توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

وحوش أسطورية تتربص بالإنسان في كل لحظة في برلين

  مصر اليوم -

  مصر اليوم - وحوش أسطورية تتربص بالإنسان في كل لحظة في برلين

برلين - مصر اليوم

تشكيلات مستوحاة من العهد القديم والملاحم التاريخية مُجسّدةً قوى الشر الهائلة الفتاكة المتربصة بالإنسان ونسله في كلّ لحظة. مواضيع الفنان البريطاني أنيش كابور، المولود لأب هنديّ وأم عراقية يهودية الديانة. غالباً ما يجد زائر المعارض الفنيّة نفسه أمام معضلة حقيقية تتعلق كلّ مرّة بمفهوم الفنّ ودلالاته المتعددة، ولا سيما إذا لم يكن هذا الزائر من ذوي الاختصاص. وتبدو هذه المعضلة أكبر حجماً حين يكون الفنّان شهيراً ومجدداً وتعرض أعماله في أهم الصالات والمتاحف العالمية. وهناك رأي ساخر في هذا السياق أطلقه الناقد الألماني كارل هاينتس شميد Karlheinz Schmid، مفادة أنّ الفنّان، وحتّى المغمور أو غير المبدع، يحتاج إلى خمسة من أصحاب صالات العرض، وثلاثة من جامعي اللوحات المرموقين واثنين من رؤوساء المؤسسات الفنيّة وإلى مدير متحف خبير يفضّل هذا الفنان على غيره، بالإضافة إلى بعض المروجين الإعلاميين، نعم أنّ هذا الفنان سيجد أمامه حينئذ فرصة لا تعوّض لاجتياح السوق. ولكن هل يمكن التخلّص من هذه النظرة المسبقة والتي لا تخلو من الإجحاف حين نتأمل أعمال الفنّان الهنديّ-العراقيّ -البريطانيّ أنيش كابور Anish Kapoor المعروضة في متحف مارتين غروبيوس باو في برلين (من الثامن عشر من مايو/ أيار 2013 وحتى الرابع عشر من نوفمبر/ تشرين الثاني من العام ذاته)؟ بين التقليد والابتكار يعرض لهذا الفنان سبعون عملاً مختلفاً تتوزع بين النحت والتركيب والتصنيع التقنيّ. ويشغل العمل الأول قاعة دائرية كاملة ، يطلق عليها اسم باحة الضوء في مبنى غروبيوس، وتتفرع منها قاعات العرض الأخرى. ويحمل العمل عنوان Symphony for the Beloved Sun „سمفونية للشمس المحبوبة" وهو عبارة عن أربعة هياكل حديدية عملاقة تشبه سكك الحديد المعلقة بشكل مائل والمتعارضة بعضها مع بعض. وقد ركّب على كلّ سكّة محرك كهربائي يدفع قالباً معبأً بمادة شمعية حمراء، يميل احمرارها إلى الصدأ، فتسقط على الأرض من علو، حيث تتشكل كتلة شمعية ضخمة، أو خامة راكدة، تكاد تكون منفصلة عن العمل الفنّي نفسه، وتذكّر إلى حدّ ما بنفايات المعامل الكيماوية، وعُلّق قرص أحمر أيضاً في أعلى القاعة يرمز إلى الشمس المنتصرة هذه المرّة. وتعزف هذه الأذرع الحديدية الضخمة موسيقى خافتة احتفاءً بالشمس الحمراء الساكنة والخالية من الأشعة. ويحيل هذا العمل إلى أوبرا للفنان الروسي كازيمير ماليفيتش Malewitsch تحمل عنوان "الانتصار على الشمس" والتي عرضت للمرّة الأولى في عام 1913 بمدينة سان بطرسبورغ، وقوبلت بالاستهجان والانتقاد اللاذع وتحولت إلى فضيحة "فنيّة" بسبب محتواها الدادائي وغير المترابط منطقياً. فهي تتحدث عن صراع الإنسان المستقبلي مع الشمس، فيتغلب عليها الإنسان المعزول ثم يضعها في منزل من الإسمنت. وتظهر الأوبرا من ناحية ثانية عبث الوجود على الأرض وهشاشته وانعدام قدرة الإنسان على التحكم بقواه الذاتية والاستفادة من حريته الشخصية. وقد لا نجافي الحقيقة إذا ما قلنا بأنّ هذه النظرة الفنية تحاكي أسطورة سيزيف الإغريقية الشهيرة والتي تتحدث أيضاً عن لا جدوى الحياة ونسبيتها، باستثناء تلك المتعة الحسيّة القصيرة التي تجتاح سيزيف كلّما دحرج الصخرة إلى أعلى الجبل. أنيش كابور نفسه ينتمي إلى حركة فنية تعرف باسم الحركة التركيبية أو البنائية Constructivism، أسسها الفنان الروسي إليعازر ليسيتسكي Lissitzky وتحاول نقل المعرفة البشرية عن طريق الاقتصاد الشديد في عرض القوانين الطبيعية المعقدة والمزج بين الهندسة والإنشاء والفنّ. ويسعى كابور إلى المحافظة على الطابع الرمزي المبتسر لهذه الحركة والارتقاء بالرسم والنحت إلى مرحلة المعمار الفني وإرجاع العمل الفنّي إلى أشكال هندسية بسيطة تخاطب الحواس فتتفاعل معها أو ترفضها فوراً بسبب النزعة الإيحائية المقتضبة التي تهيمن عليها مثل المرايا المقعرّة والمحدبة الصقيلة تماماً والمصنوعة من الفولاذ. تطويع للمواد الصلبة ولد أنيش كابور في عام 1954 بمدينة بومباي الهندية لأب هنديّ وأم عراقية، يهودية الديانة، وانتقل في عام 1973 إلى لندن نهائياً حيث درس الفنّ وصار يقيم المعارض المشتركة والفردية في جميع أنحاء العالم. وقد حصل على عدد من الجوائز الفنيّة المهمة ومنها جائزة تورنر البريطانية المعروفة. بيد أن طبيعة المواد التي يعالجها كابور تحتاح إلى فريق عمل كامل يصل أحياناً إلى سبعين مساعداً، بغية إنجاز أعمال من الحديد الصلب يصل وزنها إلى أربعة وعشرين طنّاً. وهو يستعمل مواد عديدة مختلفة مثل الإسمنت والحجر والفولاذ والشمع واللدائن. ويوظّف كابور الأسطورة والحكاية القديمة، والدينية بدرجة رئيسية، للإبقاء على الذاكرة حيّةً ومتيقظة. فهو يتعرض مثلاً إلى الوحش الأسطوري لوياثان الذي ورد ذكره في العهد القديم، فيعيد صياغة هذه الأسطورة بأشد الوسائل الفنيّة ابتساراً وتجريداً، ويستخدم مادة واحدة من اللدائن ذات لون أخضر غامق، لتجسيد مصرع لوياثان، الذي خلقه الربّ في الواقع من ذكر وأنثى، لكنه قتل الأنثى خشية أن يدمّر نسلهما العالم والبشرية جمعاء. ويرمز هذا المخلوق الخرافي إلى الفوضى المطلقة وإلى طبيعة القوى التي كانت تحارب إسرائيل في العهد القديم. وذُكر هذا الكائن الخرافي في أسطورة الخلق البابلية وملحمة جلجامش على شكل خمبابا، وحش الغابة الذي صرعه جلجامش ورفيقه أنكيدو، أو على هيئة اللوياثان الذي ذبحه الإله الكنعاني بعل. ولا ينطوي هذا العمل الفنّي العملاق الذي يحتل ثلاث قاعات عرض متصلة بعضها مع بعض على إحالات أو تفاصيل تجعل المشاهد يقف على مصدره الحقيقي، فبقي غامضاً بعض الشيء. ويطرح هذا العمل سؤالاً آخر مهماً يتعلق بحجم العمل الفنيّ بشكل عام. فهل كان من الممكن تقليص حجم لوياثان ليُعرَض في قاعة واحدة بدلاً من ثلاث قاعات؟ بلا شكّ أنّ هذا "النصب" سيفقد بعضاً من إيحاءاته الرمزية إذا ما قٌلّص حجمه، لأنّ صورة لوياثان طبعت في مخيلة البشرية باعتباره تجسيداً لقوى الشرّ الفتاكة الهائلة التي تتربض بالإنسان في كلّ لحظة. طاقة تأملية ويطرح هذا التركيب الذي يشبه كيساً من القماش مهملاً وقديماً إشكاليةَ العلاقة الملتبسة بين اللوحة والعمل الفني المجسّد الأبعاد، وخاصة اللوحة التي تحرص على جمع العديد من التفاصيل في أصغر مساحة ممكنة. ويهدف الحجم الهائل للعمل الفنّي إلى تجاوز ما هو متعارف عليه واختراق المألوف لكي يولد في ذهن المتلقي إحساساً جديداً بمعنى المكان وتناسبه مع الرمز، ويتطلب منه بذل المزيد من الطاقة التأملية للإحاطة به. ويصف أنيش كابور عملية الإدراك هذه بعملية خلق "التمثال الروحي". ومن الأعمال المثيرة، التي صممها أنيش كابور بدقة هندسية عالية، هو المدفع الكبير الحجم نسبياً والذي يطلق بين الحين والآخر كتلة من الشمع الأحمر على زاوية القاعة. وهناك عمل آخر وهو عبارة عن رماد أسود منثور في ركن مهمل، أطلق عليه اسم "الزاوية القذرة"، وثمة معالجة أخرى لأنسة المكان، تتسم بالإثارة وتظهر الجدار وكأنه امرأة حبلى، وقد يكون ذلك حقيقية أو خداعاً بصرياً يدفع المشاهد للتشكيك في حواسه. خدمة DW  

egypttoday
egypttoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

وحوش أسطورية تتربص بالإنسان في كل لحظة في برلين وحوش أسطورية تتربص بالإنسان في كل لحظة في برلين



الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

وحوش أسطورية تتربص بالإنسان في كل لحظة في برلين وحوش أسطورية تتربص بالإنسان في كل لحظة في برلين



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon