تونس ـ وكالات
عاد الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة صانع الاستقلال في تونس ومحرر المرأة ليلقي بظلاله بقوة على المشهد السياسي التونسي. غادر الراحل السلطة منذ ربع قرن، لكن كثيرين يجدون فيه اليوم أبا شرعيا لتونس العلمانية الحديثة.مثل كثير من التيارات السياسية التي غُيبت في حكم بن علي وعادت إلى الساحة عبر صك الشرعية الثورية، أطل رفاق بورقيبة القدامى من الدستوريين، نسبة إلى الحزب الحر الدستوري الجديد، للمطالبة بإعادة الفكر البورقيبي إلى وضعه الطبيعي في المشهد السياسي التونسي بل إن أحزابا ذات مرجعية "دستورية" أعادت ترتيب بيتها لرد الاعتبار للبورقيبية واستكمال مسار "الحركة الإصلاحية"، كما تقول. ومن بين تلك الأحزاب التي تحتفظ بقاعدة شعبية هامة بمنطقة الساحل التونسي، حزب المبادرة وحزب الوطن وحزب المستقبل والحزب الإصلاحي الدستوري، وأساسا "حركة نداء تونس" التي يرأسها رئيس الوزراء السابق الباجي قايد السبسي وهو أحد وزراء بورقيبة وتلامذته. الجدل القائم الآن في تونس يتعلق بمدى وجاهة ومشروعية استعادة الفكر البورقيبي بينما تستعد البلاد خلال هذه المرحلة الانتقالية لبناء دولة ديمقراطية ناشئة على أنقاض الثورة. "قضيت عشرين سنة متمردا على بورقيبة لكنه جزء من تراث تونس"في حديثه مع DWعربية قال المعارض البارز أحمد نجيب ألشابي رئيس الهيئة التأسيسية للحزب الجمهوري إن "الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة عندما كان يحكم كان شخصية خلافية. وأنا شخصيا قضيت عشرين سنة من التمرد والتشرد في شبابي للوقوف في وجه النزعة الاستبدادية لحكم بورقيبة". وأضاف الشابي "ولكن بورقيبة الآن هو جزء من التراث التونسي وهو قائد المسيرة التحررية في تونس وباني الدولة الحديثة ومحرر المرأة التونسية، وهو بهذه المقاييس يعتبر جزء من التراث التونسي المشترك بين كل التونسيين ". ولا تحمل كل الأحزاب في تونس نفس الانطباع نحو الفكر البورقيبي والبورقيبية. فحركة النهضة الإسلامية التي تقود الائتلاف الحاكم في تونس مثلا ويمقت أغلب قيادييها بورقيبة الذي سجن بعضهم وعذبهم، لا زالت متحفظة في تعاملها مع هذا "التراث" وذلك على الرغم من التصريحات الديبلوماسية لمسؤوليها في السلطة التي تدعو للتعامل بموضوعية مع شخصية بورقيبة بما لها وما عليها، ولكن تغييب مظاهر الاحتفال بذكرى استقلال البلاد في 20 مارس/آذار الماضي كشف عن أزمة في تعاطي السلطة الجديدة مع تاريخ تونس الذي ارتبط جزء منه ببورقيبة. وتقول أمال عزوز نائبة بالمجلس الوطني التأسيسي عن حركة النهضة الإسلامية وعضوة بالمكتب السياسي ومجلس الشورى في الحزب لـDWعربية "الحزب ليس لديه مشكلة مع تاريخ الاستقلال"ومضت الى القول" لكن من يقول الاستقلال فليس بالضرورة ان ينحصر الحدث في بورقيبة كما يصر على ذلك بعض الأطراف السياسية" معتبرة أن الرئيس الراحل بورقيبة كان شخصا مستبدا ومستدلة على ذلك بوجود أكثر من ثلاثين ألف سجين سياسي في عهده الذي شهد أيضا اغتيالات ومتابعات وانتهاكات لحقوق الإنسان واستبدادا بالرأي من قبل الزعيم وحزبه. المؤرخ عبد المجيد التميمي وردا على عودة الفكر البورقيبي الى المشهد السياسي بل ومنافسا لحركة النهضة الإسلامية عبر حركة نداء تونس تقول امال عزوز "الثورة منحت الناس هامشا واسعا من حرية التفكير والاختيار والتعبير. غير ان بعض الأطراف تتبنى الفكر البورقيبي على أساس أنه فكر منزل من الملائكة ومنزه من الأخطاء " ومضت الى القول " تحاول الآن تلك الأطراف إعادة التموقع باسم البورقيبية. ونحن اليوم لسنا ضد أي فكر سياسي أو انتماء حزبي وإنما وجب محاسبة المورطين في الاستبداد والتعذيب والاغتيالات وتزييف الانتخابات. وهذه ليست بدعة وإنما يحصل ذلك بعد كل الثورات". حزب المؤتمر من أجل الجمهورية الشريك في الحكم كان قد اقترح تمرير "قانون تحصين الثورة" بالمجلس الوطني التأسيسي بدعوى قطع الطريق أمام عودة رموز النظام السابق الى الحكم، ومنهم من شغل مناصب في نظامي بورقيبة وبن علي. ويهدف القانون الذي تؤيده حركة النهضة الإسلامية إلى منع أعضاء سابقين في حزب التجمع الدستوري المنحل من المشاركة في الانتخابات المقبلة وتقلد مناصب عليا في الدولة لمدة لا تقل عن خمس سنوات. يقول الباحث والمؤرخ عبد المجيد التميمي رئيس مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات في حديثه مع DWعربية "لا أحد يمكن ان ينكر دور بورقيبة في بناء تونس" مشيرا الى عبقريته وتفرده في تاريخ تونس ومبينا أن أحدا ينكر عليه دوره في إعلاء مكانة المرأة وبعث قانون الأحوال الشخصية والتعليم وتحديد النسل في تونس والتقليل من النزعة القبلية. لكن المؤرخ التميمي عاد ليؤكد "أن هناك صفحات أخرى لم يقع الاهتمام بها على الإطلاق". وفي معرض حديثه عن هنات في شخصية بورقيبة الزعيم المصلح، يقول التميمي "استدعينا الكثير ممن بنوا هذه الدولة. ولكن الانقلاب الذي حدث معي بعد 13 سنة من الاستماع الى شهاداتهم كشفت عنه في المؤتمر الذي نظمته السنة الماضية حول "التعذيب والاضطهاد في عهد بورقيبة" وقد كشف عن حقائق مرعبة عن التعذيب وهذا وجه آخر لبورقيبة" . ويختم الباحث والمؤرخ التونسي حديثه مع DWبالدعوة إلى تشبيب هياكل الدولة لاسيما وأن البلد يزخر بالطاقات والكفاءات الشابة.