برلين ـ وكالات
تجاهلت السينما طويلا الفترات الأخيرة من حياة الإنسان مثل فترات الشيخوخة والموت. في السنوات الأخيرة ظهرت مجموعة من الأفلام عرض مسارات حياة العجزة ومعاناتهم، كم تم السماح لهم بلعب الأدوار الرئيسية في عدد من الأفلام. بعد بلوغهما السبعين من العمر، جاء الموت ليفرق آرتور الزوجَ البريطاني عن زوجته، فوجد الزوج نفسه وحيدا من دون ونيس. ويتعاطى الزوج لهواية زوجته المتوفاة، الغناء في الكورال. إنها قصة فيلم "أغنية لماريون" (Song for Marion) الذي يعرض حاليا في دور السينما الألمانية ضمن مجموعة من الأفلام التي تعالج موضوع التقدم في العمر والمسنين. لقد ازداد عدد الأفلام التي يلعب فيها المتقدمون من العمر فوق الستين دور البطولة. وهذا لا يقتصر على السينما الألمانية فحسب، وإنما ينطبق أيضا على عدد كبير من الأفلام التي صنعت في هوليود أو خارجها على السواء. مشهد من فيلم "غلوريا". وتلاقي تلك الأفلام نجاحا لافتا، سواء الأفلام التي تمّ معالجتها من خلال قالب الميلودراما كفيلم "غلوريا" الفائز بعدة جوائز في الدورة الأخيرة لمهرجان برلين السينمائي، أو بقالب كوميدي على غرار فيلم "Best Exotic Marigold Hotel". ومع تنوع تلك الأفلام، اختلفت زوايا المعالجة للموضوع. ومن تم ظهرت أفلام مثل "الحب" الفائز بجائزة أوسكار والذي عالج موضوع الموت الرحيم والخرف؛ إضافة إلى فيلم "الرباعية" لمخرجه داستين هوفمان حول العجوز الذي صمم على ترك بصمات خالدة في حياته قبل وفاته. صناع السينما والشيخوخة وحول الأسباب التي دفعت بصناع السينما إلى الاهتمام بتلك الفئة العمرية، يقول ديتر هيرتل مدير مسرح ريكس في مدينة بون الألمانية، إن "فئة "المسنين" تواظب على الذهاب إلى السينما التي تعتبرها سلوكا ثقافيا ضروريا. على عكس الفئات العمرية الشابة التي تفضل مشاهدة الأفلام عبر الإنترنت أو جهاز بلو راي. وهذا يعني أن المتقدمين سنا أصبحوا زوارا يتوافدون على دور السنيما بشكل دائم". وبالفعل، تمثل فئة خمسين سنة وما فوق نصف جمهور قاعة المسرح والسينما التي يشرف هيرتل على إدارتها. ومن المحتمل أن يكون قطاع السينما هو الآخر قد التفت إلى تلك المواضيع لأسباب اقتصادية محضة، إثر عزوف الفئة الشابة عن زياراتها المكثفة لدور السينما العمومية. باولينا غارسيا لدى تسلمها جائزة السعفة الفضية كأحس ممثلة في مهرجان برلين السينمائي، عن فيلم "غلوريا". وهناك من يرى أن السبب يكمن في المخرجين أنفسهم. فغالبية هؤلاء بلغت من العمر عقدها السادس على الأقل، ومن ثمة بات هذا الجيل مؤهلا ومستعدا بشكل اكبر لمخاطبة أقرانه المسنين. وهذا ما حدث بالفعل في فيلم "الحب" لمخرجه النمساوي في السبعين من العمر، يشائل هانكه. وتنصب أعمال داستين هوفمان وكلين إستيوود في هذا المنحى، فالنجمان السابقان تعاطا الإخراج وركزا بشكل كبير على هذه النوعية من الأفلام. بيد أن الحديث على الأسباب لا ينطبق على كل الأفلام من هذه الشريحة، ففيلم "أغنية لماريون" هو للمخرج البريطاني بول أندريو ويليامز الذي لم يتجاوز عمره الأربعين بعد. و"غلوريا" الذي يتطرق لمعاناة بطلة الفيلم من العزلة وهي في الثمانية والخمسين من عمرها. الفيلم أخرجه سيباستيان ليليو من شيلي ذو التاسعة والثلاثين عاما من العمر. وقد فاز بجائزة السعفة الفضية في مهرجان برلين السينمائي. تجدر الإشارة إلى أن جل تلك الأفلام، حققت إيرادات مهمة، كما هو الشأن بالنسبة لـ"رباعية" الذي فاقت عائداته 45 مليون دولار وفيلم "Best Exotic Marigold Hotel" بـمبلغ 134 مليون دولار. السينما لفهم التحول الديموغرافي هذه النوعية من الأفلام حولت السينما إلى وسيلة لعرض واستيعاب التطور الديموغرافي الحاصل في المجتمع. وفي هذا الإطار توضح بريتا هارتمان المتخصصة في مجال السينما والإعلام "أن الأفلام أصبحت مسرحا لمعالجة قضايا وعرض مخاوف تواجه الإنسان في مسيرته". ورغم أن الخبيرة الإعلامية لا تستطع أن تضمن صمود موضوع كبار السن لفترة طويلة على شاشات الفن السابع، إلا أنها تؤكد أنه في "مجتمع يهرم يوما بعد يوم، سوف يزداد الاهتمام بقضية ضعف جسم الإنسان بفعل الشيخوخة وتتراجع القدرة على التفكير، أو يتم تقبل المرض ومواجهة الموت". ومهما اختلفت الأسباب والحوافز التي أدت إلى هذا التطور، تبقى درجة الاهتمام بهذه الأفلام عالية، خصوصا وأن المسنين لعبوا دور البطولة المطلقة في عدد مهم منها، بعد أن تعاملوا معها من منظور الجالسين على كراسي الإخراج.