القاهرة – محمد عبدالله
القاهرة – محمد عبدالله
أثار قرار مجلس الوزراء برئاسة الدكتور حازم الببلاوي إلغاء العمل بقانون التأمينات الاجتماعية رقم 135، والذي تم إعداده خلال فترة تولي وزير المال الأسبق يوسف بطرس غالي في عهد مبارك، الجدل بين خبراء التأمين، وذلك بناءًا على المذكرة التي قدمها وزير التضامن الاجتماعي الدكتور أحمد البرعي لإلغاء القانون نهائيًا، لسبب عدم تطبيقه العدالة الاجتماعية، وكذلك عدم حفاظ القانون
على أموال التأمينات. وقال بعض الرافضين للقانون الجديد، الذي أقرته حكومة الببلاوي، لـ"مصر اليوم"، أن "الفوائض السنوية الجارية لصناديق التأمينات للعاملين في الدولة لن تدوم إلا لسنوات قليلة، حيث سيبدأ النظام للمرة الأولى في تحقيق عجز يتوقع أن يبلغ 5 مليارات جنيه في 2015، ينمو بسرعة ليصل إلى 94 مليار جنيه في عام 2021، و341 مليار جنيه في 2031".
في حين قال المؤيدون لإلغاء القانون القديم أن "القانون 135 لا علاقة له بالتأمينات الاجتماعية، لأنه بمثابة نظام للادخار الشخصي، سيما وأنه يهدف إلى تحويل نظام التأمين الاجتماعي من فكرة التكافل الاجتماعي إلى الحسابات الادخارية الشخصية، ومن فكرة المعاش إلى فكرة بوليصة التأمين على الحياة".
وكان على رأس الرافضين، مستشار وزير المال الأسبق يوسف بطرس غالي الخبير الاقتصادي هشام توفيق، والذي وصف إلغاء القانون 135 لعام 2010، الخاص بالتأمينات الاجتماعية بـ"الخطيئة الكبرى"، موضحاً أنه بعد ثورة 25 يناير 2011 بشهور قليلة أخذ رئيس الوزراء الأسبق الدكتور كمال الجنزوري قرارًا بفصل حقيبة التأمينات الاجتماعية عن وزارة المال، وتجميد قانون التأمينات الاجتماعية الجديد رقم 135 لعام 2010، والذي كان يفترض بدء تطبيقه في كانون الثاني/يناير 2012، وبعد أقل من أسبوعين من تشكيل وزارة الدكتور حازم الببلاوي، تم اعتماد مجلس الوزراء إقتراح وزير التضامن الاجتماعي، القاضي بإلغاء القانون، الذي تمت تسميته "قانون يوسف بطرس غالي"، وهو ما كان سببًا كافيًا جدًا لاتخاذ هذا القرار في مجلس الوزراء، بعد الحملة الإعلامية التي شنت على مدى عامين، والتي روجت زورًا لقيام وزارة المال في عهد الدكتور يوسف بطرس غالي بـ"الاستيلاء على أموال المستضعفين"، وهو ما تم بحثه وتفنيده في عهد الدكتور حازم الببلاوي، وقت أن كان وزيرًا للمال.
وأوضح توفيق أنه بصفته مستشارًا سابقًا لوزير المال، وكان مسؤولاً عن ملف التأمينات الاجتماعية، قد حاول تحديد موعد مع وزير المال الحالي الدكتور أحمد جلال، لشرح أبعاد قضية التأمينات الاجتماعية، وهو بالمناسبة موضوع معقد حتى بالنسبة لكبار الاقتصاديين والماليين، والآثار الكارثية على مالية الدولة التي ستنتج لسبب إلغاء القانون الجديد "قانون 135"، ولكن تم تجاهل طلبه، وللأسف صدر، في 27 آب/أغسطس الماضي، القرار الجمهوري رقم 79 لعام 2013 بإلغاء القانون.
وأكد توفيق أنه لكونه مراقبًا لمشكلة التأمينات، منذ عام 1999، والمسؤول الرئيسي عن إعداد مشروع القانون 135 لعام 2010 خلال الأعوام من 2005 وحتى 2007، فقد رأى لزامًا عليه شرح فداحة خطيئة إلغاء القانون، واستمرار العمل بالقوانين السارية، لعل عاقلاً في الحكومة أن ينصت.
ويستعرض توفيق مستقبل المالية العامة للدولة، عقب إلغاء القانون 135، واستمرار العمل بالنظام الجاري، موضحًا أن "الوضع قد تغير للأسوأ، بعد المنح والزيادات الممنوحة في العامين الأخيرين، من كل من المجلس العسكري والرئيس المعزول محمد مرسي"، وقال أنه "بالنسبة لوضع التأمينات في ميزانية 2011 فقد بلغ إجمالي أصول صندوق العاملين في الجهاز الحكومي، وصندوق العاملين في القطاعين العام والخاص في 30 يونيو 2011، نحو 463 مليار جنيه، موزعة كالتالي 212 مليار جنيه في سندات خزانة، تغل عائداً قدره 8% سنويًا، و25 مليار جنيه في أذون خزانة تغل عائدًا متغيرًا، و71 مليار جنيه في ودائع مصرفية معظمها في بنك الاستثمار القومي، و10 مليار جنيه في أسهم وصناديق إستثمار محلية، و145 مليار جنيه مديونية طرف وزارة المال، وهي ليست مدرجة في الدين المحلي لوزارة المال، وبالتالي لا تدفع عنها الوزارة عائد".
وعن جانب الإيرادات السنوية، قال مستشار وزير المال الأسبق أنه "بلغ إجمالي اشتراكات المؤمن عليهم في الصندوقين خلال العام 2011 حوالي 30.8 مليار جنيه، كما بلغ إجمالي عوائد الاستثمار للصندوقين 25.4 مليار جنيه، أي أن إجمالي إيرادات الصندوقين بلغت 56.24 مليار جنيه، وبالنسبة للاستخدامات فقد بلغ إجمالي المزايا، معاشات وتعويضات، المصروفة في العام نفسه للمستفيدين في الدولة، متضمنة المعاشات العسكرية، والمعاشات الخاصة، والمصروفات الإدارية، مبلغ 52.6 مليار جنيه، وبالتالي فهذا يعني أن هناك فائضًا جاريًا للعام 2011 قدره 3.6 مليار جنيه، وهذا للأسف فائض نظري، تحقق فقط لسبب قيام الصندوقين بتسجيل مديونية على وزارة المال في هذا العام، قدرها 24 مليار جنيه".
وكشف توفيق عن أنه "بتخيل الموقف المالي للصندوقين مستقبلاً، حال استمرار النظام الجاري، مع الأخذ ببعض الافتراضات الرئيسية، والاعتراف بديون وزارة المال، فمن المتوقع تحقيق متوسط عائد 8% سنويًا على أصول الصندوقين، ورغم ذلك فقد يتم إغلاق الصندوقين على المشتركين، و ثبات الحد الأقصى للأجر التأميني الراهن، وزيادة كل من الأجور، مع الأخذ في الإعتبار الحد الأقصى، والمزايا بواقع 10% سنويًا"، وأشار إلى أنه "على الرغم من تحصيل الصندوقين لكامل مديونياتهما طرف وزارة المال، وتحقيقهما عائدًا معقولاً على كل أصول الصندوق، إلا أن الفوائض السنوية الجارية للصندوقين لن تدوم إلا لسنوات قليلة، حيث سيبدأ النظام للمرة الأولى في تحقيق عجز يتوقع أن يبلغ 5 مليارات جنيه في 2015، ينمو بسرعة ليصل إلى 94 مليار جنيه في عام 2021، و341 مليار جنيه في 2031.
وتوقع توفيق أن "يفقد الصندوقين كل أصولهما مع حلول عام 2023، لينتقل عبء سداد التزاماتهما المتنامية لوزارة المال"،لافتًا إلى أنه "لو تطلعنا أربعون عامًا في المستقبل، وهذا ليس ببعيد عند الحديث على نظم تأمينات، وافترضنا استمرار العمل بالقانون الراهن، نجد أن العجز المتوقع المطلوب من المالية العامة للدولة تحمله حينئذ سيكون في حدود 1431 مليار جنيه، أو ما يمثل 10.6% من الناتج القومي الإجمالي عام 2050-2051، وذلك بافتراض معدل نمو إقتصادي قدره 6% سنويًا.
ويؤكد توفيق أن الاستمرار بالقانون الراهن ليس خيارًا قائمًا، كما أن أي محاولة لإصلاحه لن تفيد، وستؤدي قطعًا إلى إنهيار المالية العامة في سنوات قليلة، حيث أن نسبة العجز في المالية العامة تتعدى 10% من الناتج القومي، كما أن إجمالي الدين على الدولة يقترب من نسبة 100%، وهما نسبتان تشيران إلى قرب الاقتصاد المصري من حافة الهاوية.
ومن الفريق المؤيد لإلغاء القانون القديم، وتطبيق القانون الجديد، خبير التأمين محمد خليل، حيث يقول أن "القانون القديم يهدف إلى إخفاء مديونية وزارة المال لهيئة التأمينات، وهو نظام إدخار لا يمت لنظم التأمين الاجتماعي بصلة، وهو نظام تكميلي ينشأ في كل الدول التي طبقته إلى جانب نظام قومي للتأمين الإجتماعي، وليس بمفرده، كما أنه ينقل مسؤولية تغطية الأخطار الاجتماعية إلى المواطن صاحب الحساب".
وأضاف أن "هذا النوع من الأنظمة يتعرض في كل الدول التي طبقته لمشكلات ارتفاع قيمة المصروفات الإدارية، وارتفاع قيمة العمولات التي تحصل عليها شركات خاصة، لتكوين وإدارة محافظ الأوراق المال"، لافتًا إلى أن "هذا القانون يتطلب قبل تطبيقه تهيئة مجتمعية واسعة، في مجالات عديدة، يصعب تنفيذها في ضوء أمية وفقر تصل نسبتهما إلى أكثر من 40% من السكان، فيجب أن يكون صاحب الحساب على وعي بأن يتابع استثمارات أرصدته مع مدير الاستثمار، وأن يستطيع توجيهها إلى مجالات الاستثمار الأكثر ربحية"، مؤيدًا إلغاء القانون رقم 135، بغية إصلاح نظام التأمين الاجتماعي في مصر، ليحقق حياة كريمة لأصحاب المعاشات وأسرهم.