الطائرات بدون طيار الأميركية

تعمل الإدارة الأمريكية والمشرعون منذ بداية العام الجاري ، على التقريب بين مواقف مؤسستي الاستخبارات (سى اى ايه) ، والدفاع (البنتاجون) ، في عدد من القضايا المتعلقة بالتعامل مع الإرهاب حول العالم وحقوق الإنسان. ويقول المراقبون إن أبرز ملفات الجدل الحالية هو التبعية والسيطرة على العمليات الجوية الموجهة ضد البؤر الإرهابية حول العالم والتى عادة تتسم اعتمادا على الطائرات بدون طيار.
فبينما تتمتع مؤسسة الاستخبارات الأمريكية بحق إدارة الطائرات بدون طيار وتوجيهها فى العمليات الأمنية ، يسعى البنتاجون إلى أخذ هذا الحق لنفسه ، لاسيما بعد مصرع العشرات في اليمن بقذائف / نيران الجحيم / أو /هل فاير/ التى تطلقها تلك الطائرات و إصابة أبرياء جرائها كان آخرهم في ديسمبر الماضي عندما تم استهداف موكب عرس في وسط اليمن.
ودفعت الحكومة اليمنية تعويضات لذوى القتلى والمصابين نتيجة لهذا الاستهداف الخاطىء وغيره وما يترتب عليها من إيقاع إدارة أوباما فى مواقف سياسية محرجة.
وبرغم أن قيادة العمليات المشتركة في البنتاجون كانت المسئولة عن تنفيذ عملية الاستهداف التي تمت في اليمن في ديسمبر من العام الماضي وتأكيداتها على أن موكب العرس كان ستارا لتحرك قافلة من عناصر القاعدة ، انفتح جراء هذا الحادث جدل كبير داخل الإدارة الأمريكية حول هذا النوع من العمليات وضرورة استناده إلى معلومات استخبارية أكثر دقة تفاديا للحرج ومتطلبات تنظيم التعاون بين المخابرات والجيش.
أما مؤسسة الاستخبارات الأمريكية (سى اى ايه) ، فكان لها رأى آخر فى عملية اليمن فى ديسمبر الماضي ، إذ تشككت فى انتماء من تم استهدافهم بنيران الطائرات التى تعمل بدون طيار.
وقال مسئولوها أمام لجان الكونجرس إنهم أخلوا مسئوليتهم عن نتائج العملية مسبقا بإبلاغ البنتاجون بعدم تيقنهم من حقيقة من كان سيتم استهدافهم وهل هم فعلا من عناصر القاعدة أم "موكب عرس".
ويقول خبراء المركز الوطني لمكافحة الإرهاب في واشنطن إنه ما بين تأكيد المؤسسة العسكرية على كون من تم استهدافهم هم عناصر للقاعدة في اليمن ونفي المؤسسة الاستخباراتية لذلك ، تبقى الحقيقة متأرجحة ، وإن كان خبراء المركز يميلون بصورة أكبر إلى تصديق رواية الاستخبارات المركزية في هذا الشأن.
حيث إن المستهدف الرئيسي من الهجوم ، وهو قيادي القاعدة في جزيرة العرب شوقي على أحمد بداني ، لم يصب جراءه ، هو الرجل الذي تتجه إليه أصبع الاتهام في تدبير عمليات استهدافية ضد المصالح الدبلوماسية الأمريكية في الشرق الأوسط وأفريقيا ، أجبرت إدارة أوباما على إغلاق 19 بعثة قنصلية أمريكية فى هذا الجزء من العالم لفترات مؤقته في الشهور الأخيرة.
كما يقول خبراء مركز مكافحة الإرهاب في واشنطن أن تحليل الصور الجوية والاتصالات التى يتم اعتراضها و المعلومات الاستخبارية لعملاء الاستخبارات فى اليمن وباقى الجهات المتعاونة معلوماتيا مع الولايات المتحدة يوضح حقيقة أن معلومات كثيرة عادة ما تكون غير مؤكدة ، تتم على أساسها تلك العمليات التى أودت بحياة 67 فردا حتى الآن فى بلد واحد على الرغم من تشديد الرئيس الأمريكى باراك اوباما على ضرورة التثبت المعلوماتى المؤكد قبل شن ضربات من هذا النوع.
ويعد الانسحاب الأمريكى من أفغانستان والمقرر بنهاية العام الجاري ، أحد أبرز ملفات الخلاف بين المؤسستين العسكرية و الاستخباراتية في الإدارة الأمريكية الحالية ، وترى الاستخبارات المركزية الأمريكية / سى اى ايه / أن الوقت قد حان لإغلاق مكاتبها المعلنة فى أفغانستان والاستعاضة عنها بعمليات أكثر حرفية ولها طابع سرى مثل التنصت على اتصالات العناصر المتطرفة ومراقبتها ، وهو ما تعتزم إدارة سى اي ايه القيام به مبكرا هذا الصيف.
أما المؤسسة العسكرية الأمريكية - التي ستنسحب من أفغانستان بنهاية هذا العام - فإنها ترى أن هناك حاجة إلى الإبقاء على كامل القدرة العملياتية للسى اى ايه في أفغانستان ؛ نظرا لما تقدمه من تغذية معلوماتية للقوات الأمريكية المتواجدة في أفغانستان وأن الوقت لا يزال مبكرا لاتخاذ قرار بالانسحاب الاستخباراتي من أفغانستان طالما بقيت قوات أمريكية فيه.
ويقول المراقبون أن قرار (سى اى ايه) بتخفيف تواجدها الظاهر في أفغانستان ورفض البنتاجون ، هو مؤشر على العلاقة غير الطيبة التي تحكم تفاعل رجال المخابرات ورجال الجيش الأمريكيين في الميدان الأفغانى.
ويقول العسكريون إن قرار سى اى ايه بتخفيف التواجد من كابول ومناطق أخرى أفغانية جاء في وقت تتصاعد فيه حدة وضراوة العمليات المسلحة للعناصر التكفيرية المتحالفة مع القاعدة هناك ، وهو ما يجعل القوات الأمريكية منكشفة معلوماتيا في توقيت حرج للغاية ، ومن ثم سعى البنتاجون لدى الرئيس الأمريكي لإقناع سي اى ايه بإبطاء انسحابها من أفغانستان ، وهي الضغوط التي يقاومها مسئولى سى اى ايه بشدة.
لكنه على الجانب الآخر ، انتقد مسئولون سابقون في سى اى ايه ، قرار الانسحاب السريع لعناصرها من أفغانستان ، إذ يرى جون ماجير ضابط الاستخبارات الأمريكى السابق الذي تقاعد في العام 2005 بعد 23 عاما أمضاها في خدمة سى اى ايه أن عناصر سى اى ايه ، كانت أول من دخل إلى الميدان الأفغانى بعد هجمات 11 سبتمبر 2011 .
وأن الواجب عليها أن تبقى لتكون آخر من يخرج من هذا الميدان ، وتاريخيا لا يوجد دليل على حتمية الترابط في التواجد الميداني بين رجال الجيش ورجال المخابرات في مناطق ذات خطورة خاصة في العالم مثل أفغانستان التي يوجد بها الآن 33 ألف جندي أمريكى فقط ، مقابل 100 ألف جندى تم الدفع بهم إليها في 2011.
ويقول ضابط الاستخبارات الأمريكي السابق"إنه حيث يوجد الإرهاب ، يتعين أن يتواجد رجال المهام الصعبة من المخابرات ، وكل المؤشرات تؤكد تمركز أيمن الظواهري زعيم القاعدة في شمال غرب باكستان في منطقة حزام القبائل الممتدة إلى داخل الأراضي الأفغانية.
ويرى مسئولو (سى اى ايه) أن توجههم للخروج المبكر من أفغانستان لا يعد هروبا من المعركة ، بل إعادة تنظيم لعمليات وعملاء الاستخبارات الأمريكية فى مناطق عديدة في الشرق الأوسط مثل باكستان وليبيا وإفريقيا لملاحقة العناصر الجهادية ، استنادا لما اكتسبه رجال سى اى ايه من خبرة فى أفغانستان.
ويؤكد مسئولون فى (سى اى ايه) أن مهمة مكافحة المخدرات في أفغانستان ، يمكن أن تترك لرجال مكتب التحقيقات الفيدرالى بعد تخفيف التواجد الاستخباراتى للسى اى ايه في افغانستان هذا الصيف.
وبصورة عامة يرى المراقبون فى واشنطن أن (سى اى ايه) تواجه عددا من الإخفاقات على مدار العامين الماضيين ، من بينها إشكاليات التنسيق مع أجهزة الحكومة الأمريكية الأخرى ذات الصلة بقضايا الأمن والدفاع.
ويؤكد بعضهم على ذلك بالفشل الحاصل في إعادة ترميم علاقات التعاون بين المخابرات الأمريكية ونظيرتها الأمريكية بعد كشف ادوارد سنودن وهو عميل سابق فى سى اى ايه عن قيام وكالة الأمن القومي الأمريكية بالتجسس على القيادات الألمانية وفى مقدمتهم مستشارة ألمانيا انجيلا ميركيل التى زارت واشنطن فى مايو الماضي للتشاور بشأن أوكرانيا لم تتم خلالها الإشارة إلى رأب فى صدع العلاقات الاستخباراتية بين واشنطن وبرلين.
تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن وكالة الأمن القومى الأمريكية هي الجهة المنوط بها القيام بالتجسس الإلكترونى على الاتصالات بشتى أنواعها سواء كانت هاتفية أو رقمية عبر الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعى.
وفى العام 2010 ، اتهم نواب في الكونجرس الأمريكي وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية بالكذب على نواب الكونجرس بشأن تعاقد الوكالة مع شركة بلاك ووتر الأمريكية لتنفيذ مهام لحسابها في أفغانستان وباكستان لملاحقة عناصر القاعدة وطالبان وهى القضية التي تكشفت بعد هجوم مضاد شنته عناصر طالبان فى إقليم خوست شمال أفغانستان 30 ديسمبر من العام 2010.
وراح ضحيته سبعة من رجال سى اى ايه ، وتبين أن من بينهم أمريكان يعملون من بلاك ووتر بعقد من الباطن أبرمته سى اى ايه مع مؤسستهم ولم تبلغ به الكونجرس الأمريكى آنذاك ، وقد دافع مسئولو الاستخبارات آنذاك عن شفافية موقفهم بالاستناد إلى متطلبات السرية في تنفيذ عمليات من هذا النوع في مناطق مواجهة ساخنة.
كما يعود الموقف المتوتر بين (سى اى ايه) والكونجرس الأمريكى ، إلى أربعة أعوام مضت بعد كشف ويكيليكس عن وثائق تدين تورط الاستخبارات الأمريكية في عمليات "الإعادة القسرية" لعناصر إرهابية مطلوبة لخطورتها العالية ومباشرة استجوابهم فى بلدان أخرى خارج الولايات المتحدة.
وذلك اعتمادا على أساليب تعذيبية تتنافى مع حقوق الإنسان غضت سى اى ايه الطرف عنها طيلة عقدين ماضيين منذ أحداث 11 سبتمبر 2001 ، كما لم يتم إبلاغ الحكومة الأمريكية بتلك العمليات أو إبلاغ الكونجرس بها ، وهو الأمر الذي فتح باب انتقادات واسعة ضد الولايات المتحدة وصورتها أمام العالم ومواقفها الاألاقية من قضايا حقوق الإنسان.