القاهرة - مصر اليوم
سطرت كلمات المحضر رقم 54 67 إداري المطرية، قصة غريبة ومثيرة تستدعى الانتباه والتوقف أمامها بل وإخضاعها للدراسة من قبل علماء الإجتماع والنفس، طفل عمره 14 عامًا، يقتل والده فى مشهد مأساوي، لم يعد غريب أن تقرأ أو ترى جريمة قتل ابن لأبيه، فهي لم تعد لوغاريتمات فى هذا الزمان المطلوب حلها أو ألغاز يتوقف أمامها العقل، ولكن مثلما كل شيء يتطور الجريمة أيضا تدخل هذا الحيز، فهى مرتبطة بظروف ومستجدات تطرأ على الواقع المؤلم، المثير في هذه الواقعة هي تفاصيلها التي تستدعي الباحثين، وخبراء الأسرة، لأنه ربما يكون الجاني الطفل في هذه الجريمة مجني عليه، وربما يكون أيضًا مجرمًا عتيد الإجرام، فنحن لا نصدر أحكام، وهذا ليس من شأننا، فقط نرصد ونحلل ونضع أيدينا على موضع الخلل، بالتأكيد الجريمة علم،
وهو أحد فروع علم السلوك الإنساني، معني بدراستها باعتبارها ظاهرة فى حياة الفرد وفي حياة الجريمة، دراسة تقتضي وصفها وتحليها وتقضي أسبابها، فالجاني طفل انفصل والديه، عاش بمفرده بصحبة والده وكانت شقيقته تقيم في شقة بالقرب منه، قتل والده، والسبب سبه بألفاظ أساءت لوالدته مما آثار حفيضته وواستثار جم غضبه وألهب مشاعره تجاهه فأمسك بالسكين وطعن والده.. السطور السابقة كانت مقدمة لملخص الجريمة الذي نحن بصددها فى هذا الموضوع والذي نسرد تفاصيلها عليكم في السطور التالية.
الطفل مصطفى محمد، عمره 14 عامًا، مهنته طالب، نشأ في حى المطرية الشعبي، جميع من حوله يرون فيه أنه طفل غير عادي، متقلب المزاج، وجهه يحمل ملامح حادة، منطوي على نفسه، صداقاته محدودة، يعيش بمفرده مع والده الذي رفع شعار له فى الحياة "أخدم نفسك بنفسك" وذلك بعد انفصاله عن زوجته وتركها لإبنها الذي عاش مع والده، الطفل نشأ وحيدا، كانت نظراته لمن حوله نظرة تفحصية، يتأمل، الأطفال وهم وسط والديهما، يخرجان معهما، يعيشان وسط جو من الدفء والحميمية فى منزل متكامل الأركان، فكان ينظر لنفسه ويتفحص حاله فيصل لنتيجة واحدة أنه بلا أب وأم، الأم تخلت عنه وتركته لوالده، بسبب كثرة مشاكلهما التى لم تنته، ومشاجرته معها وعدم تحملها له وكذلك الأب الذي كان يتعامل معها وكأنها خادمة أو جارية عليها السمع والطاعة دون نقاش، فبدأ الطفل الصغير يكبر ويعى مايحدث حوله، حولته الأيام إلى رجلا عجوزا رغم أنه لم يكمل بعد الخامسة عشر عاما، وبدلا ان يقال عنه أنه طفل فى زهرة حياته وكامل حيويته بدأ يذبل ويصبح كزرع حولته الظروف ووالديه إلى كهل لايقدر على الإندماج وسط مجتمع هو خرج ينظر له نظرة سلبيه تشائمية، يرى الناس أعدائه، والده سبب في سخطه وغضبه، أمه جزء من كابوس يراوده كل يوم لينغص عليه حياته ويحولها إلى فيلم رعب يحاول الخروج منه لكن أحداثه تطارده في كل لحظة وكل مكان.. باختصار شديد هذا هو الطفل الذي أطلقوا عليه اسم مصطفى.
جزء من حياته كان مصطفى دائم التفكير فى من حوله والأوضاع الإقتصادية، يحاول تعويض النقص الذي تعرض له على يد والديه بالمال، دائم طلب المال من والده الذي كان يعيش فى عالم آخر لا يشعر بابنه، ولم يحتويه، حينما يطلب منه "فلوس" كان يواجه ذلك بالرفض، زملائه من أبناء منطقته يلعبون في "السايبر" ويخرجون للتنزهه ولكن مصطفى لم يكن كذلك، فدخل والده محدود، ومصروفه ينفقه على اللعب والتنزه مثل باقى زملائه، وبعد مرور أيام قليلة يطلب من والده مصروف أخر، وكان الأب يتعجب، يسأله: أين أنفقت المصروف؟!. لا يستجيب له، ويكتفى بالصمت، ولسان حال الطفل، الصراحة والرد عليه لا تغير من الأمر فى شيء، النهاية أريد "فلوس" وهو لن يستجيب، وسوف ترفض ولكن أفعل ذلك من باب الضغط وإثارة غضبك، حوار داخلى بين الطفل ونفسه، يدور فى كل مرة بعد طلبه لأموال زيادة عن مصروفه الذي أنفقه.
النتيجة بالنسبة للطفل محسومة، ولكنه يريد ان يكون مصدر قلق وإزعاج لوالده، إضافة لو أن ذلك الأسلوب نجح فى أخذ أموال منه زائدة يكون قد نجح، لكن الأب نهر ابنه، بل وضربه، وسبه بألفاظ أساءت لوالدته، هنا غضب الطفل، وترك الأب الذي ضربه بيده عدة ضربات تسببت فى ألم له، أسرع الطفل ناحية المطبخ ولمح سكين أعلى منضدة، أمسك بها وطعن الأب فى الجهة اليسرى من صدره، سقط على أثرها الأب غارقا وسط بركة من الدماء، وهنا نظر إليه الابن بحزن، وتركه هاربا من النافذة، ثم وقف الأب محاولا التماسك وطرق باب الجيران الذين اتصلوا بالإسعاف وتم نقله إلى مستشفى
المطرية التعليمى، وهناك خرجت روحه إلى بارئها، وعلى الفور أبلغت إدارة المستشفى مأمور قسم شرطة المطرية الذي انتقل وبصحبته المقدم محمد رضوان رئيس مباحث قسم شرطة المطرية وبمعاينة جثة الأب، تبين طعنه فى صدره من الجهة اليسرى، وانتقل إلى الشقة محل الجريمة، وبسؤال الشهود تبين ان الأب وابنه كان دائمى الخلاف والتشاجر، وفى اليوم الأخير تشاجرا مع بعضهما بسبب المصروف، وعلى الفور تم إبلاغ اللواء محمد منصور، مدير الإدارة العامة لمباحث القاهرة واللواء هشام لطفى نائب مدير الإدارة العامة لمباحث القاهرة، واللواء أحمد الألفى مدير المباحث الجنائية، وتم تشكيل فريق بحث قاده العميد نبيل سليم رئيس مباحث قطاع الشرق، وتم ضبط الابن الهارب قاتل والده أثناء تردده على الأماكن التى يعتاد التردد عليها مع زملائه وبمواجهته أمام المقدم محمد رضوان رئيس مباحث قسم شرطة المطرية، اعترف بارتكابه الجريمة وأرشد عن أداة الجريمة، وأمر اللواء خالد عبدالعال مساعد الوزير لأمن القاهرة، بإحالته إلى النيابة التى تولت التحقيق.
اعترافات الطفل القاتل
واعترف الطفل قاتل فى المطرية قائلا: "كنت أعيش مع والدى بعد انفصاله عن والدتى وكان دائم التشاجر معى بسبب كثرة مطالبتى بزيادة مصروفي"، بزيادة المصروف، قبل اليوم الذى وقعت فيه الجريمة، سبّنى وضربنى ونعت والدتى بألفاظ بذيئة وهددنى بمنع المصروف وعليه نشبت مشاجرة فقمت بضربه، وبعدها هدأت الأمور حينما خرجت، وعدت ليلا وكان نائما، وفى صباح اليوم التالى طلبت منه المصروف رفض فقمت بضربه بسلاح أبيض فى صدره، وعاين المستشار محمد الجرف مدير النيابة مسرح الجريمة وآثار الدماء، كما انتقل وعاين جثة المجنى عليه بمستشفى المطرية وتبين أن الجثة سليمة، ولا يوجد بها إصابات إلا طعنة نافذة بالصدر من الجهة
اليسرى.
واستمعت النيابة، لأقوال ابنة المجنى عليه التى أكدت سماعها أصواتًا صادرة من شقة والدها، فأسرعت على الفور إليها فوجدته ملقى على السلم وغارقا فى دمائه ومصاب بطعنة نافذة فى الصدر، وبسؤاله أثناء احتضاره قال: "ابنى موتنى"، وتُوفى بعدها بدقائق، تم القبض على المتهم، وأمر المستشار محمد الجرف مدير النيابة بإيداعه إحدى دور الرعاية لمدة 7 أيام واستعجال تقرير الطب الشرعى للمجنى عليه.
أرسل تعليقك