القاهرة - مصر اليوم
"الجولان له أصحابه، نحن أصحابه، نحن من حرث الأرض، ونحن من زرعها منذ آلاف السنين"، كلمات نطق بها المزارع الجولاني الستيني، بحماس شاب عشريني، موقنًا بقلبه قبل عقله بعودة أرضه، التي انتزعها الاحتلال الإسرائيلي وقت نكبة 1967، ليأتي ترامب بعد أكثر من 5 عقود من تواجد معسكرات جيش الاحتلال والاستيطان على مرتفعات الجولان، وبعد 102 عام من "وعد بلفور"، بمرسوم على غراره، "يعطي فيه الذي لا يملك لمن لا يستحق"، ويعترف بـ"سيادة إسرائيل الكاملة" على الأرض السورية، في تحدٍ واضح لإرادة أهلها في تقرير مصيرهم، وخروج أمريكي جديد على الإجماع الدولي، وذلك بعد قرابة عام ونصف من قراره بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والاعتراف بها عاصمة للكيان الصهيوني.
اعتراف ترامب، الذي جاء بعد 3 أيام من تدوينته عبر موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، التي قال فيها: "بعد مرور 52 عاما، حان الوقت لكي تعترف الولايات المتحدة بسيادة إسرائيل الكاملة على مرتفعات الجولان، التي تتسم بأهمية استراتيجية وأمنية بالنسبة إلى إسرائيل والاستقرار الإقليمي"، وصاحبها إدانات عالمية، منها قول متحدثة باسم الاتحاد الأوروبي إن "الاتحاد لا يعترف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان"، ووصفها النظام السوري بـ"اللامسؤولة" على لسان مسؤول رسمي بوزارة الخارجية، نقلته وكالة الأنباء الرسمية السورية، يعتبرها نزيه سليمان إبراهيم، المزارع الجولاني، لا قيمة لها، وبلهجة تحدٍ وصمود، قالها صريحة: "الجولان عربي سوري شاء من شاء وأبى من أبى، لا ترامب ولا نتنياهو ولا حتى أي شخص آخر، يستطيع أن يقرر شيء عن أهل الجولان، هم وحدهم والدولة السورية من يقرر مصير الجولان".
المزارع الجولاني نزيه سليمان شاهد على سلب "الجولانيين" الحق بالحياة منذ الصبى: المحتل يبيع لي كوب الماء في بلدي وأرضي وبأغلى ثمن.. وعلى "الأحمق ترامب" أن يهدي نتنياهو واشنطن أو شيكاغو
العجوز الجولاني، ابن منطقة "مجدل شمس"، شاهد على فظائع وجرائم الاحتلال الإسرائيلي على أرضه، منذ اغتصابها بالقوة في "نكبة 67"، وكان وقتها صبيا عمره 17 عامًا، كما يتذكر خلال حديثه لـ"الوطن"، عندما كان شابا في بداية العقد الثالث من عمره ما حدث عام 1981، "عاصرت وقتها القرار الباطل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بيجن بضم الجولان"، ليأتي ترامب بعد 38 عامًا، ويطعن حلم "نزيه" وهو في الخامسة والستين من عمره برؤية أرضه محررة، ولكنه لا يزال متمسكا بالحلم، مصرا على تحقيقه حتى يلفظ أنفاسه الأخيرة: "عندما يريد الأحمق ترامب أن يهدي نتنياهو، فليهديه من جيبه، أو من ملكه الخاص، فليهديه واشنطن أو شيكاغو أو أي ولاية أمريكية، الجولان له أصحابه".
أكثر من نصف قرن من الألم والمعاناة، يعيشها "نزيه"، منذ أن دبت قدم أول جندي إسرائيل محتل على أرضه، ويروي لـ"الوطن" بعضا من فصولها، فالأمر لا يقتصر على انتهاك مقررات الشرعية الدولية باعتراف خرج عن الإجماع الدولي، ولا يأخذ بعين الاعتبار، قرار مجلس الأمن الدولي رقم 497 لعام 1981 بشأن "بطلان القرار الذي اتخذته سلطات الاحتلال الإسرائيلي بفرض قوانينها وولايتها القضائيّـة وإدارتها على الجولان السوري المحتل، وعلى اعتباره لاغيًا وليست له أيّة شرعيّة دولية"، وإنما أيضا انتهاك لحقوق صاحب الأرض واغتصاب الحق في الحياة، "المحتل يبيع لي كوب الماء في بلدي وأرضي وبأغلى ثمن، ويبيعه لجاري، لأنه يهودي بأرخص ثمن"، وليس ذلك فحسب، بل إن معاناته كمزارع في أرضه لا تنتهي، "الاحتلال يصادر أراضينا الزراعية، ولا يعطينا رُخَص عمار (بناء)، يضيقون علينا بأرضنا ومحصولنا، حتى يكسد منتجنا الزراعي"، ليأخذه بأبخس ثمن.
مراسل الإخبارية السورية: الاحتلال الصهيوني دمر 137 قرية ومزرعة وهجَّر نصف مليون جولاني من أراضيهم وديارهم داخل الوطن الأم سوريا
حقوق أخرى مسلوبة من أهل الأراضي المحتلة بمرتفعات الجولان، وثقها واحد من أهلها بصوته وكاميرته، وهو عماد المرعي، مراسل الإخبارية السورية، وأشار في حديثه لـ"الوطن" إلى بعض منها: "الاحتلال الصهيوني، دمر 137 قرية ومزرعة، وهجَّر نصف مليون جولاني من أراضيهم وديارهم داخل الوطن الأم سوريا"، معتبرا مرسوم الرئيس الأمريكي "حبرا على ورق"، ومكملا لقرار العدو الصهيوني عام 1981، بعد أن ضم القدس في حينه وأيضا الجولان المحتل، "إذ المشهد يتكرر الآن على القدس الشريف والجولان المحتل".
المراسل السوري الأربعيني، الذي يرفع كاميرته سلاحًا في وجه الاحتلال منذ سنوات، ليوثق جرائمه، يواصل حديثه عن الجرائم الإسرائيلية، التي تجاوزت اغتصاب حق أهل الجولان بالسلاح، بل أيضا بتفرقتهم بمخطط طائفي، مؤكدا أنه لم يتبق سوى 5 قرى جولانية، صمد أهلها بأرضهم، "نتيجة ظروف مرتبطة بقرار صهيوني لإقامة دويلات طائفية، تعاني من بعدها عن وطنها، وانقسام عائلاتهم بين الاحتلال والوطن الأم سوريا"، إضافة الى أسراهم بسجون الاحتلال، وشهدائهم، الذين رسخوا موقفهم الصامد والرافض للاحتلال.
يعاود "نزيه"، مزارع "مجدل شمس" الستيني، ليكمل ما بدأه، وواصله من بعده "المرعي" من شهادة موثقة، تأتي بلسان حال أهل الأرض المحتلة ويعايشونها يوميا، ويشير إلى أنهم غرباء في بلدهم، حيث يحاول الاحتلال أن يقطع صلة رحمهم بوطنهم الأم بشتى الطرق، "يمنعنا من زيارة الأقارب في سوريا، يمنع طلابنا من التعلم في وطننا، يسمح بزيارة الوطن فقط لمن عمره أكثر من 60 عاما"، أما من كان قد سُجن في إسرائيل على قضايا أمنية لا يُسمح له بتاتا بزيارة الوطن، "ورغم كل ذلك فشلوا، نحن ننتمي إلى وطننا الأم سوريا، وسنبقى أوفياء لسوريا مدى الحياة".
عماد المرعي: الاحتلال يقيم دويلات طائفية بالأرض المحتلة.. وقرار ترامب حبر على ورق مزقه الجولانيون بصمودهم في مجدل شمس
أقرأ أيضًا:
عبارات مناهضة للأسد تتهمه بـ"بيع" الجولان على جدران "الفرقة الحزبية" في السويداء
جولاني آخر، يحيا بحلم تحرير الأرض، التي يستمد منها حب الحياة، اختار بإرادته اسمًا مستعارًا، أثناء حديثه لـ"الوطن"، بعدما عانى بمواقفه الصامدة من أذى متكرر تعرض له على يد جنود جيش الاحتلال، وللمصادفة كان "آدم"، مَن مهَّد للحياة على الأرض، ولكن "حفيده الجولاني" جاء بعد آلاف السنين يريد حقه في تلك الحياة، وانتزاعه من يد المحتل، فالجولان له عشق خاص متجذر بأصول وتربية عربية أصيلة، وصفه بكلمات ترنم بها قلبه قبل لسانه: "أغلى ما نملك.. الأرض عرض.. الأرض روح".
جراح "آدم"، صاحب الـ45 عاما، الذي لم يستطع عمله بالطب أن يداويها كما يداوي أبناء الجولان من آلام أجسادهم، صارت متأصلة غائرة، منذ أن سكن دوي طلقات الاحتلال الإسرائيلي على أرضه، وهو طفل في السابعة من عمره، وصار الجرح بلا دواء بمرور السنين معتادا، لن يزيله سوى استئصال "الورم من جذوره"، الذي ينتظرها منذ ما يقرب من 38 عاما، ورغم مرسوم ترامب، ما زال متمسكا بأمل الشفاء من "المحتل"، فهو يعلم أن "هذا القرار مخطط له من زمان، وخاصة بعد الشرذمة العربية، وضياع حقوق للمواطن العربي، والأرض العربية المحتلة، إذا بتشوف شو عم يصير من أحداث من بالأراضي الفلسطينية وغزة ودول العربية والربيع العربي ومرورا بالجولان المحتل".
الطبيب الجولاني آدم يحارب طمس هوية أرض التفاح والكرز بكتاباته: المحتل يحاول بشتى الطرق تدمير معالم الآثار العربية الحديثة والقديمة من الجولان وتغيير الواقع التاريخي لعروبته
معركة الطبيب الجولاني الأربعيني مع الاحتلال، هي معركة فكرية بالمقام الأول، فهو يقاومه بنشر ثقافة أهله، وتقاليدهم وتراثهم، التي تحاول إسرائيل طمس معالمها بكل ما أوتيت من قوة، "نعامل بأرضنا كسكان من الدرجة الثانية، والمستوطنات الإسرائيلية درجة أولى بكل شيء، استولى المستوطنون على حقوقنا بقوانين وتشريعات بالكنيست وكأني أنا مهاجر فاقد للشرعية بأرضي".
طمس هوية أرض "التفاح والكرز" على يد الاحتلال الإسرائيلي، وثقه "آدم" بكتاباته عشرات المرات، وحكى لـ"الوطن" عن بعض منه، "يطمسون جميع معالم الآثار العربية الحديثة والقديمة من الجولان، يحاولون بشتى الطرق تغيير الواقع التاريخي لعروبة الجولان، والتضييق على تعليم أبنائه"، وليس ذلك فحسب بل يستغلون أراضيه للسياحة الإسرائيلية بكل المجالات، ويدعمون المستوطنين اليهود بجميع الإمكانيات، حتى البيئة الجولانية لم تنج من أفعالهم، بحسب شهادة الطبيب الأربعيني، "ينتفعون من أراضيه في التنقيب عن النفط، وحتى إنتاج الطاقة الكهربائية من المراوح الهوائية على حساب أرضنا الزراعية".
رغم كل ما يعانيه الشعب الجولاني من ويلات على يد الاحتلال الإسرائيلي، وثقها أبناؤه بشهاداتهم، إلا أنهم هبوا في وجه المرسوم الأمريكي، الذي صاحبه إدانات عربية وعالمية عديدة، قابلوه بصمود وموقف ثابت يؤكد انتماءهم للوطن الأم سوريا، بحسب وصف تفصيلي ونقل للأحداث وثقه مراسل الإخبارية السورية، و"دائما نذكِّر بالوثيقة الوطنية، والتي هي بمثابة دستور لأبناء الجولان المحتل، وقد سبقت الإضراب المفتوح عام 1982 ردا على ضم الجولان المحتل، واليوم المشهد يتكرر، لكن أبناء الجولان ما زالوا متمسكين بهويتهم العربية السورية"، مشيرا إلى أنهم أصدروا بيانا بهذا الخصوص فور قرار ترامب، وبدأوا اعتصاما منذ السبت الماضي، في ساحة مجدل شمس بالجولان السوري المحتل، حيث وقف أجدادهم الفينيقيون قبل آلاف السنين في "معابد وأبراج الشمس"، يتعبدون ويشيدون حضارتهم، ليتركوا على هذه الأرض ما يستحق الحياة.
وقد يهمك أيضًا:
تفاصيل ما جاء بوثيقة سيادة إسرائيل على الجولان
الدول العربية قد تطلب تعديلاً على مشروع الجولان السوري "المُحتَل" خلال قمة تونس