جدة ـ وكالات
يقضي عشرات السعوديين، الذين دخلوا العراق بعد إسقاط نظام صدام حسين، أحكاماً في سجون العراق، يقابلهم العشرات من العراقيين في سجون السعودية، غير أن التوترات التي تشوب علاقات الطرفين تعرقل حل هذا الملف.مرت العلاقات السعودية العراقية بالكثير من التطورات خلال العقود الثلاثة الماضية، مراحل تباينت بين التعاون والقطيعة وصولاً إلى الجمود المثقل بالتوتر الذي كانت ساحته وسائل الإعلام. في ثمانينات القرن الماضي كانت السعودية - كبقية دول الخليج الأخرى - داعمة رئيسية لنظام الرئيس السابق صدام حسين في حربه مع إيران (1980- 1988). وجاء هذا الدعم من قناعة أن العراق كان "جدار صد" ضد الثورة الإيرانية وتصديرها. لكن قيام نظام صدام حسين باحتلال الكويت عام 1990 حوّل العلاقة العراقية الخليجية إلى قطيعة تامة. بدأت هذه القطيعة بسماح السعودية لقوات التحالف الدولي من أجل تحرير الكويت بجعل أراضيها مركزاً لانطلاق عمليات "عاصفة الصحراء". "واستمر هذا الوضع بعد التغيير في العراق عام 2003 وإسقاط نظام صدام حسين، إذ لم تكن السعودية راضية عن طبيعة هذا التغيير، ما قاد إلى اتهامات متبادلة كثيرة بين الدولتين في ملفات كثيرة"، كما يقول الخبير في الشأن العراقي باسم العوادي في . العوادي: خلال العامين الماضيين كان هناك هدوء في هذه العلاقات. العوادي: خلال العامين الماضيين كان هناك هدوء في هذه العلاقات". خلال العامين الماضيين تم تحريك هذه العلاقات بحذر في بعض الجوانب من خلال خطوات، اعتبرها بعض المراقبين .إيجابية، بل وتفائل البعض في أنهما يقفان على أعتاب مرحلة جديدة. وجاء هذا التفائل بعد اتفاق العراق والمملكة على الإعداد لتبادل السجناء وإبرام اتفاقية أمنية، سبقها تعيين سفير سعودي غير مقيم. هذه الخطوات أتت في مرحلة هدوء في العلاقات، كما يقول الخبير في الشأن العراقي، الذي يضيف بالقول: "خلال العامين الماضيين كان هناك هدوء في هذه العلاقات. السعودية وافقت على فتح سفارة لها في بغداد وإن لم ترسل سفيراً. وتم تبادل زيارات وفود بين الجانبين لحل بعض القضايا العالقة بين الجانبين، كملف السجناء".لكن رئيس مركز الخليج للأبحاث في السعودية، الدكتور عبد العزيز بن صقر يرى أن هذه الخطوات تمت "لأسباب معينة، فتعيين سفير للسعودية في بغداد كان بسبب القمة العربية التي عقدت في بغداد. وهي لأغراض دبلوماسية أكثر من كونها صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين. وكذلك الاتفاقية الأمنية جاءت كضرورة، فكلا الطرفين يعاني من الإرهاب. خطوات أتت لضرورات معينة، لكننا لم نرق بعد إلى مرحلة الثقة المتبادلة".من الملفات التي تثقل العلاقة بين البلدين هو ملف السجناء السعوديين في العراق والعراقيين في سجون المملكة، وبات هذا الملف ربما "مقياساً" لتدهور هذه العلاقات وتطورها، ويتلخص هذا الملف بسعوديين محتجزين في العراق بـ "تهم تتعلق بالإرهاب وعمليات مسلحة"، وفي المقابل يقبع عشرات العراقيين في السجون السعودية بـ"تهم التهريب وتجاوز الحدود بصورة غير شرعية"، كما يقول العوادي. واختلاف التهم الموجهة لهؤلاء السجناء تدخل هذا الملف في تعقيدات أخرى، كما يرى بن صقر في حوار ويضيف: "هناك نوعان من السجناء: السجناء العراقيون الموجودين في السعودية هم سجناء بقضايا جنائية. لكن بالنسبة للسجناء السعوديين فيعتبرون سجناء سياسيين وحسب النظام القضائي العراقي يستوجب ذلك تنفيذ حكم الإعدام بحقهم".بدأت القطيعة في العلاقات بين المملكة العربية السعودية والعراق بعد سماح السعودية لقوات التحالف الدولي لتحرير الكويت بجعل أراضيها مركزاً لانطلاق عمليات "عاصفة الصحراء".يُذكر أن البلدين وقعا العام الماضي اتفاقية لتبادل المعتقلين بالأحرف الأولى ولكنها لم تصدق بعد من الجهات التشريعية وخاصة البرلمان العراقي، كما نقلت صحيفة عكاظ السعودية عن وزير الخارجية العراقية هوشيار زيباري مؤخراً.وبين الفينة والأخرى تطالب السعودية حكومة بغداد بالكشف عن مصير هؤلاء السجناء، الذين حدد وزير العدل العراقي محمد شياع عددهم بـ61 معتقلاً، كما نقلت عنه وكالة الأنباء الألمانية، في المقابل يصل عدد السجناء العراقيين في سجون السعودية إلى 120 سجيناً، كما أوضح المشرف على ملف المعتقلين السعوديين في العراق وعضو لجنة المحامين بالغرفة التجارية الصناعية في الرياض المحامي عبد الرحمن الجريس.لكن هذه المطالبات ترقى في بعض الأحيان إلى تغيير مكان احتجازهم في العراق، فقد أوضح الجريس أن أهم المطالب المتعلقة بالسجناء السعوديين في العراق تتمثل في نقلهم إلى إقليم كردستان وذلك لسهولة الوصول إلى الإقليم عبر الأردن وبالتالي تسهيل زيارة ذوي المعتقلين للسجون. لكن مثل هذه المطالبات تعدها الحكومة العراقية شكلاً من أشكال التدخل في الشأن العراقي. عن هذا يقول العوادي: "السعودية تطالب بنقل سجنائها إلى إقليم كردستان وهي تعلم أن القضاء في الإقليم لا يخضع للمؤسسات القضائية للحكومة المركزية في بغداد، إذ لا تخضع المحاكم في كردستان إلى مجلس القضاء الأعلى. مثل هذه المطالب تعتبر كالمطالبة بنقلهم إلى دولة أخرى. من غير المنطقي أن تطالب دولة دولة أخرى بنقل السجناء إلى إقليم آخر".لكن رئيس مركز الخليج للأبحاث يقول في هذا السياق: "سبق لإقليم كردستان أن سلم للسعودية سجناء سعوديين كانوا في سجونه. والسعودية أحرص على محاكمتهم إذا كانوا قد ارتكبوا جرائم" وبحسب بن صقر فإن هذه المطالبات تأتي بسبب شكوك السعودية حول حيادية النظام القضائي العراقي، "وللعراقيين أيضاً تحفظات على النظام القضائي في السعودية بعد تنفيذ حكم الإعدام بالسيف بحق عراقيين متهمين بتهريب المخدرات". ويضيف رئيس مركز الخليج للأبحاث بالقول: "ملف السجناء بين البلدين سوف لن يُحل خلال المرحلة القادمة بسبب هذه التحفظات والشكوك المتبادلة بين الجانبين".وكانت السلطات السعودية قد نفذت مؤخراً حكم الإعدام بسبعة عراقيين، فيما يخشى على آخرين من المصير نفسه بتهم متنوعة. وإزاء ذلك طالبت وزارة الخارجية العراقية، منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، حكومة الرياض بـ"توضيح أسباب إعدام سبعة عراقيين بشكل مفاجئ"، داعية السعودية إلى وقف تلك الأحكام بحق المحكومين العراقيين لديها.