مسقط ـ مصر اليوم
يرى الكثير من الوافدين أن التعرف على أصدقاء جدد قد يخفف من مشكلة التأقلم مع الحياة الجديدة في الخارج. لكن رغم التباين الثقافي والتعدد اللغوي، لا شك أن بعض البلدان تُحسن استقبال الوافدين أكثر من غيرها.
وقد أجرت شبكة "إنترنيشنز" العالمية، نقلًا عن "bbc عربي" مؤخرًا استطلاعها السنوي لآراء المغتربين، وطلبت فيه من أكثر من 14 ألف مغترب من 191 دولة تقييم عدد من جوانب الحياة في الخارج، بما فيها سهولة الاندماج في المجتمع، وطلاقة وجه السكان، وسهولة إقامة صداقات.
وتحدثنا إلى السكان في البلدان التي تصدرت قائمة الدول الأكثر حفاوة بالوافدين، لنكتشف الأسباب وراء حسن استقبال أهل هذه البلدان للوافدين على هذا النحو.
أوغندا
جاءت أوغندا في طليعة البلدان التي تحسن استقبال الوافدين. ووفقا لتقرير شبكة "إنترنيشنز"، فإن 57 في المئة من المغتربين في أوغندوا رأوا أن سكان هذا البلد الأفريقي هم الأكثر حفاوة بالوافدين.
وتقول تشارلوت بوفويسين، مغتربة بريطانية وتكتب في مدونة عن حياتها في العاصمة الأوغندية كمبالا، إن الترحيب بالأجانب من جميع الجنسيات يمثل جزءا أصيلا من الثقافة الأوغندية، ولهذا يبادر الأوغنديون بإظهار ابتسامتهم للوافدين.
وتوافقها الرأي ناديا ميليفا، البلغارية التي تمثل شبكة "إنترنيشنز" في كمبالا، وتضيف: "هذا البلد ثري بمناظره الطبيعية التي تأسر الألباب، ومطاعمه، وحاناته الفاخرة، ودفء طقسه على مدار السنة".
لكن الحياة في أوغندا لا تخلو من المشاكل، ومنها انقطاع الكهرباء بين الحين والآخر، والتلوث الناتج عن عادم السيارات القديمة، ومشاكل البنية التحتية المتزايدة التي قد تؤدي إلى شلل الحركة المرورية.
ومع ذلك تقول بوفويزين: "أغلب الزائرين يحبون أوغندا، ويفضل الكثير من الوافدين مدّ فترة تعاقدهم، وربما الاستقرار هنا".
ويعيش أغلب المغتربين في كمبالا، حيث يتحدث معظم سكانها اللغة الإنجليزية، وتنتشر المطاعم العالمية بكثرة.
وتقول ميليفا: "بينما ينبض قلب العاصمة كمبالا بالحياة، فإن أطرافها أكثر هدوءا".
وفي الجنوب، يزداد التنوع الثقافي وتقل الأسعار، كما يسهل الوصول إلى بحيرة فيكتوريا والمطار، في حين يضم النصف الشمالي الأحياء الأكثر ثراء. لكن ينتشر المغتربون في كل مكان، فلا تجد مناطق يكثر فيها المغتربون وأماكن بلا مغتربين.
كما يتوفر الطعام والعمالة بأسعار زهيدة، وهذا يعني أن المغتربين يمكنهم الحفاظ على مستوى معيشي مرتفع.
كوستاريكا
جاءت كوستاريكا، وهي إحدى دول أمريكا الوسطى، في ترتيب متقدم في مؤشر سهولة اندماج المغتربين في المجتمع. فوفقا لاستطلاع شبكة "إنترنيشنز"، عبر 89 في المئة من المغتربين عن رضاهم عن حفاوة استقبال السكان المحليين لهم، ويشعر 79 في المئة من المغتربين المقيمين هنا أنهم في وطنهم.
وتقول ديانا ستوبو، مالكة منتجع "ذا ريتريت كوستاريكا"، إن الأجانب والسكان المحليين في كوستاريكا يرتبطون معا وفقا لمبدأ "الحياة النقية". وكل من سئم من صخب الحياة في المدينة سينعم بالحياة النقية في كوستاريكا.
وترى ستوبو أن الحكومة الاشتراكية تلعب دورا في الحفاظ على هذه المساواة بين السكان ورحابة صدرهم. وتقول ستوبو: "يعيش الناس هنا في نفس المستوى المعيشي، ومن الصعب أن تصبح أكثر ثراء من الآخرين، ولهذا يرضى أغلب الناس بما قُسم لهم. فالحياة هنا نقيه، بلا عناء ولا هموم، ولا مشاكل".
ويقول ديفيد بلاك، البريطاني الذي يمثل شبكة "إنترنيشنز" في سانتا آنا، غرب العاصمة سان خوسيه، إن أغلب السكان يتحدثون اللغة الإنجليزية، لكن إن أردت أن تصبح أكثر قربا من السكان المحليين، فمن الأفضل أن تتعلم الإسبانية.
ويضيف بلاك: "لو بذلت جهدا في فهم ثقافة كوستاريكا وتعلمها، سيحتفي بك سكانها، ويقدرونك، ويعتبرونك صديقا".
وبينما يتجه المغتربون المتقاعدون إلى الأماكن القريبة من الشواطئ، مثل غوانكاست، وجاكرو، ومانيويل أنتونيو، يعيش الكثير من المغتربين من أصحاب المهن بالقرب من العاصمة سان خوسيه.
ويقول جونز: "باتت مقاطعتا سانتا آنا وإسكازو مقصدا للمغتربين من أمريكا الشمالية وأوروبا".
إلا أن تكلفة المعيشة في كوستاريكا قد ارتفعت في السنوات العشرة الماضية. وينوه جونز إلى أن ثمن كوب القهوة والكعكة الآن في كوستاريكا لا يقل عن ثمنهما في بعض الأماكن في وسط لندن.
ويقول جونز: "لكن كشأن أغلب البلدان الأخرى، إذا عرفت أين تجد السلع ذات الأسعار المعتدلة، وأردت أن تعيش بما يتناسب مع إمكانياتك المادية، فستجد الكثير من الأماكن التي يمكنك أن تأكل وتتسوق فيها بأسعار معقولة".
كولومبيا
يشعر الكثير من المغتربين في هذه المدينة الأكثر جذبا للوافدين في أمريكا الجنوبية كأنهم في موطنهم.
تقول آن ماري زويرغ فيليغاز، الأمريكية التي تمثل شبكة "إنترنيشنز" في مدينة ميديلين، وتعيش في ضاحية شيا: "يحرص الشعب الكولومبي على إظهار بلده بمظهر إيجابي أمام الوافدين، فيحسن استقبالهم، ويكرم ضيافتهم".
وتضيف فيليغاز: "إن نسبة السكان الأجانب في كولومبيا من أقل النسب في العالم، ولهذا ينظر إلينا معظم السكان المحليون على أننا سيّاح، ويعاملوننا على هذا الأساس".
ويقول ويليام دوران، الذي يعيش في ميديلين، ثاني أكبر المدن في كولومبيا، حيث ينظم برنامجا لتدريب الرُّحل الرقميين، إن السكان المحليين يرحبون بالمغتربين كسياح، مهما طالت مدة إقامتهم في البلاد.
ويضيف دوران: "من بين الدول الأربعين التي زرتها، لم أجد أي مكان يندمج فيه الأجانب في المجتمع رغم قلة عددهم، سوى في كولومبيا. فالكولومبيون متعاونون وبشوشون للغاية".
ويعيش أغلب المغتربين في العاصمة الكولومبية بوغوتا، التي يبلغ عدد سكانها نحو ثمانية ملايين نسمة. وترى فيلغاز أنه من الأفضل السكن بالقرب من مكان عملك لتفادي الاختناق المروري.
ويعيش أغلب المغتربين من أصحاب المهن في منطقة الشمال الشرقي من المدينة في أحياء مثل شيكو، وروزالز، وأوساكين، وسيدريتوس.
وتقول فيليغاز: "توجد في هذه الأحياء مراكز تجارية حديثة تضم سلاسل المتاجر العالمية والمطاعم التي تقدم أطعمة من مختلف بلدان العالم، والنوادي الاجتماعية والرياضية. كما يقبل الناس على المتنزهات ذات النوادي الليلية التي تتميز بها هذه الأحياء".
أما المغتربون الأصغر سنا من محبي خوض التجارب فقد يتجهون نحو الأجزاء الجنوبية من بوغوتا، التي تنتشر فيها الحانات والنوادي الليلية الأقل سعرا.
ويعتمد الاقتصاد الكولومبي على الزراعة، ولهذا تتوفر في البلاد الخضروات والفواكه الطازجة على مدار العام بأسعار معقولة، كما أن أسعار الخدمات فيها زهيدة.
تقول زويرغ فيليغاس: "يستطيع أغلب المغتربين توفير نفقات تعيين خادمة وسائق ومربية"، إذ يعد المغتربون هناك من ذوي الدخول المرتفعة، وهذا يعني أن تكاليف الخدمات الإضافية تذهب إلى أصحاب الدخول المتدنية.
سلطنة عُمان
تُعد سلطنة عُمان واحدة من أكثر البلدان التي تنعم بأشعة الشمس في العالم، بالإضافة إلى أن أهلها يتسمون بالود والترحاب، ويتميز مناخها العام بالدفء.
ولكرم الضيافة جذور راسخة في الدين الإسلامي، ولهذا يتعامل العمانيون مع الوافدين برحابة صدر، ودون تحفظ.
وتقول نيكول بروير، التي تعيش في مدينة نزوى التراثية، وتوثق تجربتها في مدونتها عن الترحال: "يحسن العمانيون عادة ضيافة الغرباء. وبسبب مرجعيتهم الإسلامية وتمسكهم بالدين، فإنهم يحبون مساعدة جيرانهم، أو من يحتاجون إلى مساعدة، ولا يترددون في دعوة الغريب أو الوافد إلى منازلهم لاحتساء القهوة، أو تناول التمر، أو الفاكهة".
واشتهرت عُمان بأسلوب الحياة في الهواء الطلق بسبب طقسها الرائع، وكثرة الأماكن المعدة للتخييم والمغامرات.
تقول ريبيكا مايستون، من نيوزيلندا، وممثلة شبكة "إنترنيشنز" في مدينة مسقط: " لا تفكر في الانتقال إلى عُمان إلا إذا كنت مستعدا لخوض تجربة الحياة في الهواء الطلق. فأنا أحب ألا تخلو حياتي من المغامرات، وأن أنعم بالطقس الرائع، والمناظر الطبيعية، وأتعامل مع الجنسيات المتنوعة، وأكون صداقات متعددة".
وتقول مايستون إن عدد المطاعم والمقاهي في مسقط أكثر من أي مدينة أخرى في عُمان، ولهذا يأتي الكثير من أصدقائها المغتربين إلى مسقط في عطلات نهاية الأسبوع لارتياد النوادي الليلية.
أما مدينة نزوى فتشعر فيها وكأنك في مدينة صغيرة، رغم أنها كانت عاصمة البلاد، ولكنها مدينة عريقة، وتحتضن قلعة نزوى التاريخية، وسوق نزوى الشهير.
ورغم ارتفاع تكاليف المعيشة في عمان في الآونة الأخيرة، إلا أنها جاءت في تصنيف شركة "ميرسر" من بين البلدان ذات تكاليف المعيشة المنخفضة في الشرق الأوسط.
وتقول مايستون: "أرى أنني أعيش هنا حياة أفضل من الحياة التي كنت أعيشها في موطني، وفوق ذلك أحصل على مزايا مالية أعلى".
الفلبين
بعد أن دشنت الكثير من الشركات متعددة الجنسيات مكاتب لها في الفلبين، بدأت هذه الدولة الجزيرة تجتذب المغتربين من مختلف أنحاء العالم. وفي الوقت الحالي لا يحتاج سكان 159 دولة إلى تأشيرة لدخول الفلبين.
وتعد اللغة الإنجليزية هي اللغة الأولى في الفلبين، ويحرص سكان الفلبين على الترحيب بالوافدين.
ويقول إلينور ويبلي، ممثل "إنترنيشنز" في مسقط رأسه العاصمة الفلبينية مانيلا: "يتسم سكان الفلبين بقدر كبير من المعاملة الودية، والتعاون، ولهذا لا يشعر الأجانب فيها بالغربة".
ويحرص الشعب الفلبيني بشكل عام على الخروج في الهواء الطلق، وحضور المهرجانات والحفلات، ولهذا لن يجد المغتربون صعوبة في مقابلة أصدقاء جدد.
ويقول وينديل يوسن، وهو فلبيني يمثل شبكة "إنترنيشنز" في مانيلا: "إن الشعب الفلبيني ودود للغاية، وطلق الوجه". وأضاف أن وزارة السياحة الفلبينية جسدت هذه المشاعر في شعارها: "ستشعر بالمرح في جزر الفلبين".
وبينما يعمل أغلب المغتربين في العاصمة مانيلا، يختار الكثيرون العيش بالقرب من شواطئ الفلبين الساحرة.
وغدت جزيرة تاغيتاي مقصدا للمغتربين الذين يؤثرون الابتعاد عن صخب المدينة، وفي الوقت نفسه يمكنهم الوصول بسهولة إليها عبر المواصلات العامة.
ويقول يوسون: "تضم الفلبين 7,100 جزيرة، ويحب المغتربون أسلوب الحياة في المناطق الاستوائية. ويعيش من يفضلون نمط حياة المجتمع المدني في المناطق التجارية وسط المدينة، أو في مدينة سيبو، في الجزر الوسطى.
ولا تعد تكاليف المعيشة في الفلبين مرتفعة، ويستطيع المغتربون أن يدبروا تكاليف حاجاتهم الأساسية بما يتناسب مع إمكانياتهم المادية. ووفقا لموقع "اكسبكتيشن دوت كوم" فإن تكاليف السكن والنقل والطعام في مانيلا أقل سعرا من نظيراتها في لندن بنسبة 60 في المئة.
إلا أن اختيار السكن في المناطق ذات الأسعار الباهظة، أو الشقق ذات الخدمات الفندقية، سيرفع من تكاليف المعيشة إلى حد كبير.