القاهرة-مصر اليوم
كان شهر رمضان محفوفًا بالانتصارات الكثيرة على مر التاريخ، فهو شهر الجهاد والفتوحات لما تبثه العبادة من أثر وعلو للهمة مما يحقق النصر على المستويات.
يكون من بين تلك الانتصارات التي حققها المسلمون كانت البداية في غزوة بدر الكبرى، التي كانت في مثل هذا اليوم 17 من رمضان سنة 2 هجريًا، فكانت معركة الفرقان بين الحق والباطل، وأول معركة بين المسلمين والمشركين، ورغم قلة عدد المسلمين، فقد كان النصر حليفًا لهم، وخرج المسلمون من هذه الموقعة بكثير من المغانم، وقد قال الله تعالى في شأنها: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.. [آل عمران: 123].
ويبعد موقع غزوة بدر الكبرى عن المدينة المنورة حوالي 150 كلم تقريبًا، أي ما يعادل ساعة ونصف بالسيارة بسرعة 120 فهي تقع خارج المدينة المنورة لا داخلها. والمسافة التي سلكها الرسول ما بين المدينة وما بين قافلة قريش تقدّر بحواليّ (257) كيلو مترًا.
ويوجد مسجد العريش، الذي بنى مكان عريش "خيمة" النبي صلى الله عليه وآله وسلم التي أدار منها غزوة بدر، حيث بُنيَ العريش للنبي صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله على تل مرتفع من الصخور يشرف على سهل بدر الذي وقعت فيه المعركة، وهو تل صغير يبلغ ارتفاعه عشرات الأمتار عن أرض المعركة.
ويوجد كذلك جبل الملائكة حيث المكان الذي نزل فيه الملائكة لمساعدة جيش المسلمين في المعركة، وكانوا سببًا للانتصارهم.
بدأت معركة الفرقان في بدر بمحاولة المسلمين اعتراضَ قافلة لقريشٍ متوجهةٍ من الشام إلى مكة يقودها أبو سفيان بن حرب، ولكن أبا سفيان تمكن من الفرار بالقافلة، وأرسل رسولاً إلى قريش يطلب عونهم ونجدتهم، فاستجابت قريشٌ وخرجت لقتال المسلمين.
كان عدد المسلمين في غزوة بدر ثلاثمائة وبضعة عشر رجلًا، معهم فَرَسان وسبعون جملًا، وكان تعداد جيش قريش ألف رجل معهم مئتا فرس، أي كانوا يشكِّلون ثلاثة أضعاف جيش المسلمين من حيث العدد تقريبًا.
تحرك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بجيشه ليسبق المشركين إلى ماء بدر، ويحول بينهم وبين الاستيلاء عليه، فنزل عشاءً أدنى ماء من مياه بدر، وهنا قام الحُبَاب بن المنذر كخبير عسكري وقال: يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل، أمنزلاً أنزلكه الله، ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه؟ أم هو الرأي والحرب والمكيدة ؟ قال: "بل هو الرأي والحرب والمكيدة".
قال: يا رسول الله، إن هذا ليس بمنزل، فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم ـ قريش ـ فننزله ونغوّر ـ أي نُخَرِّب ـ ما وراءه من القُلُب، ثم نبني عليه حوضًا، فنملأه ماء، ثم نقاتل القوم، فنشرب ولا يشربون، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لقد أشرت بالرأي".
ونهض رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجيش حتى أتى أقرب ماء من العدو، فنزل عليه شطر الليل، ثم صنعوا الحياض وغوروا ما عداها من القلب.
حمي الوطيس واشتدّ القتال، وكان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد أخذ بالدعاء والابتهال إلى الله سبحانه أن ينصره حتّى سقط رداؤه عن كتفيه، ليردّه عليه أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه ويخبره أنّ الله منجز ما وعده، ثمّ رفع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم رأسه مبشراً أبي بكر بأنّ جبريل جاءه بخبر النصر، وأنزل الله جنده من الملائكة لتأييد المسلمين، فقتلوا منهم سبعين وأسروا سبعين.
وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من باب العريش وهو يثب في الدرع ويقول: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ}.. [القمر : 45]، ثم أخذ حَفْنَةً من الحَصْبَاء، فاستقبل بها قريشًا وقال: "شاهت الوجوه" ورمى بها في وجوههم، فما من المشركين من أحد إلا أصاب عينيه ومنخريه وفمه من تلك القبضة، وفي ذلك أنزل الله: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَى}.. [الأنفال : 17].
وانتهت غزوة بدر بانتصار المسلمين على قريش وقتل قائدهم عمرو بن هشام، وكان عدد من قُتل من قريش في غزوة بدر سبعين رجلاً وأُسر منهم سبعون آخرون، أما المسلمون فلم يُقتل منهى أربعة عشر رجلاً، ستة منهم من المهاجرين وثمانية من الأنصار.
كانت لمعركة بدر الكبرى آثارً إيجابية كبيرة على المسلمين معنويًا واقتصاديًا، حيث أصبحت لهم مهابة في المدينة المنورة وما جاورها وارتفعت الروح المعنوية للمسلمين، كما أن حال المسلمين الاقتصادي قد تحسن كثيرًا بسبب غنائم المعركة بعد ما تركوا من أموال وبيوت في مكة عندما هاجروا إلى المدينة.