حماة-سانا
تتراقص كلماتها على ألحان إحساسها الرقيق الممزوج بنفحات الحزن والألم وتتسابق مفرداتها لاستحضار ذاكرة داكنة تلونها بتفاصيل الحاضر لتنظم بسحر قوافيها الفتية ادبيات شعرية عذبة تطفئ حرائق زمن غابر.
الشاعرة السورية الشابة نصيرة عيسى جعلت من شِعرها مرآة لأفكارها المتقدة لتعكسها حالات وتجارب إنسانية تستحق القراءة ورغم أنها بدأت بالكتابة في عمر 13عاماً لكنها كانت تحرق ما تكتب فيما بعد لإلغاء ذاكرة تلك المرحلة على حد تعبيرها.
كتبت نصيرة قصيدة النثر اثناء دراستها الجامعية وبدأت تستقيم أكثر مع مرور الوقت معتمدة على ذاكرة غنية تحدثت عنها لـ سانا بالقول: "لا أظن أن أحداً ما يستطيع الكتابة من دون ذاكرة فأنا أكتب ذاكرتي المليئة بي وبهم أولئك الذين يحفرون ذاكرة الحياة في داخلي وما يهمني من القارئ هو أن يفكر بقلبه كي يصل ليس لي فقط بل إلى نفسه أيضاً".
وتتميز قصائد الشاعرة بجملها المختزلة وكلماتها المتجددة فهي تستبدل الكلمات القوية والجزلة بالرقيقة والبسيطة التي تنساب وحدها كالماء وتقول.." لا تسألوني عن الحزن .. لم أعد أتهجى الأحلام .. كبرت .. اللغة صارت مشنقة .. والحلم مزحة سمجة".
وتلتقط نصيرة في قصائدها صورة الجمال المخبأة في المألوف والتي تجعل منه حدثاً استثنائياً فهي تريد أن يرى الجميع الجمال كما تراه بشكله المتألق البسيط وتحلم بأن يعود الجميع أطفالاً قادرين على رؤية الدهشة في كل ما حولنا.
وتوثق كتابات الشاعرة يوميات وأحداثاً واقعية بنظرة شعرية راقية حيث ترى أن على أي شكل من أشكال الأدب التقاط صورة الواقع وإعادة إنتاجها بطريقة أبهى فالشعر ليس وثيقة بحد ذاتها انما هو وسيلة لإعادة طرح الواقع بطريقة أقل قسوة وأكثر جمالاً.
وتحضر آلام الوطن في قصائد نصيرة ومقتطفاتها الأدبية فتقول.. "أنا كما كل السوريين صبغت الأزمة مفرداتي بالحزن وزادت من جرعة الحب في قلبي للوطن وللطفولة ولكل ما هو نقي".
وتميل نصيرة للومضة الشعرية السريعة وتعمل بفكرة صوفية للكاتب محمد بن عبد الجبار النفري التي تقول.. "كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة وتعتبرها تلبي الفكرة في أحيان كثيرة" مشيرة إلى أن أي محاولة للزيادة في المفردات تقتلها وتذهب جمال اللقطة فيها فهي تقول في إحدى قصائدها" بين هنا وهناك .. حرف متصل .. تخيل عبثية اللغة .. حرف متصل يفصلنا .. حرف متصل أوسع من طريق يؤلمها أن تكون مسافة الغياب .. مسافة الحزن .. مسافةً تقطع شرايين اللقاء بمهارة شفرة حادة".
وترجمت الشاعرة بفلسفتها الأدبية معاني بعض الكلمات التي ترددت في قصائدها فقالت.. " في /الغياب/ حياة مؤجلة وفي /الموسيقا/ رحم الحياة الدافئ وفي /القهوة/بداية الصباح المثالية وفي /الياسمين/ الدموع عند باب بيتها وفي /سورية/ استطردت بقولها "كما تحبني أمي أحبك سورياي .. طفلتي المدللة الوحيدة".
ويتميز أسلوب نصيرة الأدبي بالجرأة والوضوح في الوصف والتعبير فهي ترى أن على الشاعر أن يكتب بالطريقة التي يراها مناسبة لخدمة فكرته مهما اعتبرت طريقته جريئة فالشعر بالنهاية حالة انسانية خالصة.
وحول أدب الشباب ومكانته في الواقع الثقافي السوري أوضحت نصيرة .. أن أدب الشباب جميل ومتمرد على القوانين التقليدية للجمال وله أهمية كبيرة في تطوير الحياة الثقافية فقد بدأت منذ فترة ما يقارب السنة صحوة أدبية في سورية من خلال مجموعة منتديات ثقافية بادر لإدارتها مجموعة من الشباب المثقف والواعي مؤكدة ضرورة استثمار الطاقات الشبابية وتشجيعها.
وختمت نصيرة بكلمات من قصيدتها وكل بنفسجة.. "وإني كأي ماء .. انكفئ حيناً داخل أرضي .. أجف .. أهرب كغيمة .. لكني أعود .. لأني كأي ماء دوماً أسيل".
يشار إلى أن الشاعرة الشابة نصيرة عيسى مهندسة كهربائية من مدينة سلمية بريف حماة ومشرفة على إعداد نشاط ثقافي أسبوعي تقيمه جمعية العاديات بفرع سلمية ولها مجموعة من الأعمال الشعرية التي أحيت بها عدداً من الأمسيات الأدبية في مدينتها.
أرسل تعليقك