المنيا ـ جمال علم الدين
تتواصل ظاهرة "الهتيف" وهو الشخص الذي يستعين به بعض المرشحين للانتخابات البرلمانية ليقود مسيرات المرشح بين أبناء دائرته ويشعل الهتاف بين أنصاره، في المجتمع المصري، منذ زمن بعيد وعلى الرغم من تعاقب السياسات والحكومات.
ويكون الهتيف دائما من مواطني المناطق العشوائية ويظهر في موسم الانتخابات البرلمانية وغالبا يستعان به في المشاجرات، فالبلطجة بحكم نشأته عمله الأساسي في المقام الأول؛ لذلك فالاستعانة به من جانب المرشحين لتكون مهمته الهتاف مع مجموعة تابعة له بجانب حماية المرشح وإتباعه.
وبرزت الظاهرة منذ نشأة الحزب الوطني المنحل، فغالبية نواب "الوطني" كانوا يعتمدون وبشكل كبير على تلك الفئة ومازال هذا الأمر رغم اختلاف الحياة السياسة قائما.
70 ألف جنيه سعر الهتيفة في 30 يومًا
وينتظر العديد من العاطلين الذين فاتهم قطار تعيينات الحكومة، الانتخابات البرلمانية والصراع على كرسي البرلمان كل 5 أعوام، ليمتهنوا مهنة "الهتيف" فهم لا يظهرون سوى أيام الانتخابات فقط، وتختلف أسعارهم مع اقتراب الوقت المحدد للانتخابات، فإذا حاولت أن تتفق معهم على الأموال التي ستدفع لهم فتجد اختلافا كبيرا في السعر على حسب قرب وبعد فترة التصويت، فإذا كانت الانتخابات سوف تجرى بعد شهرين فلها مبالغ محددة عكس إذا كان باقي من الوقت 30 يومًا.
وفي البداية ينطلق كبراء الهتيفة إلى مرشحيهم القدامى وبخاصة مرشحي الحزب "الوطني"؛ لأن سعر الاتفاق معروف 40 ألف مقدما و30 ألف قبل إجراء الانتخابات بيومين بإجمالي 70 ألف جنيه على مدار 30 يوما، ويخبره المرشح بمواعيد جولاته الميدانية، كما يعلمه بمواعيد مؤتمراته الجماهيرية، كما يقوم المرشح بطبع أكثر من 40 قميصًا عليها صورته ويقوم بتسليمها للهتيف، وبتلك الأموال والجدول الزمني والملابس المعدة يبدأ الهتيف في جمع عناصره من "شباب ونساء وأطفال".
ويختلف سعر الهتيف من دائرة إلى أخرى، فالدائرة الأكثر سخونة ترتفع فيها " فيزيتا " الهتيف نظرا للجهد الكبير الذي سيقومون به ، على العكس في الدوائر الهادئة.
مهام الهتيف
بعد أن يتلقى الهتيف اتصالا من مرشحه، يقوم بتجميع عناصره وينطلقون إلى منزل المرشح ، مجموعة منهم تلتف حول المرشح بالسيارات المخصصة لهم ومجموعة أخرى تسير على الأقدام خلفهم ووسط الشوارع وأثناء جولته الميدانية يطلقون هتافاتهم المعتادة مثل: "الإسفلت منور ليه ... محمد عليوة ماشى عليه " ، " هبا هبا هبا .. عبد الله تحت القبة" الخ كما يقوم "الهتيف" بالتجول بين شوارع الدائرة الانتخابية للمرشح، ويبدأ في حث الناس على انتخابه.
كما يقومون باعتلاء أسطح السيارات المخصصة لهم، وبمكبرات الصوت يحثون المواطنين على انتخابه، على سبيل المثال رمز الحصان، كما يستغل المرشح تجمعهم العددي الذي يكون ما بين من 40 إلى 60 شخص، بإطلاق الهتافات المعادية للمرشح المنافس له.
"الهتيفة " ابتكار الحزب الوطني
وذاع صيت "الهتيفة" منذ بداية السبعينات فالانتخابات آنذاك، كانت ليس لها أي معايير، فالمعايير الأساسية في هذا الوقت كان المال فمهما كانت التكلفة المالية على المرشح، تكون بمثابة أضحية في سبيل الانتماء للحزب الوطني، فالمال والعزوة والقوة، والتفاف مؤيدي المرشح حوله كانت هي العناصر الأساسية لاختياره كمرشح للحزب.
وبعض المرشحين كانوا يمتلكون المال ولكن يفتقدون العزوة والتفات المؤيدين حولهم للظهور بصورة مشرفة أمام اكبر قيادات الحزب الوطني ، فكانوا يلجأون فبدوا يبتكرون مهنة جديدة وهي شراء العاطلين بالمال، حتى أصبحت مهنة أطلق عليها اسم "الهتيفة".
أشهر الهتيفة
وينقسم الهتيفة إلى قسمين "هتيفة" رجال ومثلهم من النساء، كل واحد منهم لديه مهامه في العملية الانتخابية، فمن مهام نساء الهتيفة إخراج النسوة أو الكوتة التصويتية من النساء الفقيرة والدفع بهم إلى صناديق الانتخاب لتأييد مرشحهم .
ومن أشهر الهتيقة في المنيا وبخاصة شمال المحافظة في مدينة بني مزار عبد الرازق محمد السعدي أو الشهير بـ"السعدي" وهو يعد من أقدم الهتيفة في مدينة بني مزار ، مهنته الأساسية النجارة فلديه ورشة للنجارة يعمل بها عدد لا بأس به من الشباب، ويستعين بهم وبأقاربهم في الانتخابات للالتفاف حول مرشح بعينه، ذاع صيته في الانتخابات البرلمانية لعام 2000-2005 ، تلك الفترة كانت أجرة " السعدي " 30 ألف جنيه.
وفي مركز مغاغة تجد عبد الله علي محمود الراضي والشهير بالراجل، وهو رجل "مسن" له باع كبير في هذه المهنة ولديه عدد كبير يزيد عن 50 رجلا وشابا، وتبلغ أجرته في الوقت الحالي 65 ألف جنيه.
وفي مدينة المنيا تشتهر رحمة خليل صديق الشهيرة بـ"أم البنات" كأحد أشهر النساء اللاتي لديهن القدرة على حشد اكبر عدد من النساء والذهاب بهن إلى صناديق الانتخابات، واشتهرت بـ"أم البنات" لأن الله رزقها بـ"7 بنات" دون أن يرزقها بولد واحد، وتعمل في مجال تجارة الجملة ولديها كتلة تصويتية في غرب مدينة المنيا، ويلغ أجرها 30 ألف جنيه.