توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ابن الدين يروي قصة الجاحظ في "الحدقي"

  مصر اليوم -

  مصر اليوم - ابن الدين يروي قصة الجاحظ في الحدقي

رواية "الحدقي"
القاهرة - مصر اليوم

صدرت عن دار مسكلياني بتونس رواية "الحدقي" للكاتب الموريتاني أحمد فال بن الدين، وتروي الرواية حياة الأديب النقادة، والاجتماعي الناثر أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ.

الاسم الذي اختاره ابن الدين لروايته هو مرادف -أو قريب من المرادف- للقب الجاحظ؛ فبالنسبة إلى حدقة العين البارزة فإنها تضاهي تماما لقب الجاحظ الذي هو وصف لحالة عيني أبي عثمان.

وتقع رواية "الحدقي" في 440 صفحة، وتنتمي لصنف الرواية التاريخية، وهو نمط من الرواية يتداخل فيه الخيال مع الواقع؛ إذ تستند الرواية إلى قصة واقعية، يضعها المؤلف في سبيكة سردية واحدة مع قصص ووقائع من نسج خياله لتأثيث عالم البنية الروائية، بما يضفي صبغة تشويقية على الأحداث ويورط القارئ في لعبة ممتعة مربكة.

وتتداخل في "الحدقي" أزمنة متعددة؛ منها زمن الراوي، وزمن الوقائع، وأزمنة أخرى تاريخية تستدعيها تقنيات السرد، والمواضيع التي يطرقها البطل الجاحظ، وتنتسج من حول حياته الزاخرة خيوطُها.

وبنى ابنُ الدين روايته من قصتين أساسيتين: عمل من خلال إحداهما على "تخييل واقع" من غرفة أخبار قناة بعاصمة قطر تسمى "قناة العروبة" في القرن 21؛ وبذلك تمكن الكاتب من الانتقال السلس إلى المزج الرصين بين البعد الواقعي في حياة الجاحظ الحقيقية التي عاشها في الربع الأخير من القرن الثاني الهجري، وسلخت عقودا من القرن الثالث، وهي القصة الثانية.

كما تمكن من خلق تكامل بين شخصيتي الراوي والبطل، مما ولَّد وحدة عضوية في الرواية، عبر الالتقاء بين القروي والجاحظ في اهتمامهما المفرط، أو قل: تعصبهما للغة العربية، وثقافتها؛ فالصورة التي يظهر بها القروي في مفتتح الرواية تعطي مسوغا واضحا لولوعه بشخصية الجاحظ.

القروي، أو محمد القروي، شاب موريتاني في ذروة عطائه المهني والأدبي ترمي به الأقدار للعمل مدققا لغويا في غرفة أخبار "قناة العروبة" بالدوحة، وما يلبث تطرفه في الانحياز للسليقة العربية أن يخلق له عداوات في العمل، ثم يروح ضحية صراع لوبيات يعرف نمَطَهُ العاملون في المؤسسات الكبرى في وطننا العربي.

لكن الأقدار تختار لمحمد القروي "دحرجة مشتهاة"؛ فإبعاده من غرفة الأخبار يمر عبر تكليفه بكتابة رواية تنوي القناة تحويلها إلى مسلسل تاريخي عن الجاحظ.

لا ينقضي تداخل زَمَنَي الحدقي والقروي عند اهتمامهما المشترك باللغة العربية؛ فزمناهما الثقافيان بينهما تشابه أيضا؛ حيث يعيش الجاحظ في زمن بدأت فيه الشعوبية تطل برأسها، وبدا التشكيك في أهلية العربي، وقدراته، ومكانته بين الأمم حديث مجالس، وفاكهة سمار؛ فهو معاصر لأبي نواس صاحب النزعة المشهورة ضد العرب، والتي للمفارقة ضمنها أعذب قصائده العربية.
"
رواية "الحدقي" تقع في 440 صفحة، وتنتمي لصنف الرواية التاريخية
"

مهانات العرب والعربية
والقروي يعاني مَهانات العرب والعربية في عالم القرن 21، وأشدها عليه ما يصدر عمن فقدوا سليقتهم من جيله، من امتهان للغة العربية، واستصعاب الالتزام بقواعدها.

وإضافة إلى تشابه الزمنين تتشابه أقدار القروي والحدقي؛ فترُدُّ تماضر حظيةُ الخليل بن أحمد خطبةَ الجاحظ، ويأبى والد "مطوعة بريدة"، أن يزوجها من القروي.

و"مطوعة بريدة" هو اللقب الذي اختاره القروي لمعشوقته السعودية حصة، التي تعمل بالإدارة التقنية بقناة العروبة، وتنتهي إلى الفشل خفقة قلبي الراوي والبطل.

وتحكم الأقدار بأن يزول فقر الجاحظ برواج إحدى رسائله لدى الوزير ابن الزيات، وتختار حلا مشابها لأزمة القرض المالي الذي أرهق القروي؛ فتتعاقد معه شركة غوغل وتخرجه من ورطته نتيجةَ تقدير الشركة لجهده في تصحيح الترجمة الآلية.

يقع ذلك بعد أن كاد القروي يفقد الأمل، وقد لفظته مكاتب "قناة العروبة" إلى الشارع، ومنعته القوانين المحلية من مغادرة البلاد ما لم يسدد دينه.

وهنا يتجلى وجه آخر لراهنية الجاحظ، فهو يعكس بطرف من حياته معضلة المثقف العربي، وصعوبة تحقيق الشرط المادي في ظل سلطة لا ترعى المواهب، إلا بقدر ما يخدم عقيدة البلاط.

وقد حظي الجاحظ عند السلطة دهرا لأن قناعاته الاعتزالية وافقت رؤيتها، لكنه نكب مع حزبه لأن عقيدة أخرى رفعتها الأقدار إلى سدة الحكم.

الجاحظ.. روح عصر مزدهر
تبدأ "الحدقي" قصة حياة الجاحظ من مشهد جلد الشاعر بشار بن برد سنة 186 من الهجرة، الذي ينتهي بموته تحت السياط، وتنتقل قاصَّةً صباحات الجاحظ ومساءاته متنقلا في دروب البصرة، وبين مخابزها وكتاتيبها.

ويتنقل الكاتب مع الجاحظ حيثما حلَّ في درب الوراقين، أو على شاطئ سيحان لاستقبال الصيادين، وانتقاء بضاعته من سمك الشبُّوط، ويتابعه وهو يبيعها بالتقسيط في سوق البصرة. وفي حركة رشيقة من قلم ابن الدين في أحد الحوارات الساخرة، الكثيرة، يتحول الفتى من عمرو إلى الجاحظ.

ومعه يحمل القارئ في سياحة إلى حاضرة الثقافة العربية الإسلامية في وقتها، مدينة البصرة، وإلى سُرَّة زمان الثقافة العربية الإسلامية، القرن الثالث الهجري، حين ازدهرت المكتبات واستوى فن التأليف على سوقه.

وهنا يحاور القارئ شيوخ المعتزلة، كالنظام، وابن أبي دؤاد، ويساير شيوخ البخلاء مثل سهل بن هارون، ويواكب حركات المحدثين مثل علي بن المديني، ويسامر من الشعراء أبا نواس والبحتري وأضرابهما.
"
"الحدقي" تبدأ قصة حياة الجاحظ من مشهد جلد الشاعر بشار بن برد سنة 186 هجري، الذي ينتهي بموته تحت السياط، وتنتقل قاصَّةً صباحات الجاحظ ومساءاته متنقلا في دروب البصرة، وبين مخابزها وكتاتيبها
"

تحملك الحدقي على عربة تشعر باهتزازها وأنت تقلب الصفحات على أريكتك، وتتناهى إلى أذنيك صرخات الباعة والمُكارين، ونهرات الوعاظ في سوق البصرة، وأنت تتأمل السحنات التي أوحت إلى الجاحظ بكثير من أفكاره عن اجتماع القرن الثالث الهجري.

وفي أخصاص الطلاب بجامعة الخليل بن أحمد الفراهيدي، نبتت خوافي الجاحظ العلمية، وتزاحمت في عقله معارف اللغة، وتحديات التداخل بمطالعات بواكير الترجمات إلى اللغة العربية، التي تحمل إلى سوق الوراقين من بغداد القريبة.

ولا تلبث الأقدار أن تحمل الجاحظ إلى بلاط الخليفة المأمون ببغداد، بعد أن تلقف ابن الزيات إحدى رسائله، ويبدأ طور جديد من حياته.

لم يكن بلاط المأمون مجرد مجلس لسلطان مثقف شغوف بالعلم، محاور في كل الفنون؛ وإنما كان حضرة علمية تُجْبى إليه ثمرات عقول البشر، أحياء وأمواتا، فعلى مسافة خطوات من البلاط الغاص بعلماء العصر شيد أول مختبر ترجمة في العالم، واستدعي له مهرة النساخ، وعلماء اللغات، وأنفق عليه بسخاء من خزائن إمبراطورية يأتيها خراج المزنة أنَّى أمطرت.

وفي بغداد المأمون لمع اسم الجاحظ حتى صار واحدا من الأسماء الخمسة الأوائل، ونضج أسلوبه في التأليف، وأصبح علامة مسجلة للقرن، وللجاحظ الذي أهدى العالم درر قريحته، في الحيوان والبيان والتبيين، والرسائل التي نثر فيها علوما شتى بإتقان ينم عن موسوعية يرفدها عقل جبار؛ كل هذا تلقاه في بنية الحدقي السردية بأسلوب لا يخلو من طرافة، وحوار حاد.

لعبة الإرباك والنمط الصعب
يمارس ابن الدين لعبة الإرباك مع القارئ، حين لا يضع فواصل بين الخيالي والواقعي في حياة الجاحظ، فلا نعرف أن خطبة الجاحظ لابنة شيخه الخليل بن أحمد الفراهيدي، من نسج خيال الكاتب، ويزيد إرباكنا ما انطوت عليه تلك القصة من صراع في نفس الجاحظ، وما حملته من روح العصر.

كما لا نعرف أن عَريبا جارية الجاحظ هي الأخرى لا يوجد لها أصل واقعي، رغم أنها تؤثث المشهد السردي كله، وتنقلنا إلى بلاط المأمون، بل وتخرج بنا إلى شمال الأندلس، حيث يقيم الملك شقيق عريب، الذي يرسل من يخطفها، قبل أن تعود إلى الجاحظ وهو يحتضر، ومرض الفالج يأكل جسمه المتهالك مع طاحونة أيام المحن، وسوابق شظف العيش.

استطاع ابن الدين أن ينجح في اختياره نمطا صعبا من الأعمال الروائية بتحكمه في زمنين متباعدين، ويخلق بينهما روابط سلسة تنقل القارئ من الدوحة والقرن 15، إلى البصرة أو بغداد في القرن الثالث الهجري، دون أن يحس نتوءات، أو يفضي إلى تعقيد.

كما استطاع السيطرة بمهارة على نهاية الحياتين دون أن يبتسر خواتيم لا يقود إليها السياق، أو يتضخم العمل بمنعرجات وصف وتفاصيل لا تخدم الرؤية الفنية، أو "رسالة الحدقي".

نقلت الحدقي أجواء القرن الثالث، بتعدديته الثقافية، وتسامحه، وامتزاج الأعراق والأمم، والصراعات الفكرية؛ بين العروبيين والشعوبيين، والمعتزلة والحنابلة، أو مدرسة الأثر ومدرسة علم الكلام، بين أنصار النثر والمتحزبين للشعر، ورسمت صورة صادقة للقرن الذي يعد قرنا مركزيا في الثقافة العربية الإسلامية، لأنه كما يرى الجابري وغيره هو المتحكم في رؤيتنا لما قبله لأنه عصر تدوين المعارف الإسلامية، ونضوج شخصية العربي المسلم الثقافية والحضارية.

استطاع الكاتب لمعايشته للجاحظ أن يتمثل أسلوبه المتفرد، فلا تستطيع الفرق بين العصرين أسلوبيا إلا من خلال تاريخ الحدث ومسرحه؛ فمثلا حين يصف ابن الدين معشوقة القروي بأنها تنتمي لذلك: "النمط من النساء الذي تمر عليه العين بحياد، فلا هي ممن تتأذى العين برؤيتها حتى تعلق بالذهن، ولا هي جميلة جمالا تجعل خريطة جسمها مداءات لتَرداد النظر وابتهاجِ العيون"، فتتوهم أنك تقرأ إحدى رسائل الجاحظ لا رواية في القرن 21.

egypttoday
egypttoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ابن الدين يروي قصة الجاحظ في الحدقي ابن الدين يروي قصة الجاحظ في الحدقي



الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ابن الدين يروي قصة الجاحظ في الحدقي ابن الدين يروي قصة الجاحظ في الحدقي



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية

GMT 12:20 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

طلائع الجيش يبحث عن مهاجم سوبر فى دوري المظاليم

GMT 15:09 2019 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

فان ديك يحصد لقب أفضل لاعب بنهائي دوري الأبطال

GMT 15:15 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مشروع "كلمة" للترجمة يصدر "كوكب في حصاة"

GMT 20:20 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

صدور رواية "الطفلة سوريا" لعز الدين الدوماني
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon