توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الشاعرة المغربية استخدمت اسمًا مستعارًا خوفًا من أبيها

فدوى الزياني تسرد تجربتها مع الحرمان من التعليم

  مصر اليوم -

  مصر اليوم - فدوى الزياني تسرد تجربتها مع الحرمان من التعليم

الشاعرة المغربية فدوى الزياني
الرباط - مصر اليوم

فدوى الزياني شاعرة عصامية، غادرت المدرسة مبكراً وهي لا تزال طفلة، لكنها عرفت، كما يقول عنها الشاعر ياسين عدنان «كيف تجد طريقها نحو (طوفان) الشعر والقصيدة»، هي التي درسَتْ أربع سنوات فقط، ثم غادرت المدرسة الابتدائية نحو (مدرسة الحياة)، بل أُجبرَت على مغادرتها، من طرف الوالد الذي لم يكن يسمح إلا للذكور بمتابعة دراستهم. لكنها عوّضَتْ هذا الحرمان المبكّر بالتهامِ الكثير من الكتب. درَّست لنفسها بنفسها، وحين استدرجتها القصيدة إلى عالمها، بدأت تواظب على الكتابة والنشر في المواقع الإلكترونية، لكن باسم مستعار هو فدوى طوفان، لتُكرِّس اسمها اليوم اسماً شعرياً نسائياً جديداً بِحُضورٍ طيّب في مشهدنا الشعري الوطني.

تستعيد الزياني، ابنة زاكورة (جنوب شرقي المغرب)، حكاية إجبارها على مغادرة المدرسة الابتدائية، فتقول: «لم يدَعني أبِي أكمِل دراستي. سحبني من يدي، وأخبَرنِي أن لا مدرسَة بعد اليَوم، بكَيت على صَدرِ أمي، على كتفِ أختي، بكَيتُ مثل شجرة تشكُو قسوَة الخَريف للغابَة. أذكُر يومها... دلّتنِي أمي على سُلّم من خشَب، السُلّم يؤدي إلى سدَّة، السدَّة مليئة بكتبٍ قديمة تركَها إخوتي الذكور الذين كان لهم نصيب في إكمال دراستهم. كنت أشبه السحالي التي التهمت من الكتُب حواشي أوراقها، قرأت بنهم عن معصية آدم وحواء، عن الحرب والحب، عن حقيقة الوجود، عن نهاية العالم وعذابات القيامة، وعنّا نحن أسوأ كائنات هذه الأرض. وكلما قرأتُ كتاباً فتحت قبوراً كثيرة، وحاولتُ التعرف على وجوهِ ساكنِيها: وجوه سومريّة، وجوه فرعونية، وجوهٌ محَت الحروب ملامِح حضارتها وأجناسها، وكلمَا خرجتُ من متاهات حيواتنَا المتكررة دخلت غابَة يُلاحِق فيها الذئب أطفالاً، الأطفال لا ذنبَ لهم لكنهم يلاحقُون بالسوء فَراشات ملونة، فرَاشات تهرُب إلى النار، وأنا أهرب من الذئب والأطفال ومن الفراشَات ومِن النار. 

وكلما اختبأتُ وراء شجرة أتى حطاب ليقطع أغصانها يجعلها فؤوساً ويجزُّ عنُق الشجرة. الشجرَة نفسهَا التي أقرأ الآن كتاباً من لحائِها، الكتاب الذي كلما أنهيت واحداً مثله كبرت ضعفَ العُمرِ مرّتين وتذكّرتُ أبي، أبي الذي من خوفِه فقَط، كانَ يُريدني أن أبقى طفلته التي لا تكبر».

اقرأ أيضًا:

اختتام مهرجان الشعر العربي بطور سيناء بتأبين الراحل محمود الأسواني

سماح الأب للذكور دون الإناث بمتابعة الدراسة، سيحضر في أشعار الزياني، حيث نقرأ لها: «لم يكُن من المفروض أن أُولدَ أنثَى/ الأقحوانة التي سحقَها أبي عنوة في حقلِه/ تسلل دمها إلى شقُوق قدمَيه الحافيتَين/ وكانت تنتقِم».

تستعيد الزياني بداياتها على درب الشعر، قراءة وكتابة، فتقول: «في سن الثالثة عشرة كان لقائي بالشعر، حين وجدت كتاباً صغيراً وممزقاً. كان عنوان الكتاب (مائة رسالة حب). هنا، تعرفت على نزار قباني. وجدت كتاباً أقرأه بمتعة وشغف، في الصباح وفي الليل. كنت أخبئه، مثل كنز، تحت وسادتي. أعجبت بلغة سلسة ومدهشة، لم أصادفها، وقتها، في باقي الكتب. ثم تورطت في الكتابة. قرأت لكتاب وشعراء آخرين، بعد نزار قباني. بعدها، مر ماء كثير تحت الجسر، لكن ذكرى هذا الكتاب ما زالت تلمع في ذاكرتي».

تختصر الزياني تجربتها وطموحاتها الإبداعية، فتقول: «سألني مرة صديق شاعر: أليست لديك قمة شعرية؟ لا. ليست لدي قمة شعرية أرغب في الوصول إليها. أرغب فقط في معانقة الشعر محلولة من كل البلاغات القديمة متحللة في ذاتي. وفي كل محاولة أكتب فيها هي محاولة لإطفاء حرائق تتغول في داخلي. أحاول وأحاول، حتى يموت الضوء في داخلي وتستمر الشعلة من جسد إلى آخر في حيواتي المقبلة».

تؤمن الزياني بأن «الشعر هو تلك الكلمة الشفيفة التي تكدح من أجل أن تقيم صداقة مع الأشياء الصغيرة والكبيرة، مع الفراغ، مع الهواء ومع المعنى»، لذلك تتمنى ألا تشفى من «القصيدة الحارقة التي تشبه خبز الأمهات وهن يجلسن أمام التنور غارقات في الظل والغناء»؛ فوحدها القصيدة، تستطيع أن تخفف اختناقاتنا، نحن الذين «وُلدنا بملاعق من سُعال مُر/ لا شيء نملكُه/ سوى هذا الفراغ الذي يكِحّ بقوة/ وأصواتنا التي تفاوض/ لتخرج مشروخة كخدوش في حنجرة ناي».

الشعر، هذه اللعنة التي جعلت لحياة الزياني معنى، كما تقول: «لم يكن الطريق إليه سهلاً. وحتى الآن لا تزال الطريق شائكة ومتاهاتها تفضي بك من وحدة إلى أخرى».

استطاعت الزياني أن تؤكد حضورها في المشهد الشعري المغربي الراهن. ويقول عنها الشاعر عبد الرحيم الخصار إنها تهرب إلى الشعر كـ«ملجأ يحميها من مختلف أشكال الشقاء الاجتماعي والنفسي، وينسيها تجارب الفقد والخذلان»، تكتبه «بمزاج عاشقة وبتمكن كبير من آليات الكتابة، وبقدرة مذهلة على تحويل إحساس الكائن إلى شكل أدبي مؤثر»، حيث نكون أمام شاعرة «روّضت حواسها كي لا تتأثر كثيراً بالسقوط والتداعي التدريجي لكل الأشياء الجميلة التي تشكلت وتنامت أمام عينيها منذ الطفولة الأولى»، بشكل يجعل من الحزن «تجربة حياة»، وبالتالي فكل ما تفعله الشاعرة هو أنها «تضع هذه الحياة على الورق»، هي التي نقرأ لها، في هذا الصدد: «جئنا بغمازات ضوء وشفاه ممسوسة بالحبّ/ بأجراس موسيقية تدلّ علينا/ جئنا حائرين جداً/ كيف يقسو الوجه على انعكاسه/ كيف يشقّ النّهر بطن أمه/ كيف تثقب الأشجار كتِف الغابة/ كيف تغادر النجوم سريرها الليّن/ كيف يعضّ الرضيع حلمة الحياة/ مثلما نعضّ على السؤال المحفور في ظلام الأقبية/ جئنا حائرين جداً/ لم بقينا عالقين في هذه الفجوة الزمنية/ كأننا لم نحدث بعد!».

بعيداً عن ذكريات الطفولة وقرار الوالد، تحضر العلاقة بالأم، فنقرأ من شعر الزياني: «القلب الذي تسكنه ولا تخرج منه هو قلبُ أمك/ والمسافات الطويلة الموحشة هي التي تمشِيها وحدك/ ولا يستقبلُك في الجهة الأخرى وجهُها»، قبل أن تختصر علاقة المرأة بالرجل، في ست كلمات، فتقول: «بعض الرجَال غربة، وبعض الرجَال وَطَن».

بين الهشاشة والغضب، تخبرنا الزياني أنها تقيم في جسدٍ هَشّ، حيث رممت البقايا حيوات لم تكتمل، فيما الأمر يتجاوز كل الأوجاع القديمة والعالقة، وأنها فقط «روح أتعبها التنقّل/ والولادات المتعسّرة»، قبل أن تقترح علينا قصائد غارقة في الألم الشخصي، فنقرأ لها: «كل الذين أحببتهم حينَ مددت لهم حلوى يدي/ قضموها كاملة ومضوا حاملين شظايا الجسد/ على ظهورهم حين رحلُوا/ هل يعلم الأحبة ما معنى أن نسدّ فراغات غيابهم بأصابعنا/ بينما الريح تشكّل من أجسادنا المعطوبة أيادي أخرى للتّلويح؟».

لا تملك الزياني إلا أن تخاطب العالم «كطفلٍ لم يعتن بهِ أحد»، مشددة على أنه لم يعُد يعنيها ما يحدُث في هذا العالم، وأنها ليست على هذه الأرض لتسليَّة أحد، قبل أن تخبر قراءها، في ديوانها الأخير، أنها كلما حاولت كتابة نصّ جديد، فالشيء الوحيد الذي تؤمن به، هو أن للحبّ أقداماً عملاقة وثقيلة، فيما قلبها يشبه سهلاً رطباً مليئاً بالحفر.

قد يهمك أيضًا:

سهير مقدادي تؤكّد أن الشعر العربي يعيش حالة فوضى

الشولي يؤكد أن الفن معادلة لصنع التوازن بين الماضي والحاضر

المصدر :

الشرق الأوسط

egypttoday
egypttoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فدوى الزياني تسرد تجربتها مع الحرمان من التعليم فدوى الزياني تسرد تجربتها مع الحرمان من التعليم



الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فدوى الزياني تسرد تجربتها مع الحرمان من التعليم فدوى الزياني تسرد تجربتها مع الحرمان من التعليم



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية

GMT 12:20 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

طلائع الجيش يبحث عن مهاجم سوبر فى دوري المظاليم

GMT 15:09 2019 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

فان ديك يحصد لقب أفضل لاعب بنهائي دوري الأبطال

GMT 15:15 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مشروع "كلمة" للترجمة يصدر "كوكب في حصاة"

GMT 20:20 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

صدور رواية "الطفلة سوريا" لعز الدين الدوماني
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon