القاهرة – منى عبد الناصر
قبل أيام قليلة أصدرت وزارة المال المصرية قرارات تتعلق بوقف صرف أموال من الموازنة العامة اعتبارا من 20 حزيران/يونيو الجارى، إلا بموافقة الوزير شخصيًا، باستثناءات تتعلق بأموال الضرائب والمعاشات، كإحدى الطرق لوقف ما يطلق عليه المتخصصون "حرق الموازنة"، وهو إجراء معتاد تقوم به الجهات الحكومية سنويا فى الشهر الأخير من العام المالي لاستنفاد كافة المخصصات بالموازنة حتى يمكنها الحصول على نفس المبلغ أو أكثر من في العام التالي.
وتقوم الجهات باستنفاد هذه الأموال في الشهر الأخير بصرف مكافآت على سبيل المثال، ولكن تبرز هذه الظاهرة بقوة في الموازنة الاستثمارية، حيث تقوم بعض الجهات خاصة المحليات بالقيام بأعمال قد لا تحتاج إليها أو لا تكون أولوية مثل إعادة رصف طريق مرصوف من الأساس، أو إعادة دهان أعمدة سبق دهانها لمجرد استنفاد الأرصدة.
الخبراء أرجعوا هذه الظاهرة السنوية إلى استمرار وزارة المالية في تطبيق موازنة البنود التقليدية التي لا تقوم بقياد مدى كفاءة الإنفاق العام، وتحقيق الأهداف المنشودة، مطالبين بضرورة وسرعة البدء نحو التحول إلى تطبيق موازنة البرامج التي تعتمد في الأساس على قياس كفاءة الإنفاق العام من خلال تخصيص موارد مالية لتنفيذ برنامج محدد ويتم محاسبة الجهة على مدى تنفيذه في نهاية العام المالي، وليس مجرد منح الجهة اعتمادات مالية سنوية فقط مقسمة إلى الأقسام العادية وهى الأجور والدعم وشراء السلع والخدمات والفوائد والاستثمارات والمصروفات الأخرى، كما هو معمول حاليا.
وأكد الخبراء أن القرارات الإدارية التي أصدرتها وزارة المالية قبل أيام لن تؤتي ثمارا حقيقية، لأنها تصدر سنويا دون طائل بسبب استمرار نفس النهج في إعداد الموازنة العامة، وقال أستاذ المالية العامة بالجامعة البريطانية وعضو لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب الدكتور كريم سالم، أن الحل الوحيد للقضاء على هذه الظاهرة هو تغيير نمط الموازنة العامة وتحويله من موازنة تقليدية إلى موازنة البرامج والأداء، لمواجهة حرق المخصصات المالية سنويا، دون أى عائد حقيقى من هذا الإنفاق.
وأكد سالم أننا نواجه موروث بيروقراطى من عشرات السنوات فى التعامل مع الموازنة العامة، يجب تغييره ولكن هذا التغيير لم يتم فى لحظة ويحتاج لوقف حتى يمكن حدوثه، مشيرا إلى أن مجرد صدور قرارات تصدر سنويا من وزارة المالية لوقف الإنفاق خلال آخر أسبوعين من العام المالي هو أمر غير كاف على الإطلاق.
وينص تعديل قانون الموازنة العامة الصادر عام 2005 على أن تتحول وزارة المالية إلى موازنة البرامج والأداء بصورة كاملة بحلول عام 2010، ولكن حتى الآن لم تتخذ وزارة المالية خطوات جادة نحو التحول إلى موازنة البرامج التي تحقق فعالية الإنفاق العام.
ونص البيان المالي لموازنتي العام المالي الحالي والسابق على التحول التدريجي من خلال تطبيق هذا النوع من الموازنات على الوزارات الخدمية وأبرزها الصحة والتعليم، ولكن لم تتخذ أى خطوات فعلية نحو تحقيق هذه الأهداف حتى الآن.
وطالب أستاذ الإدارة المالية الحكومية في كلية الاقتصادالدكتور خالد زكريا ، بربط الإنفاق العام بأهداف واضحة من خلال إطار متوسط للإنفاق، أى لا تكون مجرد موازنة سنوية، وتكون هناك موازنة متوسطة الأجل 3 – 5 سنوات، ترتبط بتحقيق أهداف واضحة للإنفاق وليس مجرد صرف الأموال فى سنة مالية، بما يمكن من المحاسبة والمساءلة وترحيل الفوائض المالية، والخروج من الموازنة الضيقة المرتبطة بالبنود والتي وصفها بـ"موازنة أضعف الإيمان"، والانتقال لموازنة أكثر تعقيدا تؤدي لتحسين عملية صنع القرار.
أرسل تعليقك