فنون الصخر

تتنوع الآثار في الجزيرة العربية، فهناك مواقع أثرية تعدت الأربعة آلاف موقع باتت مسجلة رسميًا، الكثير منها يشتمل على الفن الصخري الذي يعود إلى أوائل العصر الحجري الحديث، أي منذ أكثر من عشرة آلاف سنة، وأكثرها في منطقة حائل العريقة بآثارها.
 
حملت هذه الفنون أشكالاً من التعابير المختلفة لتلك الفترة سواء للإنسان أو الحيوان، ورسوماً استمرت في وجودها على الصخور كتعبير لأسلافنا العرب، منذ ذلك الوقت وحتى بداية العصر الإسلامي.
 
ترك الأولون في جزيرة العرب نقوشًا معبرة عن المكان وثقافة الإنسان على وجه الصخور الجبلية العائدة إلى عشرة آلاف عام من التاريخ البشري، ورغم أن هذه المنطقة الواقعة بين جبل سنمان في جوبة وجبل المنجور وجبل رات في منطقة الشويمس بحائل في المملكة العربية السعودية، هي قاحلة الآن، لكنها تحتوي على أقدم القبائل العربية التي امتدت في جزيرة العرب من اليمن إلى حائل.
 
ويؤكد العلماء منذ السبعينيات من القرن الفائت وبعد المسح الصخري بجبل جوبا وما حولها، وبعد التحقق من الفنون بدقة، أنه تم التعرف على بحيرة عذبة وكبيرة كانت تقع بين تلك الجبال، كانت مصدرًا للمياه العذبة للناس والحيوانات، ليترك الأسلاف في حائل نقوشًا معبرة عن المكان وثقافة الإنسان على وجه تلك الصخور تعود إلى عشرة آلاف سنة من التاريخ البشري، لكونه "المكان" واقعًا في أغنى الوديان من حيث تدفقها المائي، قبل أن يحل التصحر ويتغير السياق البيئي المحلي عبر تلك العصور.
 
بقيت النقوش في ذلك المكان المليء بالجبال الصخرية والتي تبعد عن حائل بحوالي الـ90 كيلومتراً من شمالها الغربي إلى 250 كيلومتراً من جنوبها، ويحتوي على فنون كثيرة واستثنائية باستخدام المطارق الحجرية البسيطة، لتتخذ تعبيرات مذهلة أوضحت مدى عبقرية الإبداع الإنساني القديم، فقامت بالتالي عليها دراسات استثنائية كاستجابة وتحد لما قد واجهته المجتمعات السابقة من الكوارث البيئية المختلفة.
 
أما الآن فلهذا المكان خصوصية عالية، فحفظ الفنون الصخرية يكون بشبه العزلة كي لا يتهدد المكان بالتأثيرات المتنوعة، وبالتالي تم توثيق الأرض وتسويرها كعقار ثمين لتتجلى أصالة المكان بعد زمن طويل من التهديدات المناخية وتخريب البعض.
 
 
ويعد هذا الفن الصخري هو الرابع في قائمة التراث العالمي اليونسكو، حيث كان الأول المُدْرج هو موقع مدائن صالح (الحجر) عام 2008م، تلاه عام 2010 منطقة الطريف في الدرعية، ثم جدة التاريخية مع بوابة مكة المكرمة عام 2014م.
 
هذه الحضارة المبكرة لجزيرة العرب والمكتشفة لأسلاف البشر في تلك الجبال الذين شكلوا هذا الجرف الصخري من الوادي الذي تغطى بالرمال طويلاً، قد أظهرت الكثير من النقوش والرسوم التي تستحق الدراسة حولها، والتي تصور الصيد مع الماشية والكلاب ومشاهد الرقص والقتال، فضلاً عن الأنشطة الاجتماعية والدينية... وتعد شهادات ثمينة لحياتهم اليومية المنتمية إلى حياة البدو الرحل ولأصولهم الثقافية المتأصلة إلى عصور ما قبل التاريخ، ولا سيما النظام القبلي الذي استمر في تقاليده وثقافته بقوة منذ العصور القديمة.
 
 
يُنظر إلى شبه الجزيرة العربية من قبل الكثير من المتخصصين في الآثار، على أنها ليست مكتشفة بعد لتاريخها القديم، والسبب الأول هو صعوبة الوصول إلى مواقع النقش والآثار مع المؤرخين الفنيين والمعدات والرجال بهدف الالتزام بالتوثيق للمشاهدات من خلال البيانات المكتوبة، لبعدها ووعورة مسافاتها، فمساحة المملكة شاسعة وليست مذعنة للرحالة والسياح والمستكشفين كما يظن البعض، إضافة إلى اختلاف تضاريسها بين الجفاف والوعورة والسهول والصحاري الخطرة والجبال...
 
 
دراسة فنون الصخر في حائل هي قيمة عالية تعكس التغييرات الاقتصادية والثقافية الكبيرة التي حدثت، فهي نقوش تعود إلى العصر الحجري وذلك الوقت المبكر للمكان، لتوضح الدراسة كيف كان الإنسان يبجل الحيوانات ذات القرون، فقد رسموها بشكل مبالغ في حجمها، أو لعلها من الأنواع المنقرضة.
 
إضافة إلى الماشية وتربية الخيول التي تدعم المناخ الجيد في هذه المكان ببحيراتها التي جفت قبل 3000 عام كما تقول الدراسة، لتصبح النقوش الدليل الأجمل أمام الإنسان الباحث في معركته الدراسية حول طبيعة التغييرات المناخية وتأثيراتها على المستوطنات البشرية التي استوطنت في هذا المكان.
 
من خلال تلك المناظر الطبيعية على أسفل المنحدرات الجبلية المنتهية إلى حواف الصخور، تمتد منطقة عازلة عن التلال الصغيرة دُفنت مع الزمن في الرمال القادمة من صحراء النفود، لذا حافظت النقوش على سلامتها من الزمن وتخريب الإنسان بدخوله غير القانوني للمكان. أما التدهور في معظمها فبسبب التآكل الطبيعي من المياه النيزكية والرياح والأجواء الجيولوجية عبر الزمن.
 
هذه النقوش الواقعة مقابل الصحراء الكبرى النفود بحوالي الـ 300 كم إلى الجنوب الغربي من حائل في سهول هارات البركانية، حيث خيبر وشمال المدينة، هي فنون لا يمكن تكرارها، وذات قيمة عالية، كما أنها تعد أكبر مجمعات الفن الصخري في العالم، وبالتالي نستطيع مقارنتها بمواقع الفن الصخري في جنوب أفريقيا وأستراليا والهند وناميبيا. وأخيرًا، فإن البحيرات التي كشف عنها الجيولوجيين كانت عذبة، وبلا شك أنها كانت المأوى للأسلاف.
 
وُجد هذا الفن الصخري في جهة اليسار من جبال الشويمس، ويصور فيه الرجال والنساء بشكل خرافي أجساداً إنسانية وبرؤوس من خيل. المثير للاهتمام أنها تشبه رقصة العرضة التي يؤديها الرجال ويمارسونها جماعيًا في حائل ونجد وتبوك وشمال المملكة حتى يومنا هذا، والتي لها نقاط التشابه في تمثيلها والطريقة التي تجمع الراقصين.
 
بحيث إن كل راقص يحمل يد الآخر، وحركات متماثلة تتوافق مع الطريقة التي يتم فيها تنفيذ رقصة العرضة، ليتبين لنا مدى التفاني للبدوي المعاصر مع رابطة القبيلة والقيم الثقافية لبقاء التقاليد الاجتماعية التي استمرت منذ عصور ما قبل التاريخ.
 
تم العثور على عدد من الصور المنقوشة تماثل آلهة نجران قبل الإسلام والمسيحية، ولكون نجران شهدت بروز ديانات وثنية كبقية المناطق في العالم، فإن النقش لامرأة مرفوعة اليدين بأصابعها الممتدة، وشعرها المتناثر لجلب الهواء والمطر، وحولها حيوانات وسهام ترمز لممارسات سحرية وطقوس تُجرى عادة لضمان الصيد الوفير كنية طيبة للطبيعة، وهي مجرد فرضيات تدعمها وجهة نظرنا الحديثة، خاصة أن شعرها الذي نقش كالشمس يؤكد اعتقاد الناس، في ذلك الوقت، بألوهيتها حيث نظر إليها على أنها كاهنة تعبر عن آلهة الخصوبة والحب.
 
 
إيجاد بصمات بشرية بحجمها الطبيعي في منطقة الشويمس بحائل، وعلى السطح الأفقي لصخور تعود إلى 8000 عام بصمات اليد المفتوحة للإنسان وللضباع والكلاب، وهذا الأسلوب التاريخي أقرب للعلامة التجارية ليومنا هذا، بحيث إن كل قبيلة تستخدم بصماتها لوصف كيانها الاجتماعي والديني والاجتماعي والثقافي.
 
وبالتالي هو توقيع للوثائق المتبادلة بالتمييز بين الأملاك، كرموز أشبه بالكتابة أو العلامات الصوتية على عادة البدو اليوم في استخدامهم الأشكال الهندسية للدلالة بينهم على الماشية والخيول أثناء تجوالهم في الصحراء، ليلعب الفن الصخري دورًا في دراسات مهمة تؤكد عمق جذور التقاليد والعادات المحلية.
 
الكلب ببطنه الرشيق وذيله اللولبي كان مدهشًا على الفن الصخري، ليشبه تمامًا الكلب الكنعاني الذي ثبت في أصله أنه يعود إلى بيئة وطبيعة جزيرة العرب وموجود إلى الآن ومنذ استخدامه في العهود الأولى للتاريخ، ليصبح هذا النقش الذي بلغ من العمر 8000 عام أقدم تصوير للكلاب المستأنسة في العالم.
 
وقد تعجب دارسو علم تطور جسد الإنسان والحيوان، بمطابقة جسد الكلب على فن الصخر بالشويمس تمامًا مع الكلب المعاصر بالسيقان القصيرة وحجمه المربع رغم مرور الزمن، ومن المدهش والمذهل أيضًا، استخدام البشر للكلاب في وقت مبكر للصيد.
 
كما يصور الفن الصخري في شمال غرب المملكة العربية السعودية، مشاهد لا مشهدًا واحدًا لكلاب الصيد، ليصبح الدليل الأول على وجوده في المنطقة، بعد اكتشاف مشاهد الصيد البالغة عددها 147 مشهدًا، فقام الباحثون في علم الآثار والأنثروبولوجيا بتوثيقها بدقة، لتتضح أدوارها الممكنة في مطاردتها مجموعات متنوعة من الغزلان والخيول العربية البرية التي استخدمها السكان في تربيتها.
 
وأمام هذه الأدلة التصويرية، وأكثر من أي وقت مضى وأمام المستندات التي مرت، يظهر هذا الفن الصخري مدى أهميته في منطقة الشويمس وجوبة وبقية المناطق في السعودية لأكثر من 1400 لوحة فنية صخرية للكلاب، ولم لا وهي منطقة رعوية يحتاج الرعاة إلى مطاردة رعيهم فيها.
 
موقع أثري لفنون الصخر للمملكة العربية السعودية، مسجلة حتى الآن في موقع التراث العالمي، ولا يزال العدد في ازدياد.
 
منذ عام 650 م بدأت فنون الصخر تتحدد وتضمر في وجودها كتعبير لحياة أسلاف العرب، بعد أن استمر ذلك منذ العصر الحجري الحديث.
 
في هذا العام تم تقديم تقرير مهم عن الموقع من قِبل فريق المسح من قسم الآثار والمتاحف بالمملكة العربية السعودية بالتعاون مع بريطانيا، من خلال ندوة عربية في لندن.