القاهرة - مصر اليوم
وهبها الله صوتاً عذباً ترتل به آيات القرآن مثل كبار الشيوخ، تتوسط النساء في المآتم فيصغى لها الجميع بإعجاب شديد، لكنها حُرمت من رؤية "الوشوش" وعلامات السعادة التي تزيّنها، بسبب فقدانها للبصر منذ أن كان عمرها شهرين، عاشت الشيخة محاسن حياتها تستشعر نبضات حب الآخرين، وترسم في خيالها ملامح خاصة لكل عبارة ثناء تمر على أذنيها، لتخلق منها نغمة تبعث في روحها الأمل، لتواصل عمرها الذي تخطى الثمانين، اشتهرت بين سكان منطقتها في إمبابة بـ"مُقرئة السيدات"، وأصبحت بركة لكل مكان تخطو فيه قبل أن تفقد حركتها بسبب مرضها.
ورفضت الزواج في صباها حتى صارت أكبر "آنسة" في المنطقة، تجد نفسها بعد مرور الزمن بين أربعة جدران وحيدة بعد أن مات كل أفراد أسرتها، فهي لا تزال عذراء بلا ابن أو ابنة أو زوج تستند عليه فيما تبقى لها من حياة، تنتظر من يحنو عليها بوجبة طعام، وإن لم يفعل أحد يظل الجوع يطاردها.
ولا تريد شيئاً إلا لقاء ربها بالموت، نعم الموت الذي ترى فيه الحياة كي تغادر ظلامها الموحش "بنام وبصحى وأنا لوحدي مش لاقية علاج، بقالى سنة ما بقدرش أتحرك، يا ريت أموت، كفاية كده"، باب غرفتها لا يغلق فهو مفتوح للجميع، تقص عليه حكايتها "جينا من الفيوم وأنا بنت شهرين، وعينيا بدأت توجعني، أمي فضلت تجري بيا على الدكاترة لحد لما فقدنا الأمل، والدكتور قال: حفّظوها القرآن أحسن"، حفظت القرآن في سن مبكرة وبدأت ترتله، رفضت الزواج بكامل إرادتها "هخدم راجل ولّا هخدم نفسي"، لم يشفع لها الندم: "كله مقدر ومكتوب"، لم يعِش لوالدتها أولاد فقد توفّوا جميعاً بعد ولادتهم، لا ترغب في شيء إلا علاج قدمها، ومسْكن آمِن، ورعاية تهوّن عليها ما تبقى لها من حياة.