القاهرة - مصر اليوم
صدر حديثًا عن وكالة الصحافة العربية في القاهرة كتابًا جديدًا يحمل عنوان "الطيب صالح. سيرة وشهادات من محطات العمر"، للدكتور خالد غازي.
ويتكون الكتاب من مقدمة وهي بمثابة شهادة ودراسة عن شخصية الطيب صالح الانسان والروائي، وينقسم الكتاب إلى قسمين. القسم الأول عنونه المؤلف بالبوابة الأولى: أوراق من محطات الزمن.. وهي عبارة عن مجموعة حوارات فكرية أجراها المؤلف مع الطيب صالح ضفرها بمقولاته وسلسلها زمنيا بحسب السيرة الذاتية والحياتية للطيب وآرائه الفكرية والسياسية وابداعاته وشخوصه الروائية، وكان عنوان الفصول ضمن هذه البوابة: أصابتـني لعنـة الـهجـرة إلـى الشـمال - أنا عابر سبيل وحياتي تمت بالصدفة - الكتابة تصبح أصعب عندما يكون الواقع أغرب مما يتخيله الكاتب - السياسة "مفسدة" تقتل الإبداع.
أما القسم الثاني فعنونه د. خالد غازي بعنوان "البوابة الثانية" شهادات انسانية عن قرب، وتناول فيها شهادات لأصدقاء الطيب صالح ورفاق رحلة الكتابة الابداعية، فسجل الكتاب شهادات لكل من: إبراهيم الصلحي - أحمد عبد المعطي حجازي - بشير محمد صالح - د.حسن أبشر الطيب - صلاح أحمد محمد صالح - طلحة جبريل - د. محمد إبراهيم الشوش - محمد الحسن أحمد - محمد صالح خضر – د. محمد عثمان.
وجاء في ختام الكتاب مبحث قصير بعنوان "اضاءات"، ضم المؤلف فهرسا ورصد لمؤلفات الطيب صالح أهم الكتب والابحاث والاطروحات الجامعية والترجمات للغات المختلفة لأعماله. وهو مبحث هام لكل مهتم بالرواية العربية وبأدب الطيب صالح خصوصا.
وقال د.خالد غازي "بين دفتي هذه الأوراق ومضات من سيرة ومسيرة " الطيب " ذكرياته وأفكاره ورؤاه استخلصناها من استفسارات وأسئلة كانت حصيلة لقاءات عديدة في أكثر من مكان وأكثر من زمان عبر رحلة حياته الكاملة في محطاتها المختلفة ومن هنا كان تجوالنا المبحر معه .. حول تجليه واعترافاته وآرائه في قضايا كثيرة تهم الأدب والمجتمع العربي كما تهم السياسي والإبداعي قد تكون وافية وإجمالية لإشكاليات المجتمع من حوله، يسرد فيها وجهة نظره من خلال خبرة تراكمية ومعرفية جمة اكتسبها من إطلاعاته الواسعة على الأشياء وعلى الخريطة الإبداعية للعالم العربي وانشغاله بقضايا إنسان العالم الثالث، الذي آمن به وعبر عن همومه وآلامه وأفراحه وإحباطاته.
وقدم أصدقاء "صالح " شهادات إنسانية عن قرب منه لمن عاصروه في طفولته وصباه وشبابه وكهولته ومحطاته الانسانية ورؤاه وفلسفته في الحياة والكتابة كذلك، وذلك عندما غيبه الموت في (18 شباط/فبراير 2009) وسافر معه إلى عالم آخر. تم اختيارها بعناية وانتقاء لتقديم الطيب بحقيقته كما هو وكما أراد أن يكون ويعيش.
ويعتبر "الطيب" واحدا من أكثر الروائيين العرب الذين نالت أعمالهم اهتماما عالميا وعربيا واسعا، سواء عبر الترجمة للغات أخرى، أو تناولها في دراسات أدبية متعددة، فأعماله بعيدة كل البعد عن روتينية الصنعة الروائية، ربما لأن في إبداعاته انبعاثات للأحداث، فهي تؤدي مهمة تتجاوز الحدث، مستلهمة من الواقع مونولوجاتها الداخلية، إنه يسترسل بحرفية عالية معتمدًا على روعة أسلوبه السردي، متماشيا مع أسلوب السوداني البسيط المتصوف المشبع بعبق النيل والأرض المضمخة بعرق أبنائها.. يروض لغة نصه فيجعلها عذبة عذوبة النيل، ويدقق عند اختيارها تجد في كتاباته تصوفا خولا، ووصفا ناطقا، وصمتا ذا ضجيج، وألما لذيذا، وحكايات تدغدغ الأفكار قبل المشاعر، حيث إنها اصطبغت بعبق الصوفية، وامتزجت بوهج الحضارة الغربية الصاخبة وصمت التراث السوداني الملهم، كحنة عروس في ليلة زفافها، حيث رائحة الطلح تعبق أجواء الخباء.
وأوضح الدكتور غازي عن "موسم الهجرة إلى الشمال" التي تعد من أشهر أعماله الروائية، بل كان هذا العمل سبب شهرته وقد نشرت لأول مرة في أواخر الستينات من القرن الماضي في "بيروت"، وعدت من قبل مؤسسات ثقافية عالمية كبري واحدة من أفضل مائة رواية في العالم خلال القرن العشرين. أنه "مدهش حقا أن رواية "موسم الهجرة إلى الشمال" تحولت بالنسبة لصاحبها من عمل عظيم إلى عبء ثقيل، فطارت به إلى سماء الشهرة، ولم تفلح أعماله الأخرى في أن تطول هذه السماء أو تتجاوز حجبها، ربما ينظر البعض إليه على أنه ذو حظ عظيم إلا أن هذا الحظ جعله سجين رواية واحدة إن دينيس جونسون مترجم كل أعمال الطيب صالح وصديقه".
وأضاف "في الوقت نفسه كشف في كتابه "حياتي في الترجمة" أسرارا مثيرة للدهشة ومنها أن الطيب صالح تم استبعاده من الفوز بجائزة نوبل بسبب "موسم الهجرة إلى الشمال". إن ظاهرة "الرواية التي صنعت الكاتب" أو بمعنى" كاتب الرواية الواحدة" ليست مقتصرة على الطيب صالح وحده رغم إنجازه أعمالًا مهمة مثل روايته (بندر شاه) بجزأيها "ضو البيت" و"مريود" إلا أنه سيبقى كاتب الرواية الواحدة ولعل ظاهرة كاتب الرواية الواحدة ليست مقتصرة علي "الطيب وحده إلا أنه سيبقى كاتب الرواية الواحدة، مثله في ذلك مثل الكاتبة الأمريكية المعاصرة هاربرلي التي تحولت إلى علامة من علامات الأدب العالمي بإصدارها روايتها الوحيدة "قتل طائر مغرد" عام 1960، والتي سرعان ما اعتلت قوائم أفضل المبيعات، ثم أعد عنها فيلم سينمائي بنفس العنوان قام ببطولته النجم الأمريكي جويجوري بيك، ليحصد ثلاثا من جوائز الأوسكار، وساهم في شهرة الرواية حتى بيع منها أكثر من ثلاثة ملايين نسخة.
وختم "نرى الطبيب في أعماله ابنًا للتمازج الحضاري والعرقي العربي الأفريقي السوداني، وأعماله إنما هي مزيج هذه النفحات، وشخوصها هم الرجال والنساء والأطفال الذين يحفل بهم السودان وهم على أية حال لا يختلفون كثيرا عن نماذج بقية الناس، حينما ننظر إلى الجوهر الإنساني العالمي لا المظهر المحلي في كل شخصياته بما يمور في أعماقها من مشاعر وأحاسيس إنسانية هي ذاتها في كل زمان ومكان".
أرسل تعليقك