تتزايد خلال الفترة الحالية أزمات عالمية تهدد استقرار الكوكب الأرضي وتضرب بالنظام البيئي، وقد بدأت حيوانات تنقرض وأمراض تنتشر وحروب اقتصادية وسياسية تظهر على السطح إلى جانب التلوث البيئي الذي خنق المدن السكنية المكتظة بطبيعتها لارتفاع أعداد البشر بشكل يومي، كل ذلك وأكثر يجعل كوكب الأرض عُرضة للدمار إن لم نغير عاداتنا الخاطئة وسياساتنا العقيمة.
يقول مايك بيرنر لي الأستاذ بجامعة لانكستر ومؤلف كتاب There is No Planet B، ومدير شركة "Small World Consulting"، إن هناك اتجاهات يمكن للناس إحداث تأثير إيجابي على الكوكب من خلالها، الأول هو الاتجاه بشكل شخصي إلى حياة تستهلك الكربون بشكل أقل وتركز على الاستدامة، وهو ما يعتبر أمرا هاما لما يحققه من استقامة كل ما نفعله، وإذا تم القيام بذلك بشكل جيد يصبح الأمر سهلا على الجميع لفعل الشئ نفسه".
ويستطرد: "والأمر الثاني هو الضغط من أجل التغيير الثقافي والسياسي الذي نحتاجه، ففي كل موقف يجب أن نتسائل عن مدى تأثيرنا على صناع السياسة ليس فقط من خلال الأصوات، ولكن من خلال ما نفعله في منازلنا وفي وقت فراغنا خاصة في المنزل، ويمكن القول أن الضغط الشعبي ربما يساعد في تغيير السايسة، وعلى سبيل المثال نجحت المنظمة الشبابية Sunrise Movement بشكل ملحوظ في الضغط من أجل صفقة خضراء جديدة في الولايات المتحدة، وهو ما أجبر كل ديمقراطي على التحدث علنا عن تغير المناخ، وقبل عقدين نجحت حملة اليوبيل 2000 على نطاق كبير في إلغاء الديون في البلدان النامية"
اقرأ أيضًا:
التلوث البيئي باللدائن البلاستيكية يهدد الحياة في المحيطات
وحول النظم الغذائية الخاطئة، يعتبر مايك أن غذائنا يساهم في إنتاج نحو ربع الغازات الدفيئة، وفي الوقت نفسه لتقليل تلك الغازات الدفيئة نحتاج إلى إطعام العدد المتزايد من السكان بشكل أفضل عما نفعله الآن، في ظل محاولات إنقاذ التنوع البيولوجي وتجنب أزمة المضادات الحيوية.
ويؤكد: "لا يوجد مفر من حقيقة أنه يجب على البشر تقليل تناول اللحوم وبخاصة لحوم البقر والضأن فضلا عن استهلاك منتجات الألبان، وعلى سبيل المثال عندما نُطعم حبة فول صويا إلى بقرة فإننا نحصل على 10% فقط من القيمة الغذائية منها في شكل لحم بقري، ويأتي ذلك مع جرعة كبيرة من غاز الميثان وهو أحد الغازات الدفيئة القوية، بالإضافة إلى احتمالية إزالة بعض الغابات".
ويتابع: "ولا يشترط علينا أن نتحول تماما إلى الحياة النباتية فالأمر بتعلق فقط بالكمية، ونحن لا نحتاج إلى تغيير حصص وجباتنا تماما على مدار عشر سنوات قادمة ،ولكن يمكن للغالبية النظر إلى الأمر كفرصة لتناول مزيد من الطعام الصحي".
ولأن استخدام الطائرات من الأمور التي تزيد الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي، يرى بيرنر لي أن من الحقائق المزعجة أن الطائرة بعيدة المدى تحرق حوالي 100 طن من الوقود، ويزداد الأمر سوء مع ثاني أكسيد الكربون، ونتيجة بعض التأثيرات المعقدة في الارتفاعات العالية فربما يتضاعف تأثير تغير المناخ عما كان سيحدث إذا تم حرق هذا الوقود على الطرق الأرضية".
ولمواجهة تلك المشكلة يقول: "أمامنا ثلاثة خيارات: الأول هو الاعتماد على الوقود الحيوي، ولكن هناك ضغط كبير على الأرض، والثاني هو الاعتماد على الوقود الصناعي المتولد باستخدام الطاقة الشمسية، لكننا بالفعل نحتاج إلى كل الطاقة الشمسية التي يمكننا الحصول عليها، والثالث هو الاعتماد على الوقود الأحفوري مع وجود آلية موازية لإخراج الكربون من الهواء لكننا فعليا لا نعرف كيفية القيام بذلك بشكل صحيح".
ويستكمل بيرنر لي: "وبالتالي أصبحت الرحلات ذات المسافات القصيرة والتي تعتمد على الطاقة الكهربائية أكثر ملائمة للوضع الحالي، ولكن الحاجة إلى توفير الوزن تعني أن الهيدروكربونات السائلة حاليا هي الوقود الوحيد المناسب للرحلات الطويلة، ولذلك فلا يزال الطيران ممكنا بعض الشئ ولكن ليس بنسبة كبيرة".
أبرز أيضًا بيرنر لي في حديثه حلاً لأزمة إمدادات الطاقة، فيقول: "لا يمثل الإمدادا العالمي بالطاقة سوى واحد من 7 آلاف من طاقة الشمس التي تهبط على الأرض، ويمكن للألواح الشمسية في مساحة تبلغ 228 ميلا مربعا في جزء مشمس من العالم توفير إمدادات الطاقة العالمية بالكامل، وليس هناك تكلفة أو موارد باهظة، ولكن المشكلات تكمن في كيفية توزيع وتخزين تلك الطاقة، إلا أن حلول تلك المشكلات تتطور بشكل جيد".
ويتابع: ربما يختلف مزيج الطاقة المكون من طاقة شمسية مع طاقة رياح وطاقة مائية بالإضافة إلى طاقة المد والجزر من مكان إلى آخر، حيث تحظى أستراليا بأشعة شمس أكبر بمقدار 200 مرة للفرد مقارنة بالمملكة المتحدة، التي تعد خامس أسوء دولة في العالم بشأن أشعة الشمس لكل فرد قبل بنغلاديش وبلجيكا وهولندا ورواندا، فينما تحظى المملكة المتحدة بطاقة رياح ومد وجزر أكبر، ولذلك يعتبر مزيجها من الطاقة أكثر تعقيدا، وباختصار يمكن القول أن تحويل إمدادات الطاقة ممكنا تقنيا إذا استثمرنا بالقدر الكافي وقمنا بتقليل استهلاكنا من الطاقة، حيث يمكننا استبدال إمدادات الطاقة على مدار ثلاثة عقود قادمة مع الاستثمار الصحيح.
وقد تكون الضريبة الخضراء حلاً لمواجهة التلوث العالمي، إلا أن بيرنر لي يرى أنه: "يمكن القول أنه بطريقة أو بأخرى يجب أن يظل الوقود الأحفوري في الأرض، وحتى يحدث ذلك يجب أن يكون استخراجه أمرا مكلفا للغاية، والأمر هنا يتعلق بسعر الكربون، وأعتقد أن أفضل طريقة لتحقيق ذلك هو إضافة ضريبة على الكربون، حيث يمكن إضافة الضريبة عند الاستخراج وكذلك عند الاستهلاك، نحن نتحدث عن إنشاء قدر كبير من الأموال لتمويل البنية التحتية الجديدة للطاقة الخضراء، ومساعدة البلدان والأفراد الخاسرين نتيجة التحول إلى عالم تقل فيه نسب الكربون، بالإضافة إلى دعم مجموعة من السلع الاجتماعية والبيئية".
ويستبعد بيرنر لي أن يكون تزايد عدد السكان هو المحرك لدمار الكوكب، إذ "يمكن لـ 12 مليار شخص حريصين التعايش معا على كوكبنا، في حين يمكن لمليار شخص منهم تدمير الكوكب في وقت قليل، فالأمر لا يتعلق بعدد السكان ولكن يتعلق بكيفية التعايش، ويمكن القول أنه مع ميلاد فرد جديد يحتاج الجميع إلى توخي الحذر بشكل أكبر، ولذلك فإنه ليس أمرا سيئا أن يكون لديك أطفال، ولكن الأمر يتعلق بالتأكيد بأسلوب حياة هؤلاء الأطفال".
يستأنف الأستاذ بجامعة لانكستر: "للأسف لم يحدث أي تأثير على الإطلاق في منحنى الكربون المتصاعد في العالم، على الرغم من عقود من المحادثات والمفاوضات بشأن تغير المناخ، وما قدمته بعض الشركات وحشد الخطابات بشأن البيئة الخضراء، ولكن للإنصاف كانت هناك لمحات من العمل المخلص من عالم رجال الأعمال، ورغم ذلك لم يكن الحديث عن الموضوع أو التساؤل عنه كافيا".
ويختتم بقوله: "نحن نحتاج إلى نوع من الإصرار وعمل ذلك بعناية، مع تغيير لغة الخطاب إلى لغة بناء، فنحن نسعى إلى عالم أفضل نعيش فيه وليس عالما عنيفا، أما بشأن توقيت الخروج إلى الشارع فالأمر قرار شخصي، ولكن نظرًا إلى ما وصلنا إليها، فنحتاج جميع إلى أن نسأل أنفسنا مثل هذا السؤال "كيف ننقذ الكوكب؟"".
قد يهمك أيضًا:
دراسة تؤكّد أن ضرائب الكربون ستحد من التلوث البيئي
فاتورة التلوث البيئي في السعودية 84 بليون ريال ولابد من شرطة وقضاء بيئيين
أرسل تعليقك