القاهرة ـ مصر اليوم
طوال15 عاما على التوالي، وسماء القاهرة تختنق طوال أشهر الخريف بسحابة سوداء كثيفة مصدرها القاهرة الكبرى ومحافظات الدلتا، لتزيد العتمة، وينتشر شبح الظلام ،في الوقت الذي لاتزال الحلول الحاسمة لدى الحكومة غائبة، فالظاهرة الكئيبة بدأت منذ خريف عام 1999، وتشير أصابع الاتهام إلى المزارعين الذين يقومون بحرق قش الأرز بعد موسم الحصاد..
وكذلك تزايد معدلات التلوث جراء عوادم السيارات وأدخنة المصانع، حتى وصلت نسبة التلوث إلى 10 أضعاف المعدل الطبيعي. ورغم الجهود التي يقوم بها المسؤولون للقضاء عليها ، ومنها إستحداث وزارة مختصة بالبيئة، إلا أن السحابة السوداء تفرض وجودها وتبسط سطوتها عامًا بعد آخر.وتحمل السحابة الكثير من المخاطر الصحية والبيئية، نتيجة لتشبع الهواء بالملوثات على مدار العام ،وفي فصل الخريف تحديدا ، نتيجة عدم وجود رياح نشطة لتشتيت ملوثات الهواء، ما يعرض الكثير من المواطنين للإصابة بأمراض خطيرة عدة.
وزارة البيئة المصرية أعلنت حالة الطوارئ لمواجهة السحابة، وشكلت غرفة عمليات مركزية لمتابعة عمليات حرق المخلفات الزراعية، خاصة قش الأرزالمصدرالأول لظهور تلك السحابة، وقدمت برنامجا توعويا، وإرشادات للحد من خطر الظاهرة، أبرزها الحرص على إجراء اختبارات دورية للسيارات ووسائل النقل، والتأكد من سلامة بطاريات السيارات، والامتناع التام عن حرق القمامة..
وتقليل تشغيل المكيفات واستخدام الكهرباء، مع وجوب حماية الناس خاصة عند تواجد الفرد خارج المنزل،وذلك بالبقاء في أماكن مغلقة وعدم التعرض للأماكن المفتوحة التي تحاصرها السحابة السوداء، ووضع منديل مبلل على الأنف لتقليل استنشاق الملوثات.
حلول مبتكرة
وأخذت وزارة الدولة لشؤون البيئة على عاتقها مواجهة خطر الظاهرة بالإمكانيات المتاحة، ودعم جهود التفتيش على المنشآت الصناعية للتأكد من توافق انبعاثاتها مع الاشتراطات البيئية والصحة العامة، مع تدشين حملة تفتيشية شملت 4649 سيارة أظهرت نتائج الفحص أن 20%، منها غير مطابق للمعايير القانونية،ورصد 943 حريقًا لمخلفات زراعية، وتلقت 214 بلاغا عن حرائق لمخلفات زراعية وبلدية وانبعاثات صناعية.
وتعتبر سلوكيات المواطنين هي الأساس سواء في ظهور السحابة أو التصدي لها.
وفي السياق ذاته يرى أستاذ البحوث الزراعية دكتور خليل المالكي، أن ظهور السحابة السوداء يتعلق بظروف مناخية، وحرق قش الأرز ليس المسئول الأول عن تكوينها ، فعلى مدار عقود كانت تلك الوسيلة هي الوحيدة للتخلص من قش الأرز ، ومع ذلك لم تحدث مشكلات كبيرة. وبشكل عام فهناك جهود تبذل لمواجهة الظاهرة، فبعضها واقعي، والآخر مطلوب تطويره.
والدولة بحاجة إلى الاستغلال الحقيقي للمخلفات الزراعية، والتي قد تدر عليها دخلا اقتصاديا هائلا، وخاصة في صناعة الورق والبيوجاز وتوليد الكهرباء، ويمكن وضع نترات وتحويله إلى أعلاف، وكلها أمور تحتاج وعيا حقيقيا بأهميتها مع ضرورة توفير مصادر تمويل لازمة لها .
مشكلة مجتمعية
وعن مخاطر تلك السحابة السوداء على الصحة العامة، يؤكد أستاذ أمراض الصدر والحساسية بكلية الطب جامعة الأزهر دكتور طه عوض، أنها تحمل الكثير من المخاطر، فهي إحدى أسباب الإصابة بالنزلات الشعبية الحادة والمزمنة والربو الشعبي، والأزمات الصدرية وأمراض الرئة.
وليست هناك وقاية حقيقية للفرد من مخاطرها ، لأنها مشكلة مجتمعية حلولها في يد الحكومة والتي عليها مواجهتها والحد منها قدر الإمكان عن طريق كشف حقيقي لعوادم السيارات والتي تعد من الأسباب الرئيسية لتكوين السحابة، فمنطقة القاهرة الكبرى والدلتا بهما أعلى كثافة من السيارات، مايفسر عدم وجود السحابة في الصعيد الأقل.
وطالب طه بتنفيذ حملات مكثفة لمصادرة السيارات المخالفة للاشتراطات البيئية والصحية، واغلاق المصانع المخالفة والتي تسهم أدخنتها الضارة في تصاعد الأزمة وتعقيدها، ويمكن بشكل بسيط أخذ عدد من الاحتياطات الوقائية، أبرزها تجنب التعرض لاستنشاق الهواء خاصة للأطفال والبقاء في المنازل خاصة في الفترات المسائية والتي يزداد فيها ظهور السحابة.