الجيزة ـ مصر اليوم
لم تتحمّل "عائشة" الخلافات المستمرة بينها وبين زوجها الذي بلغ من العمر أرذله، فراحت تطلب الطلاق، وبخاصة مع عدم إنجابها، لكن سرعان ما عادت إلى عصمته "شفهيا" دون أن تدري بأن عودتها ستكون بوابة "جهنم" التي ستقودها إلى حبل المشنقة في جريمة أضحت حديث الساعة في مركز الصف، جنوب محافظة الجيزة.
حضر "محمد نجيب" وزوجته من محافظة السويس منذ عشرات الأعوام، واستقر به الحال في قرية السلام بالصف، لكن خلافات أسرية دفعته لاتخاذ قرار بالانفصال عن "أم العيال"، ليبدأ رحلة البحث عن "الزوجة الثانية"، وفي غضون فترة قصيرة، استقر صاحب الـ67 عاما على الزواج من ربة منزل "مطلقة" تصغره بنحو 22 عاما، وعقد قرانهما في حفلة زفاف بسيطة حضرها الأهل والجيران، وتعاهدا على أن يسود الحب والتفاهم "عش الزوجية" وبخاصة مع عدم رغبتهما في تكرار مرارة تجربتهما الأولى.
طموحات الزوجان لم تتحقق وسرعان ما دبت الخلافات بين الزوجين، وبخاصة أنهما لم يرزقا بمولود، إلا أن تدخل الأقارب والعقلاء كان سببا في الحفاظ على أن لا ينفرط عقد الأسرة؛ أملا في استمرار الحياة بينهما.
ظن الجميع أن الأمور تسير على ما يرام، لكنه كان الهدوء الذي يسبق العاصفة، فنشبت مشادة كلامية حادة تطورت إلى مناوشات بين الزوجين، انفصلا على إثرها لتعود "عاشة" للحياة مع ابنتها التي تقيم في منطقة حلوان رافضة محاولات الصلح وإعادة الأمور إلى نصابها: "خلاص مش طايقة أعيش معاه".
لم يستطع الرجل العجوز العيش بمفرده دون "نصفه الثاني"، راح يدق أبواب "عائشة" واحدا تلو الآخر وبخاصة مع تشبثها برفض العودة إلى عصمته، لكن محاولاته لم تتوقف على مدار أيام عدة مستعينا بعدد من أقاربها حتى كللت مجهوداته بالنجاح.
ظنت "عائشة" أن عودتها إلى منزل الزوجية تلك المرة ستكون بمثابة صفحة جديدة ناصعة البياض دون خلافات أو مشاحنات بعد الوعد التي قطعها الزوج على نفسه بـ"نكمل الكام اليوم اللي فاضلين في حياتنا مع بعض في سلام"، دون أن تدري بأنها لن تمكث طويلا، وسيزج بها خلف القضبان.
دار حديث حاد صباح الخميس الماضي، بين "محمد" وزوجته "عائشة" متهما إياها بسرقته: "إنتي بتسرقيني؟ فيه 40 جنيه ناقصة"، ليجن جنونها: "يا راجل عيب على سنك.. هسرق 40 جنيه.. دور على فلوسك ولا افتكر إنت اشتريت إيه إمبارح".
ارتدت صاحبة الـ45 عاما ملابسها استعدادا للتوجه إلى سوق القرية لشراء بعض احتياجات المنزل، لتفاجأ بزوجها يعترض طريقها رافضا مغادرتها: "مش هتخرجي من البيت إلا لما تقولي الفلوس فين".
مؤشرات ضبط الوقت كانت تشير إلى العاشرة صباحا، يفحص العقيد أحمد الوليلي، مفتش مباحث قطاع شرق الجيزة، أوراق بعض القضايا داخل مكتبه، والاطلاع على بلاغات ليلة البارحة، لكنه لم يكد ينهي الأمر حتى تلقى بلاغا من شرطة النجدة بالعثور على جثة عجوز مهشمة الرأس داخل منزله بمركز الصف.
انطلق مفتش مباحث القطاع إلى محل البلاغ موجها بفرض كردون أمني بمحيط مسرح الجريمة ومنع اقتراب أحد انتظارا لوصول رجال المعمل الجنائي والنيابة العامة.
حوائط ملطخة بالدماء، جثة عجوز في العقد السابع من العمر مهشمة الرأس مسجاة على الأرض، بمنزل مكون من طابق واحد، دون وجود آثار كسر في المنافذ أو الباب مما يشير إلى أن الجاني ليس غريبا.
احتاجها رجال المباحث دقائق قليلة لكشف ملابسات القضية، وبخاصة مع اختفاء الزوجة في ظروف غامضة وتأكيد شهود عيان سماعهم صوت مشادة كلامية حادة بين المجني عليه وزوجته قبل العثور على جثته بوقت قصير، لكن المفاجأة جاءت على لسان أحد الجيران: "يا بيه أصلا قعدتها معاه حرام.. ده رجعها شفوي ولا مأذون ولا حاجة".
تمكنت مأمورية بقيادة الرائد محمد طبلية، رئيس مباحث الصف، من ضبط الزوجة التي اختبأت لدى ابنتها بحلوان: "كنت عارفة إنكم هتيجوا.. أيوه أنا قتلته"، ليتم اصطحابها إلى ديوان القسم للإجابة عن السؤال الأهم: ماذا حدث يوم الجريمة؟
وقفت "عائشة" بثبات تحسد عليه، أمام العقيد أحمد الوليلي تروي تفاصيل جريمتها قائلة: "كنت فاكرة إنه عِقل ومش هتحصل مشاكل تاني بعد ما رجّعني"، مشيرة إلى أنها فوجئت به يمنعها من الذهاب للسوق "قالي مش هتخرجي إلا على جثتي.. جبت شاكوش وضربته على دماغه".
توقفت الأربعينية عن الحديث لحظات ممسكة برأسها قبل أن تستكمل اعترافاتها: "لما شُفت منظر الدم فضلت أضربه لحد ما دماغه اتفرتكت"، ليتم اصطحابها وسط حراسة أمنية مشددة لإجراء معاينة تصويرية للجريمة وسط حالة من الوجوم سيطرت على الجيران: "إزاي قدرت تعمل كده في جوزها؟!" قبل إعادتها إلى محبسها وانتظار إحالتها للمحاكمة الجنائية.