توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

توفيق التميمي يُصدِّر جديده "المثقف في وعيه الشقي"

  مصر اليوم -

  مصر اليوم - توفيق التميمي يُصدِّر جديده المثقف في وعيه الشقي

الإعلامي والكاتب توفيق التميمي
القاهرة ـ مصر اليوم


صدر كتاب من إعداد الإعلامي والكاتب توفيق التميمي، تحت عنوان "المثقف في وعيه الشقي" وهو جولة في ذاكرة عبد الحسين شعبان، وذلك عن دار بيسان في لبنان.

وقد شكّل هذا الكتاب مدخلاً إلى فضاء القدرة المعرفية والخزين الفكري، الذي يتميّز به الدكتور عبد الحسين شعبان، لاسيما وأنه هو الذي يدرك المعنى الوجداني للكشوفات التي يستطيع أنَّ يقدمها، فشعبان لا يسرد حدثًا عاديًا، ولا يكشف عن تجربة احتمالية ذات طابع مجاني، بل يسرد حقائق أساسية، كانت لها نتائج على الأرض، خلّفت تحوّلات خطيرة على مستوى الحاضر والمستقبل.

هنا يصبح المثقف صانعًا ومشاركًا للحدث ومواكبًا لتطوراته؛ إذ يعجن عجين المكوّنات الأساسية، وهو الذي ينضجها في تنّور النضال الشرس الذي يخوضه روّاد التغيير في عالمنا العربي خاصةً، وفي العالم الثالث بشكل أعم.

وسجّل الكتاب شهادة وصفحات اعتراف لتاريخ اليسار لعراقي، وبالنسبة للمؤلف فإنه كشفٌ لكل ما يجب أنَّ يكشف عنه الآن، بالنسبة لمثقف وشاهد طوعي وكان توفيق التميمي المحفّز من خلال الحوار والجدل وإثارة الأسئلة الشائكة، فيما اتخذ شعبان طابع البوح والمكاشفة في النقد، ليقدما لنا في نهاية المطاف سردية مدهشة الدلالة، لا فيما يخص التاريخ، بل إنَّ قوتها ما تزال تملك حضورها وتستشرف أفقًا مستقبليًا لإنضاج الجديد، وذلك بعد تجارب ونجاحات وإخفاقات وبكل الأحوال لم تكن دون معاناة وألم وتضحيات.

ويذكر تي. أس. إليوت، الشاعر الكاثوليكي الإنكليزي: "نحن الرجال الجوف، نحن الرجال المحشوون، بعضنا يسند بعضًا، ورؤوسنا محشوة بالقش، وخطواتنا كخطوات فئران على الزجاج المحطم" واستشهد بهذا الشاعر لأشير إلى واحد من جيلنا، إنبجس  كالماء الصافي في عين الثقافة، وهو ليس الأنموذج الأوحد، فأغلب الذين غادروا المنبت النجفي، وجدوا أنفسهم مجبرين على التفوّق على أبناء المدن الأخرى، بل السير في مقدمتهم وقيادتهم أحيانًا، فلماذا لم يكن عبدالحسين شعبان مقدامًا وذكيًا، وهو القادم القصدي إلى قلب حومة الصراع في العاصمة، التي عرفته أزقتها وشوارعها ومقاهيها وتظاهراتها.

إذن نحن سنحصد حقلاً من الأفعال والعلاقات، أو كما ذكر الدكتور شعبان نفسه: "ستكون الشهادة التأريخية مفيدة ونافعة بقدر صدقيتها وصراحتها، والصراحة هنا كما سيعرفها المستنطِق ذاته، هي مدى القدرة على قراءة التأريخ برواية أساسها النقد والمراجعة والبحث عن الحقائق".

إننا لا نخفي الأخطاء إذن، فنحن عراة لا نلبس الملابس الفضفاضة التي نغطّي باذيالها خطايانا.. بل نجابه ونحن في (حاضر المستقبل) والذي هو (حاضر الماضي أيضاً) إنه الحاضر المطلق الذي يجبرنا على أن نقول للأسود أسود وللأبيض أنت بحاجة إلى مزيد من الضياء. ولم يكتفِ شعبان بقول ذلك للعدو أو الخصم أو الرفيق، بل قالها مرّات ومرّات لنفسه كاشفا أخطائه بكل أريحية وشفافية، مقدّماً نقداً ذاتياً جريئاً.

وهنا يجب أن نشهد لصالح صاحبنا الذي سيعاني كثيرًا من عملية استيقاظ الذاكرة، لأنها ستفضي إلى شرعية العودة المثابرة والمستمرة للتأريخ لإعادة قراءته، باعتباره مفردات أو وقائع منفصلة، بل كسياقات اجتماعية تحتاج إلى استعادات نقدية برؤية الحاضر بما فيه من وقائع ومعطيات ومتغيرات، وليس المطلوب نقد النهايات فحسب، بل لا بدّ من نقد البدايات وصولاً إلى ما آلت إليه التجربة.

ويؤسِّس شعبان في هذه المقولة وعيًا فلسفيًا ونقديًا يقوم على ديالكتيك مكثّف ومرعب للحياة والعلاقات؛ لأن معنى ذلك ليست هناك من نهايات، بل هي بدايات أزلية، ومن منطق هذه البدايات الأزلية تستمر الأفعال متفاعلة، بل ومستمرة بتأثيراتها السلبية والإيجابية إلى اللانهاية.

وعلى سبيل المثال، حين ينتقد الدكتور شعبان "الماركسية" بخصوصيتها التطبيقية السابقة، فهو لا يشهر تخليّه عن ماركسيته التي يعتز بها كثيرًا، حتى وإنَّ غادرها كثيرون، أي أنه متمسك بمنهاجه المادي الجدلي، ويحاور الفكر الماركسي من منطق اجتهادي جديد ومن داخله، غير هيّاب بنقد الأخطاء والممارسات السلبية وإعادة النظر بما عفا عليه الزمن.

وفي حواره مع هاني فحص الذي غادرنا قبل أيام، كان شعبان يستفز فحص لإخراج النجف التي في داخله، وكأنه يريد أنَّ يستحضر النجف الذي تعيش في دمه وعروقه، ما بين النجفي والنجف نسيج من جذور النخلة، وهي تتشابك وتنغرز في الأرض، بل وتتشعب إلى أقصى الحدود، لذلك سيبقى الكائن النجفي حاملاً ميراثه أينما ذهب، وحواره مع مؤلِهِ الأساسي سوف يستمر ولا ينقطع مهما بعدت المسافة وطال الزمان،ولهذا يذكر صاحبنا المستنطق: "باستمرار كنتُ أتحدث مع النجف التي أعرفها أتحدث معها بصفة الحضور بالرغم من الغياب، كنت أريدها دائمًا حاضرة، حتى ولو كانت على صورة برق أو شعاع، لقد علّمتني هذه النجف كيف أوالف بين الماء والشجر، وأؤاخي بين الهواء والحجر بين المادة والخيال، وبين الشعر والواقع، فبت أشعر إني أُخلق فيها كل يوم من جديد".

هنا المدن الأولى أو مدن مسقط الرأس، تصير جذورًا بل تتحوّل مع الأيام إلى خلفية ذهنية، من الصعب أو من المستحيل انتزاعها من الأعماق.

إنَّ غربة المثقف هي أنَّ يكون بلا اتجاه بمعنى أنَّ يكون منعزلاً حتى عن ذاته، أو كما يذكر ذلك الشاعر السومري القديم: "لقد نفتنا الآلهة غرباء عن أنفسنا نجتاز أسفار التاريخ والمستقبل دونما أغنيات، كان ذلك حكمنا الأبدي".

إنَّ تأكيد عبدالحسين شعبان على بداياته الأساسية من خلال مدينته الأساس النجف، إنما هي الإيضاح لما يجب أنَّ ندركه عن شخصية هذا المثقف الذي لا ينتقد أو يتحدث بلغة نقدية نبيلة، الاّ لكونه الكائن الذي لم ينقطع الحبل السرّي بعد بينه وبين مدينته وبين جذوره وبين انتمائه الأول وحبّه الأول وصداقاته الأولى.

وكان يُعاب على الشاعر الأميركي الكبير إدغار الآن بو بأنه شخصية ذات روح هائمة في أماكن عدّة من أوروبا على أميركا، لذلك فإنَّ قصائده ورغم عمقها الوجودي، فهي "حدث آني" يؤسس عليه الشاعر موقفًا نفسيًا حادًا.

إنَّ الشاعر الحقيقي، أو بالأحرى المفكر الحقيقي، يمثل الروح الهائمة في المكان الذي تبرعمت فيه أولى زهرات وعيه.

ولا بدّ من المواجهة أو على الأقل الشعور المعمق بضرورة المفاجأة، ويكفي أنَّ يحصل حدث خارجي حتى يهزّ كيانه وتبدأ التحوّلات تأخذ منحاها الثوري، كل ذلك قبل أدلجة الاتجاهات والارتكان إلى أيّة نظرية ثورية.

وهنا يجدر أنَّ نتنبّه للعفوية الثورية، ولكن تلك العفوية التي غالبًا ما تأسس على أديمها فكر ثوري ممنهج.

حتى عند ما يلتفت شعبان لقضية الديمقراطية في العراق، عبر أولى إرهاصاتها، سنرى أنَّ الحذر النبيل يدفعه لأن ينوّه ببعض ثنايا الدستور العراقي "القانون الأساسي"، والذي تمّ اختزاله خلال فترة الخمسينات عندما أطلت مشاريع النقطة الرابعة، وحلف بغداد "الحلف التركي الباكستاني العراقي" أو المعاهدة البريطانية– العراقية أو المعاهدة الأميركية– العراقية العام 1954.

ويذكر: "إنَّ الحديث عن أخطاء وسلبيات الماضي لا يعني إعفاء الحاضر أو الماضي القريب من المثالب الهائلة التي التبسته، فنحن كما أوضحت سابقًا بين دفتي كتاب أبسط ما فيه أنَّ يُقرأ بعينين مفتوحتين؛ لأن المؤلف والمستجوَب أرادا أنَّ يكشفا الغطاء عن "حاضر مستمر" Present Continuous  وفي هذا المسار يتحرك الكاتب والمفكر، بهارموني شديد الاتساق".

والكتاب يتطرّق بشكل مميز لمواقف ماركسية من الحرب العراقية- الإيرانية ومن الحصار الدولي ومن احتلال العراق ضمن اجتهادات خاصة وتواصل وتفاعل مع محيطه العربي ومع قضية حقوق الإنسان التي نذر لها شعبان نفسه وهي قضية كونية، ولهذا فإنَّ الكتاب لا يخصّ التاريخ أو الذاكرة الحيّة فحسب، بل هو كتاب المستقبل، إنه مشروع عمل وبرنامج يمكن الحوار حوله ضمن إطار اليسار العراقي بجميع توجهاته.

 

egypttoday
egypttoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

توفيق التميمي يُصدِّر جديده المثقف في وعيه الشقي توفيق التميمي يُصدِّر جديده المثقف في وعيه الشقي



الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

توفيق التميمي يُصدِّر جديده المثقف في وعيه الشقي توفيق التميمي يُصدِّر جديده المثقف في وعيه الشقي



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon