القاهرة - شيماء مكاوي
يُعتبر الراحل زكي رستم من أبرز الفنانين المصريين الذين ينتمون إلى مدرسة الاندماج والتقمص، ونجح في تقديم إنجازات فنية ساهمت في التعريف بموهبته في الشرق والغرب.
ولد الفنان محمد زكي محرم محمود رستم في 25 آذار/ مارس عام 1903 في قصر جده اللواء محمود رستم باشا في حي الحلمية، كان والده محرم بك رستم عضوًاً بارزًا في الحزب الوطني وصديقاً شخصياً للزعيمين مصطفى كامل ومحمد فريد.
ورفض زكي استكمال تعليمه الجامعي وكانت أمنية والده أن يلحقه بكلية الحقوق، إلا أنه اختار هواية فن التمثيل، في عام 1924 وكانت رياضة حمل الأثقال هوايته المفضلة وفاز بلقب بطل مصر الثاني في حمل الأثقال للوزن الثقيل.
التقى زكي الفنان عبد الوارث عسر الذي ضمه إلى إحدى فرق الهواة المسرحية، وكانت نقطة التحول في حياته. وبعد وفاة الأب تمرد على تقاليد الأسرة العريقة معلناً انضمامه إلى فرقة جورج أبيض، فطردته أمه من القصر بعدما خيرته بين الفن والتحاقه بكلية الحقوق فاختار المسرح فأصيبت بالشلل حتى وفاتها.
انضم إلى فرقة عزيز عيد ثم تركها بعد أشهر لينضم إلى فرقة "اتحاد الممثلين" وكانت أول فرقة تقرر لها الحكومة إعانة ثابتة لكن لم يستمر فيها طويلاً فتركها. بعد ذلك انضم إلى "الفرقة القومية" وكان يرأسها في ذلك الوقت الفنان خليل مطران، وظل فيها 10 أعوام كاملة، قبل أن يختاره المخرج محمد كريم ليشترك في بطولة فيلم "زينب" الصامت تأليف الدكتور حسين هيكل وإنتاج يوسف وهبي، أمام الفنانة بهيجة حافظ.
بلغ رصيده الفني من الأفلام 240 فيلماً ولكن المشهور منها والموجود 55 فيلماً فقدم على سبيل المثال "العزيمة" 1939 و"زليخة تحب عاشور" 1940 و"إلى الأبد" 1941 و"الشرير" 1942 و"عدو المرأة" 1945 و"خاتم سليمان" و"ياسمين" و"معلش يا زهر" 1947 و"بائعة الخبز" 1953 و"الفتوة" 1957 و"امرأة على الطريق" 1958 وآخر أفلامه "أجازة صيف" 1967.
اعتبره جورج سادول المؤرخ والناقد السينمائي الفرنسي في مقال كتبه عنه "فنان قدير ونسخة مصرية من أورسن ويلز بملامحه المعبرة ونظراته المؤثرة"، واختارته مجلة "باري ماتش" الفرنسية بوصفه واحداً من أفضل 10 ممثلين عالميين.
أطلق عليه "رائد مدرسة الاندماج". فكان نموذجاً رائعاً للنجم السينمائي المنفرد في مواهبه، الذي يقوى على أن يتقمص أية شخصية مهما تعددت حالاتها النفسية ومواقفها المتقلبة والمتلونة، فكان لا يكاد ينتهى من أداء موقف من المواقف أمام "الكاميرا" حتى تتصاعد موجة من التصفيق من كل الحاضرين بمن فيهم من شاركوه تمثيل الموقف، فاتن حمامة كانت تخاف من اندماجه عندما يستولى عليه فتقول "يندمج إلى درجة أنه لما يزقني كنت ألاقي نفسي طايرة في الهواء".
وعندما عرضت عليه شركة "كولومبيا" بطولة فيلم عالمي رفض زكي رستم ولما سألوه عن سبب الرفض قال بغضب "غير معقول أعمل في فيلم يعادى العرب".
كان الفن عنده هو "البلاتوه" ولحظة خروجه منه تنقطع الصلة بينهما تماماً ولهذا لم يكن له أصدقاء. صديقه الوحيد سليمان نجيب وكان معروفا بابن الباشا وكان يحترم ويحب الفنان عبد الوارث عسر، وعاش طوال حياته كعازب لا يفكر في الزواج ولا يشغله سوى الفن.
في سنواته الفنية الأخيرة عانى من ضعف السمع وكان يكره أن يستعين بسماعة، كما كان يسكن بمفرده في شقة في عمارة يعقوبيان في شارع 26 تموز/ يوليو ولم يكن يؤنس وحدته سوى خادم عجوز قضى في خدمته أكثر من 30 عاماً وكلبه الذي كان يصاحبه في جولاته الصباحية.
في عام 1962 حصل على وسام الفنون والعلوم والأدب من الرئيس جمال عبد الناصر، وفي عام 1968 توقف الفنان زكى رستم تماماً عن التمثيل وابتعد عن السينما واعتزل الناس بعد أن فقد حاسة السمع تدريجياً وكان يقضى معظم وقته في القراءة.
وتوفي إثر إصابته بأزمة قلبية حادة نقل على أثرها إلى مستشفى دار الشفاء وفى ساعة متأخرة من ليلة 15 شباط/ فبراير عام 1972 صعدت روحه إلى السماء، ولم يشعر به أحد و لم يمشِ في جنازته أحد.