خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز

وسط اهتمام عربي غير عادي ومؤشرات على أن الزيارة المرتقبة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود لمصر تنطوي على أهمية خاصة وتدشن لمزيد من التعاون بين البلدين الشقيقين في شتى المجالات تبدي الجماعة الثقافية المصرية اهتماما واضحا بهذه الزيارة يتجلى في العديد من الطروحات بالصحف ووسائل الإعلام.

وإذ تستعد مصر لاستقبال خادم الحرمين الشريفين ورجل المواقف الكبيرة دعما لمصر والأمة والتزاما أصيلا بثقافة "الاصطفاف العربي"، فإن العديد من الطروحات ذهبت بحق إلى أن العلاقات المصرية- السعودية تتجاوز في عمقها وحقيقتها حتى أوصاف مثل "العلاقات الأخوية والاستراتيجية"، بينما يحمل توقيت الزيارة مغزى لا يغيب عن الأذهان وسط مفارق الطرق ومنعطفات الأيام ووطأة المتغيرات.

وهكذا يؤكد الكاتب الصحفي والنقيب الأسبق للصحفيين المصريين مكرم محمد أحمد أن زيارة العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز لمصر تكتسب أهمية خاصة ترفعها الى مكانة الحدث التاريخي لآثارها البالغة الأهمية على علاقات البلدين في مفترق طرق تاريخي يلزمهما بتقوية وتحصين علاقاتهما الثنائية وبذل كل الجهود الممكنة من اجل استعادة التضامن العربي.

ولفت مكرم محمد أحمد إلى أن زيارة العاهل السعودي لمصر تأتي في وقت تستشعر فيه معظم الدول العربية حاجتها الماسة الى الخروج من حالة التفكك والتفتت العربي الراهن الى موقف جديد يستعيد روح التضامن العربي ويوظف الجامعة العربية "بيت العرب" لدور افضل في لم شمل العرب وتعزيز العمل العربي المشترك وتحقيق وحدة الصف في مواجهة مخاطر قوى الارهاب التي لاتزال تنهش الجسد العربي وأطماع قوى اقليمية تسعى إلى تمديد نفوذها في المنطقة وتتربص شرا بأمن الشرق الأوسط واستقراره.

وفيما نوه بصور المساندة السعودية للشعب المصري في حربه على الإرهاب خلص النقيب الأسبق للصحفيين المصريين إلى أن العلاقات القوية بين القاهرة والرياض والتي تقوم على التواصل المباشر والتشاور المستمر تشكل أساسا صحيحا لنواة صلبة يمكن ان تكون قوة جذب جديدة لتضامن عربي واسع. 

بدوره يرى الكاتب والإعلامي السعودي حسين شبكشي ان هذه الزيارة المهمة والتاريخية تأتي في ظروف صعبة تمر على المنطقة العربية وهي "ظروف أمنية وسياسية واقتصادية غير عادية"، فيما ينظر للمملكة العربية السعودية ومصر على أنهما "دولتان ثقيلتان قادرتان على دعم عوامل وعناصر الأمن والاستقرار في المنطقة".

وقال حسين شبكشي فى تصريح لجريدة الشرق الأوسط : "الدولتان تحرصان باستمرار على مواصلة تأكيد أهمية العلاقات بينهما وبث روح التفاؤل والأمل والعمل المشترك في كثير من القضايا والمصالح المشتركة على الأصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية"، لافتا إلى أن هناك "قوى تتربص بالعلاقات السعودية-المصرية ولا تريد لها الاستقرار ولا التطور وتقوم بعمل سلسلة غير بريئة من الحملات الإعلامية ضد هذا التوجه".

ونوه شبكشي بأن "الزيارة الكبرى تأتي لأحداث نقلة نوعية في العلاقات بين البلدين" وهناك إعلان القاهرة المنتظر إطلاقه ليقدم رؤية جديدة عن العلاقة المنشودة بين البلدين وصولا لتأسيس مفهوم جديد للتكامل الاقتصادي والسياسي العربي. 

ولا ريب أن الثقافة تنهض بدور كبير كقاعدة راسخة من قواعد وأسس متينة للعلاقات المصرية-السعودية فيما كانت المملكة العربية السعودية هي ضيف الشرف في الدورة ال46 لمعرض القاهرة الدولي للكتاب في العام الماضي والذي يعد أهم حدث ثقافي مصري.

والتعاون الثقافي يعبر عن واقع مفعم بمشاعر المتبادلة بين دولتين عربيتين وشعبين ارتبطا بأقوى الوشائج ورغبة حقيقية في مزيد من التفاعل الثقافي والتواصل الابداعي بين البلدين الشقيقين فيما يتابع المثقفون المصريون التطورات بالساحة الثقافية في المملكة كما يتابع المثقفون السعوديون التطورات الثقافية في ارض الكنانة.

والرواية السعودية تعبر عن عمق التحولات الثقافية في المملكة بقدر ما مرت هي ذاتها بتحولات كبيرة سواء على مستوى البنية الفنية أو الموضوعات فيما يرى بعض النقاد انها تشهد حاليا "طفرة نوعية"، أسست لها كتابات أسماء هامة مثل الدكتور غازي القصيبي، وتركي الحمد وأحمد الدويحي وأمل شطا ورجاء عالم وعلى الدميني وليلى الجهني وهدى الرشيد وعبد العزيز الصقعبي.

وتقول الناقدة والباحثة الدكتورة كوثر القاضي أن تاريخ الرواية السعودية الحديثة يرجع إلى عام 1930 وكان أول عمل بقلم عبد القدوس الأنصاري وهي رواية "التوأمان"، فيما يقول الباحث محمد بن عبد الرزاق القشعمي أن مرحلة التجديد في الرواية السعودية بدأت عام 1959 برواية "ثمن الضحية" لحامد دمنهوري، اما المرحلة الثالثة فبدأت عام 1980 وهي توصف "بمرحلة التحولات الكبرى في مسيرة الرواية السعودية" على حد قول الباحث الدكتورحسن النعمي صاحب دراسة "مراحل تطور الرواية".

وعام 1981 اصدر الدكتور منصور الحازمي اول دراسة معنية بالسرد السعودي فيما اصدر الدكتور السيد ديب عام 1989 كتاب "فن الرواية في المملكة العربية السعودية بين النشأة والتطور" كما اصدر الدكتور محمد الشنطي كتاب "فن الرواية في الأدب السعودي المعاصر" وكذلك اصدر الدكتور سلطان القحطاني كتاب "الرواية في المملكة العربية السعودية..نشأتها وتطورها 1930-1989".

ولعل هناك حاجة لمزيد من الدراسات نقدية السعودية والمصرية حول إبداعات الجانبين تتسق مع تقاليد وواقع التفاعل الثقافي العميق بين مصر والمملكة والروابط والعلاقات الوثيقة بين مثقفين مصريين وسعوديين مثلما كان الحال بين الناقد المصري الدكتور عبد القادر القط والمفكر والكاتب السعودي الدكتور غازي القصيبي.

ولا ريب أن الرواية السعودية تتقدم بثقة لتتبوأ مكانتها المستحقة في عالم الرواية العربية فيما تلعب الأندية الأدبية في ربوع المملكة الشقيقة دورا ملحوظا في اكتشاف ودعم المواهب الأدبية والقدرات التكوينية الثقافية.

ولا ريب أيضا أن التاريخ العربي سيتوقف طويلا أمام الدور النبيل للراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز في التصدي لتهديدات جسيمة للأمن القومي العربي وتكالب قوى إقليمية ودولية للنيل من جسد الأمة العربية ومحاصرة دولها تمهيدا لتفكيكها وإعادة رسم الخارطة العربية على أسس دخيلة لا تخدم سوى مصالح هذه القوى غير العربية.

ولا جدال أن مثل هذه التهديدات والمخاطر تعبر عن محاولات حثيثة لفرض أجندة قوى إقليميه غير عربية على المنطقة العربية " وهي حالة تنذر بانهيار الدولة الوطنية وتداعيات لا يمكن أن تكون في صالح الاستقرار الإقليمي العربي فيما تستدعي هذه الحالة تنظيرات ثقافية - استراتيجية جادة لا تركن للسائد ولا تعتمد على المألوف وإنما ترتقي لمستوى اللحظات الخطيرة.

وفي تلك اللحظات تترقب مصر زيارة الملك سلمان "رجل البناء المبهر والرجل الدبلوماسي العريق ورجل السياسة الرؤيوي ورجل الثقافة العميقة ورجل الشجاعة الموروثة" كما وصفه بحق الكاتب اللبناني سمير عطا الله..فمرحبا بزيارة فارس عربي نبيل لأرض الكنانة.."النيل يصلي ومكة تسري في قلب الكنانة".