هضبة الجولان

تبدو إسرائيل عازمة على الاستفادة إلى أقصى حد من ولاية ترامب، فبعد انتزاع اعتراف تاريخي بالقدس عاصمة لإسرائيل جاء الدور على الجولان على ما يبدو، فما حقيقة ذلك وهل تنساق الإدارة الأميركية خلف الطموحات الإسرائيلية؟، فوفقًا لموقع "دويتشه فيله" الألماني، بدأت إسرائيل بمغازلة إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب من أجل الحصول على اعتراف بسيادتها على هضبة الجولان المحتلة والتي استولت عليها في أعقاب حرب يونيو/ حزيران 1967 وضمتها إليها في مطلع الثمانينات، كما يفهم من تصريحات وزير إسرائيلي بارز.

ووفق تصريحات وزير الاستخبارات الإسرائيلي يسرائيل كاتس، فإن بلاده تتوقع أن تحصل على مثل هذا الاعتراف في غضون عدة أشهر قليلة وأن "احتمال حدوث ذلك كبير جدًا"، مؤكدًا على أن الاقتراح يتصدر الآن جدول أعمال المحادثات الثنائية بين البلدين. وأكد وجود "دعم كبير للفكرة في العديد من الدوائر في الولايات المتحدة"، ومنها في مجلس النواب.

الجولان ساحة مقايضة
وفي مقابلة له مع DW عربية، قال يوني بن مناحم، المحلل السياسي الإسرائيلي، إن الإعلان الأميركي المرتقب مرتبط بالبقاء الإيراني في سورية لكن المساعي الإسرائيلية ستصبح في غاية الجدية مالم تخرج إيران من سورية "وهذا سيكون هو الرد الإسرائيلي على التواجد العسكري الإيراني في سورية".

وأوضح بن مناحم، أنه يسود اعتقاد في الأوساط الإسرائيلية بأن الرئيس الروسي بوتين سيغير من مواقفه حيال إيران قريبًا كما يبدو أن هناك ضغوط على الرئيس السوري بشار الأسد لتقليل التواجد العسكري الإيراني في سورية، ويضيف: بوتين يفهم أهمية استقرار سورية وبقاء بشار الأسد في منصبه وهو أيضًا يعرف أن الضربات الإسرائيلية ستتوالى طالما استمر البقاء الإيراني العسكري في سورية.

ويعتقد بن مناحم أن بوتين مقتنع بانتهاء الدور الإيراني في سورية، وأنه حان وقت خروجها من المشهد السوري، "وإذا ما تغير الموقف الروسي وتطابق مع الموقف الإسرائيلي بخصوص إيران فلا أعتقد أن إسرائيل ستمضي قدمًا في مسألة الجولان ولن تعلن أميركا اعترافها بالجولان كجزء من إسرائيل".

فيما يرى الدكتور نبيل خوري، الدبلوماسي الأميركي السابق، ونائب السفير الأميركي في اليمن سابقًا بدوره، في مقابلة مع DW عربية، أنه قد يحدث تفاهم أميركي-روسي حيال التواجد الإيراني في سورية، ولا يبدو ـ في نظره ـ أن روسيا ستعترض على الاعتراف الأميركي بالجولان كجزء من أرض إسرائيل خصوصًا في ظل مايبدو أنه تقارب في المواقف بين روسيا وإسرائيل، ويستدل على ذلك التقارب بأن روسيا غضت الطرف عن الضربات العسكرية الإسرائيلية المتتالية على الأهداف الإيرانية في سورية.

"إسرائيل تستغل فترة ترامب لكسر الشوكة الإيرانية"
ويبدو أن اسرائيل لا تضيع وقتًا في الاستفادة من الموقف الأميركي المساند والداعم لأقصى درجة لسياساتها وتستغل نجاحها في انتزاع اعتراف أميركي تاريخي بالقدس عاصمة لها وتسعى اليوم للبناء على هذا الاعتراف لانتزاع اعتراف أميركي آخر بالجولان كجزء من إسرائيل.

ويقول يوني بن مناحم، المحلل السياسي الإسرائيلي، إن الخطر الوحيد على دولة إسرائيل هي إيران، "وإسرائيل تريد استغلال الولاية الأولى لترامب لأنه ليس من المؤكد إن كان سيعاد انتخابه لولاية ثانية أم لا"، ويعتقد أن إسرائيل تسعى لدفع أميركا للقيام بهجوم عسكري على كافة المواقع النووية في إيران "فالهدف الرئيس لإسرائيل خلال ولاية ترامب هو إسقاط الحكم الإيراني الحالي برئاسة خامنئي والخطوة الأولى ستكون عن طريق العقوبات الاقتصادية الخانقة وخلق وضع اقتصادي ضاغط في محاولة لدفع الشعب الإيراني لعمل ثورة شعبية وإسقاط نظام الحكم الإيراني، هذا هو المخطط الأميركي-الإسرائيلي".

ويعتقد بن مناحم أنه إذا لم ينجح الأمر خلال عام فإن الولايات المتحدة ستلجأ للحل العسكري وهو ما ترغب فيه إسرائيل لإنهاء القوة النووية الإيرانية، "وبوضوح فإسرائيل تريد استغلال فترة حكم ترامب لإسقاط النظام الإيراني، بطرق سلمية أو غير سلمية لا يهم، المهم أن يسقط النظام الإيراني مع نهاية ولاية ترامب الحالية".

ويتفق معه الدكتور نبيل خوري، الدبلوماسي الأميركي السابق، حيث يرى أن "إسرائيل تبحث عن ذرائع لتضرب الوجود الإيراني في سورية والذي ترى فيه تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي رغم أن إيران لم تعتدِ على إسرائيل انطلاقًا من سورية، بل إن إسرائيل هي من بدأت في المناوشات التي تحولت لمعارك بالصواريخ والطائرات في العمق السوري، لأن إسرائيل لا تريد أي تواجد لحزب الله على حدودها ولا تريد أن تستمر إيران في مد نفوذها في المنطقة".

رد الفعل العربي.. لا أحد يعول عليه
وحتى الآن لم يصدر أي رد فعل عربي على تصريحات وزير الاستخبارات الإسرائيلي بشأن الضغط الإسرائيلي على أميركا للاعتراف بالجولان كجزء من إسرائيل، وحول النتائج المتوقعة إن صدر الإعلان الأميركي، قال يوسي بن مناحم، المحلل السياسي الإسرائيلي لــ DW عربية، إنه "قد تحدث بعض المظاهرات الاحتجاجية هنا وهناك لكن عمومًا على الصعيد الرسمي هناك تخاذل شديد في الموقف العربي وهذا ما رأيناه في موضوع الإعلان عن القدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إلى القدس"، ويدلل على ذلك بأن الدول العربية والإسلامية "لم تفعل أي شيء أكثر من الكلام رغم كون القدس تمثل لهم أولى القبلتين وهي لم تكن موضوعًا سياسيًا فقط وإنما ديني أيضًا ورغم ذلك لم يتعد الأمر إطلاق عدة شعارات جوفاء وبعض الاحتجاجات".
 
ويضيف بن مناحم "الحقيقة أن الدول العربية ضعيفة جدًا ولا تريد المواجهة مع إسرائيل ولا مع الولايات المتحدة، فالتخوف العربي من إيران يطغى على كل شيء وبالتالي فالدول العربية بحاجة إلى إسرائيل وإلى أميركا لتحجيم النفوذ الإيراني وهو أمر يأتي على قمة أولويات الدول العربية".
 
أما نبيل خوري الدبلوماسي الأميركي السابق، فيرى أن الدول العربية لا تتحرك لا سلبًا ولا إيجابًا وأنه لا يوجد دور عربي حقيقي لا في سورية ولا في كل ما يحدث إقليميًا عمومًا سوى التصريحات. وأضاف أن السعودية على سبيل المثال لا ترى عدوًا لها سوى إيران وبالتالي فالقيادة السعودية لن تمتعض كثيرًا عندما تضرب إسرائيل إيران "لكن الخوف يكمن فيما يمكن أن ينتج عن ضربة عسكرية كهذه".
 
ترامب ونيتانياهو.. الهروب إلى الأمام؟
ويرى الدكتور نبيل خوري، أن سعي بنيامين ونيتانياهو للحصول على هذا الاعتراف وضغوط ترامب على إيران يأتيان في سياق لفت النظر عن مشاكلهما القانونية الداخلية بإثارة حروب وأزمات قد تؤدي لالتفاف الدولة والشعب حولهما في حالة اندلاع حرب، "اعتقد أن الهدف شخصي أكثر من أي أمر آخر أضف إلى ذلك أن ترامب تحيط به مجموعة ترغب بشدة في اندلاع حرب مع إيران مثل جون بولتون مستشار الأمن القومي".
 
لكنه يستدرك قائلًا بأن هناك اختلاف في التوجهات في كل أمريكا وإسرائيل بين ما تريده القيادة السياسية وبين ما تراه المؤسسات العسكرية والمخابراتية، "فترامب ونيتانياهو يرغبان في شن حرب على إيران وتوجيه ضربة عسكرية لها في حين لا تتفق المؤسسات العسكرية والأمنية في إسرائيل وأميركا مع هذا التوجه، وهو الحال أيضًا في إسرائيل فالمؤسسات الأمنية والمخابراتية لا تعتقد أن هناك ضرورة لبدء حرب مع إيران وترى في الأمر مجازفة كبيرة".
ويشير في هذا السياق إلى استطلاعات الرأي التي تشير إلى أن غالبية الشعب الأميركي لا تريد الحرب مع إيران وأيضًا غالبية المؤسسات الأميركية لا ترغب في ذلك، إضافة إلى أن كثير من أعضاء الكونغرس يرون أن ترامب ليس لديه إستراتيجية واضحة وأن تصرفاته قد تؤدي بالبلاد إلى حرب لا تحمد عقباها.