيش في الرقة: "إن داعش لا زال قويًا، لكنه فقد شعبيته بين العامة وغير المتعلمين لأنه فقد انتصاراته الرائعة".

وعزز التنظيم عملياته بشكل متزايد على فروع الشركات الأجنبية، أملًا في الحفاظ على صورته التي لا تقهر، وتقول وكالات الاستخبارات الغربية إنها تكرس المزيد من الموارد لتلك الهجمات.

ويبقى الفرع المصري من "داعش" أقوى ثاني ذراع للتنظيم بعد ليبيا في نطاق التهديد، وكان له سجل طويل بمثابة تمرد داخلي قبل أن يعلن البيعة لها.

ويبدو أن الفرع تصرف من تلقاء نفسه لتنفيذ تفجير الطائرة الروسية في 31 تشرين الثاني / أكتوبر، كما يقول مسؤولون غربيون مطلعون على تقارير استخباراتية، ولكن الهدف كان إقناع القيادة المركزية للتنظيم بتوفير المزيد من الدعم المالي، وتبنت الفرع الرئيسي للتنظيم على الفور التفجير الذي قتل 224 شخصًا، وأعلن التزامه نحو المصريين.

وأوضح مسؤولون غربيون أن تعهد جماعة "بوكو حرام" في نيجيريا بالولاء لتنظيم "داعش" هذا العام لن يغير شيئًا تقريبًا، فهي لا تزال غير كفؤ في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أنها تعلمت من دهاء التنظيم.

ويعتقد مسؤولون غربيون بأن فصيلًا منشقًا من حركة "طالبان" في أفغانستان أيضًا يستخدم اسم "داعش" في تمييز نفسه، ولكن في الأشهر الأخيرة قام التنظيم بمنح مئات الآلاف من الدولارات إلى المقاتلين الأفغان، لمساعدتهم على اكتساب أرض جديدة ومجندين، ويقول المسؤولون إن عملياته سعت حتى الآن إلى جذب الدعاية أو إثارة الطائفية، ولكن اشتباكاته مع "طالبان" تتزايد.