القاهرة - مصر اليوم
تذكرت السيدة العجوز آمنة عبد الجليل، طفولتها وشبابها ولمحات من الماضي، عندما توجهت بتفكيرها في سؤال "كيف كان رمضان في "الزمن الجميل"، لتتنهد وتعود بظهرها إلى الخلف وأمامها الجزء المخصص لها لبيع الخضار داخل سوق بورسعيد في الإسماعيلية، وكأنها في حالة عودة حقيقية إلى زمن طفولتها، قائلة "كان نفسي العمر يقف عند اللحظات دي، كان نفسي اعيش شاهدة على زمن ولى ومضى ولا أكون شاهدة على كل التغيرات الإنسانية التي نعيشها الآن ، من 40 سنة، وذهب رمضان ولم يعد كل حاجة أصبحت تقليد ومسخ، زينة صيني، فانوس صيني، حتى الناس بقت بلاستيك، وجمع من البشر مربوط في حبال الماضي بيحولوا يعيشوا رمضان زمان".
وأكملت مبتسمة ببراءة الطفولة "وأنا صغيرة كنت أكبر بنات القرية فكنت أنا صاحبة أكبر فانوس، كنا زمان في أي حضور أو حتى لعبة يتم إحترام وتوقير أكبر طفل بشكل مباشر، علشان كدة فانوسي كان لازم يكون الأكبر، والباقي أصغر في الحجم وكنت أنا التي تقود الأطفال في حملة لم الشيش من منازل الحارات في القرية، ومافيش حاجة اسمها بيت يمتنع عن العطاء، كله لازم يعطينا من مليم لصاغ لقرش أو بلح، اللي موجود لازم نأخذ منه، ووصلة غنا بأغاني رمضان، ده غير اننا نحن أصحاب التبليغ برؤية رمضان كان زمان لا يوجد مذياع إلا عند ناس معينة علشان يتم سماع رؤية رمضان، وعن طريق الأطفال يتذاع الخبر كنا بنقول، يا أهل الحي، رمضان خلاص جي، هلاله طلع في الكون، واحنا معاه بكره هنكون، صايمين، صايمين، غدا رمضان، اوعى تنام، قوم اتسحر، وأنت يا مكرم، واخوك مينا ، كل الخير مستنينا".
وتابعت "أول يوم نتجمع كلنا، ونذهب نصلي التراويح في المسجد، وكان الأهالي الغلابة زمان هم الذين بيعطوا المساجد الملايات والمفارش علشان تستوعب أعداد المصليين، وكان زمان كل حاجة حقيقية، عندما كان رمضان يأتي في الشتاء كان لازم كل بيت يرسل صحن خضار للبيت اللي جانبه، ولما كان يأتي رمضان في الصيف الطبالي تملا الحارة وأمام المنازل والجيران والأحباب، كلها تتجمع وتفطر مع بعض وتصلي المغرب والعشاء في مكانها، ونجد كل فرد مشغول باللي جانبه عايز ياخد من فمه ويعطيله".
وواصلت آمنة "كان زمان الود والحب والتراحم، ده غير كده لا يمكن أن تنظري إلى السماء وتريها من كثرة الزينة التي تنير المنازل والحواري حتى الأراضي الزراعية، وكانت بتتزين بالورق الملون استعدادًا لرمضان، تجدي الفلاح في الغيط شغال بقوة، وتجدي الأفران البلدي داخل أحواش المنازل الريفي لا تكف عن الخبز، والراديو على طول يذيع أغاني رمضان ومسلسلات ذات قيمة وهدف وأصوات تسحر من الجمال، دلوقتي تسمعي برامج وإذاعات غريبة ومذيعين غير مؤهلين، لا هم عارفين بيقولوا إيه، ولا الناس فاهمة منهم حاجة، حتى الفوازير والممثلات والممثلين كانوا مختلفين، واتذكر ذات مرة جارنا عم حسين أبو علي تعرض لوعكة صحية قرب آذان المغرب بدقائق معدودة، وعلى الفور حملوه رجال القرية على اكتافهم وتوجهوا إلى المستوصف، وفي نفس اللحظة كانت كل سيدات المنطقة، حاملة الإفطار، وأتذكر أننا جميعا تناولنا الإفطار على رصيف المستوصف، ولحظة خروج عم حسين وجد هذا المشهد فبكى من قلبه وجلس معانا وأكل وخرج منها بصحة جيدة".
واختتمت حديثها قائلة "عشت عمر كبير في الدنيا علشان أبقى شاهدة للأسف على فرق الثقافات والعادات وإهدار التقاليد والقيم والإنسانيات كمان، عمري مثلا زمان ما سمعت جمل "أبعد عني الساعة دي أنا صائم، أو متخلنيش أفطر عليك، أنا مش طايق روحي، زمان كانت عيبة كبيرة أن ده يحصل أو يتقال، كان في كبير بيحاسب وبيعاتب، في رمضان ولا خناقة ولا لفظ خارج، سلام ووئام وحب وأدب، دلوقتي امتى المغرب يأذن، متى سنفطر، والأصعب الإفطار في نهار رمضان والجهر بالمعصية، الغلبة سارت للسيجارة، وفنجان القهوة، وكوب الشاي، الحمد لله إني دقة قديمة وما يربطنى بالحاضر هو العمر فقط".