توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

"منازل الوحشة" شخصيات إشكالية أفرزتها حقبة الاحتراب الطائفي

  مصر اليوم -

  مصر اليوم - منازل الوحشة شخصيات إشكالية أفرزتها حقبة الاحتراب الطائفي

القاهرة - وكالات

تلعب الجملة الاستهلالية دورا مهما في الإيحاء بفحوى الرواية ومضمونها الذي لم يُكشف عنه بعد. فهي التي تحدد مسار النص الروائي سواء أكان كوميديا أم تراجيديا أم بينَ بين. وهي أشبه بالمفتاح الذي يفتح بوابة الرواية ويتيح للقارئ الولوج إلى عالمها الواقعي أو المتخيل، خصوصا إذا كانت الرواية مبنية بناء فنيا رصينا، كما هو الحال في رواية «منازل الوحشة» للروائية دنى غالي التي سبق لها أن أصدرت روايتين مهمتين وهما «عندما تستيقظ الرائحة» و«النقطة الأبعد». يجب أن لا ننسى في هذا السياق أن العنوان نفسه في هذه الرواية تحديدا يشكل عتبه نصية مهمة تحيل إلى ثيمة الرواية، خصوصا إذا كان جزءا من لُحمة النص وسَداته، وليس طارئا على الرواية أو مُصاغا غبّ الانتهاء منها، كما يفعل كثير من الروائيين الذين لا يخططون للنص الروائي قبل الشروع في كتابته. تستهل دنى غالي «منازل الوحشة» بالجملة الآتية: «أتسلل من دون أن يشعرا بي لأستريح». فثمة تعب كبير تعاني منه الراوية التي تسرد النص بصيغة المتكلم. ثم تعزز هذا التعب بمنظر حديقتها «اليابسة»، وتعليتهم للسياج الخارجي الذي لم يستطع حماية البيت بسبب الأوضاع الأمنية المنفلتة. ومنْ يدقق في هذه الجملة الاستهلالية المعبرة سيجد أن لها علاقة وطيدة بكل صفحة من صفحات هذه الرواية العميقة التي تفحص الواقع العراقي، وتحلل مناخه السياسي، وتغوص في أعماق شخصياته التي استدرجتها الكاتبة إلى هذا النص المفجع في أحداثه، واللذيذ في لغته، والجميل ببنائه الفني المتقن. * الشخصية الإشكالية * لم تختر دنى غالي أي شخصية بسيطة أو ساذجة على مدار النص برمته. فحتى الشخصيات الثانوية التي ظهرت ثم توارت عن الأنظار سريعا كانت على شيء من التعقيد في أضعف الأحوال، أما الشخصيات الرئيسة الثلاث التي تقاسمت أدوار البطولة فهي شخصيات إشكالية بكل ما تنطوي عليه هذه الكلمة من معنى، بدءا من الابن سلوان، مرورا بأمه، راوية النص، وانتهاء بأبيه الذي قرر العودة من الخارج إلى العراق، ثم تعرض للتهديد والاختطاف، فهرب من بغداد ثانية خشية مما لا تحمد عقباه. تحتاج هذه الشخصيات الرئيسة الثلاث إلى متابعة وفحص دقيقين كي نقف على أبعادها السياسية والنفسية والدينية والاجتماعية، وربما تكون شخصية «سلوان» أعقدهم جميعا، ذلك لأن أمراضه المتعددة ظلت غامضة وعصية على التشخيص على الرغم من متابعة الأطباء الذين قدموا تشخيصات كثيرة ضاعفت من غموض مرضه الذي يشير من طرف خفي إلى اعتلال في صحة قلبه أو خلل في دمه، بينما يذهب صديق العائلة الدكتور حسام إلى أن «سلوان» يعاني من أمراض نفسية أكثر من معاناته من أمراض عضوية على الرغم من أن هذا الابن الكئيب والمنعزل لم يشترك في حربٍ معينة، لكنه يعاني من نتائجها الخطيرة التي تركت أثرا سيئا في سلوكه وعلاقته بأبويه وأصدقائه وببقية الناس المحيطين به. لابد من القول إن دنى غالي قد انتقت هذه الشخصيات الثلاث بعناية فائقة لتكشف من خلالهم شرائح واسعة من المجتمع العراقي الذي عانى من حروب متعددة، وحصار جائر، ونظام شمولي قمع الناس، وكمم أفواههم على مدى 35 عاما. وربما تكون هذه العائلة هي خير أنموذج للشخصية العراقية المقموعة والمخذولة في آن معا، بل إنها ارتضت بالانسحاب والانزواء مثل والد الراوية الذي كان ملاكا ثم أصبح تاجرا قبل أن ينسحب تماما من الحياة العامة، أو مثل أسعد الذي فكر بالخلاص الفردي كحل أخير تاركا زوجته وابنه وعائلته ضحايا مؤجلة للإرهابيين، واللصوص، ومثيري الفتن الطائفية. أما أم سلوان فهي موزعة بين ابنها المريض، وزوجها المخطوف الذي هرب أخيرا إلى عمان لأنه أصبح هدفا إلى أكثر من جماعة أخطبوطية تستهدف الأدباء والمثقفين والمتنورين. فهو لم يحمل من الشيوعية سوى تهمة الانتساب إليها، غير أن هذه التهمة سوف تلاحقه حتى النفس الأخير مثل لعنة أبدية. لم تقتصر هزيمة أسعد على الانسحاب والعزلة والنأي عن الوطن بسبب مواقفه الفكرية والثقافية فحسب، وإنما تمتد إلى هزيمته الشخصية المتمثلة بخذلانه العاطفي، وفشله في التواصل مع زوجته التي لم تأخذ هذا الفشل على محمل الجد. وربما خيانته السابقة التي سوف تكتشفها زوجته المخدوعة، حينما تقرأ الصفحة الأولى من مجموع 50 صفحة من الرزمة الأولى. كما أنه كان يشك في طبيعة علاقتها بابنهم سلوان الذي شب عن الطوق ولم يعد طفلا صغيرا، خصوصا أن هناك ما يعزز هذا الشعور حينما تخاطب نفسها قائلة: «سأموت لو تصور أنني خنته». وهي تقصد خيانتها مع الدكتور حسام الذي اضطر للمبيت معهم بسبب قتال مسلح اندلع قرب منزلهم وحال دون ذهابه إلى بيته. * ثيمات الرواية * تكمن أهمية هذه الرواية في تعدد المضامين التي استوعبتها من جهة، وفي طريقة معالجتها من جهة أخرى. فضمير المتكلم يبدو حياديا في سرده، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذه الشخصية التي لم نعرف اسمها طوال النص هي شخصية عراقية مثقفة تنتمي إلى الطبقة المتوسطة العليا في أضعف الأحوال، وقد أتمت تعليمها الجامعي، وتزوجت من أسعد الحاصل على الماجستير، والأستاذ الأكاديمي الذي أحيلت خدماته إلى أرشيف الجامعة كنوع من العقوبة، لأنه لم ينتمِ إلى حزب السلطة الحاكم آنذاك، كان يكتب مقالات فنية وأدبية يحتفظ بها لنفسه. وقد انتقل هذا الولع الثقافي إلى ابنه سلوان الذي توزع بين حب الكتابة الشعرية والاستماع للموسيقى العالمية. وقد ولد فيه هذا الاهتمام نوعا من التعالي على الثقافة المحلية وفنونها، فهو لا يعرف من الفنانين العراقيين إلا القليل، بينما يحفظ عن ظهر قلب أسماء السيمفونيات العالمية الشهيرة، ويستمع إليها يوميا من دون أن يدب إليه الملل. أبرز الثيمات التي عالجتها هذه الرواية هي الغربة القسرية، الحنين إلى الوطن، المداهمات الأميركية، الفتنة الطائفية، الملثمون، تفجير المراقد الدينية، الإرهاب، الاختطاف، الحب، الشك، الحرمان، الخيانة الزوجية، العجز الجنسي لاحقا وما إلى ذلك من المواضيع التي تعاطت معها الروائية دنى غالي غب عودة أسعد وعائلته إلى الوطن. ولأن هذه الرواية مكتوبة بمستويات زمكانية متعددة فقد تناولت الروائية ثيمات أخرى تسيدت في الزمن الديكتاتوري السابق مثل القمع، والملاحقة، والسجن، وابتزاز الملاكين والتجار والأثرياء، لكن التركيز كان منصبا على حقبة ما بعد 2003، بل إن الروائية دنى غالي قد ركزت على الحقبة الممتدة بين مطلع 2006 حتى نهاية 2008 تحديدا لأنها حقبة الاحتراب الطائفي المقيت الذي سببته أحزاب دينية متخلفة وفدت من وراء الحدود العراقية. لا يمكن الإحاطة بكل الشخصيات الثانوية، لكنني أجد من المناسب أن أتوقف عند شخصية أم الراوية، وهي الزوجة الثانية لوالد الراوية. وبغض النظر عن الفوارق الطبقية بين الاثنين، فهي من عائلة فلاحية فقيرة من عشيرة «السواعد»، بينما ينتمي زوجها الثري إلى عشيرة «الخضيري» المعروفة. لا شك في أن هذا النص المتشظي بأحداثه وشخصياته يحتاج إلى بؤرة تلم الثيمة الموضوعية، التي توزعت في ثلاثة بلدان وثلاث شخصيات رئيسة وعدد آخر من الشخصيات الفرعية، أبرزها الدكتور حسام وأم الراوية وأبيها، لكن الراوية ارتأت أن تنهي الرواية بالمشهد الصادم الذي يكشف خيانة زوجها مع جارتهم. وكأن الراوية تريد أن تقول إن الحرب تستهدف منظومة القيم الأخلاقية برمتها، وتطعنها في الصميم، كما أنها تفرق أبناء العائلة الواحدة، فكيف لا تستطيع أن تفرق شعبا متعدد الأقوام والمذاهب والأطياف؟

egypttoday
egypttoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

منازل الوحشة شخصيات إشكالية أفرزتها حقبة الاحتراب الطائفي منازل الوحشة شخصيات إشكالية أفرزتها حقبة الاحتراب الطائفي



الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

منازل الوحشة شخصيات إشكالية أفرزتها حقبة الاحتراب الطائفي منازل الوحشة شخصيات إشكالية أفرزتها حقبة الاحتراب الطائفي



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon