روما ـ مالك مهنا
يعتبر الربيع، أفضل فصول السنة لاستكشاف جنوة، إذ المناخ المعتدل الذي يسود المدينة في هذا التوقيت من العام. ومع ذلك، تتسم الريفيرا الإيطالية بمناخ يخلو من القسوة غالبية أوقات السنة، إذ تنتشر سلاسل الجبال التي تقيها التعرض
لرياح الشمال المتوسطية، إذ يمكن للسائحين التجول في جميع أرجاء جنوة. وأجمل الأوقات التي يمكن الاستمتاع بها في جنوة، هو عيد الفصح، إذ تقدم مطاعم المدينة أنواعًا فاخرة من الحلويات الإيطالية، والكعك والمقبلات المصنوعة من 33 طبقة من الحلويات، ترمز إلى الـ33 عامًا التي عاشها المسيح. كما تحتفل جنوة بخميس العهد بالموكب الذي يجوب شوارع المدينة الذي يرجع تاريخه إلى القرن الخامس عشر.
ويمكن للبريطانيين التوجه إلى جنوة من مطاري جاتويك وراينأير إلى هناك، لتهبط الطائرات في مطار كريستوفو كولومبو الذي يبعد ستة كيلو مترات عن ضاحية سيستري بونيتي التي تأتي إليها حافلة فولا كل ثلاثين دقيقة، والتي تنقل الركاب إلى محطة برنسيب، وهي المحطة الأولى للحافلة، ومنها إلى المحطة الثانية عند بيتزا دي فيراري حتى تصل إلى المحطة الثالثة في شرق المدينة، لتنتهي الرحلة التي تستغرق من 20 إلى 30 دقيقة حسب الحالة المرورية وتبلغ تكلفتها 4 يورو. وتشمل تذكرة الحافلة مقابل ركوب حافلة أخرى داخل المدينة أو مترو الأنفاق.
ويمكن استقلال سيارة أجرة خاصة "تاكسي" ليلاً، إذ تعتبر الخيار الأفضل على الإطلاق في هذا التوقيت من اليوم، لأن منطقة برنسيب من المناطق غير الآمنة ليلاً.
وتعتبر جنوة من المدن الساحلية التي تقع على ساحل البحر المتوسط، ويصل طول الساحل في المدينة إلى 40 كيلو مترًا، وهي أحد أجمل المرافئ الطبيعية المتوسطية، مما يزيدها جمالاً، لاسيما في مناطق المدرجات الصخرية التي تحيط بها من كل الاتجاهات والتلال الخضراء التي تضفي قدرًا إضافيًا من السحر. وتقع منطقة بيتزا دي فيراري في قلب المدينة، وتجسد الطراز السائد في هذه المدينة التي يرجع تاريخها إلى العصور الوسطى، وهي أيضًا تلك المدينة ذات الطابع السياحي، إذ الأزقة المؤدية إلى الميناء القديم، إضافة إلى أنها مدينة تعج بالمتاحف والمطاعم.
ويقع شارع فيا إكس إكس ستيمبر في وسط المدينة، وهو أحد أشهر الشوارع التجارية، إذ يذهب إليه السائحون والمحليون للتسوق. ولتيسير الأمور على السائحين، هناك مكاتب سياحية في جاريبالدي ومقر استعلامات في الميناء القديم. كما توجد تسهيلات أخرى تُقدم للسائحين، منها تذكرة المتحف الرئيسي في جنوة التي تشمل رسوم الدخول إلى مزارات سياحية عدة في المدينة، وتصل تكلفتها إلى 16 يورو، وتغطي مدة يومين حتى يتمكن السائح من التجول بين المزارات الكثيرة.
ويمكن الإقامة في عدد من الفنادق في جنوة، إلا أن الفندق الأفضل بينها هو ميلاي جنوة في فيا كورسيكا بتصميمه المعماري المتميز، وغرفه المزدوجة التي تبدأ أسعار الإقامة فيها في الليلة الواحدة 130 يورو شاملة الإفطار. وهناك أيضًا فندق لوكاندا دي بلازو سيسلا في 16 شارع بيازا سان لورنزو، وهو عبارة عن قصر يرجع تاريخه إلى القرن الثامن عشر. يتكون القصر من عدد من الشقق الفندقية المجاورة لبعضها بعضًا. وتصل تكلفة الإقامة في غرفة لفردين في الليلة الواحدة إلى 99 يورو شاملةً الإفطار. وهناك أيضًا فندق كواتروبيانو الواقع في بيازا دي بيليسكيريا، وهو فندق مبني على الطراز الحديث، وبه تراس علوي مكشوف على السطح، وتبدأ الإقامة في الغرف المزدوجة في هذا الفندق من 90 يورو.
وبالانتقال إلى أنسب البرامج السياحية التي يمكن للزائر أن يتبعها في جنوة، يمكنه البدء في اليوم الأول في الميناء القديمة التي تحظى برنزو بيانو، ذلك المبنى الذي يجسد التراث المعماري المحلي وقصر سان جيورجيو، وهو غير مفتوح أمام الجماهير، إلا أنه يتمتع بقيمة تاريخية كبيرة، إذ استخدم في العصور القديمة كمبنى لأول بنك في أوروبا من العائلة الملكية بتمويلات، وهو أيضًا البنك الذي أصدر أول شيك في القارة الأوروبية، وهو أيضًا ذلك المكان الذي جلس فيه ماركو بولو ليروي حكاياته على العامة، وكيف تمكن من مساعدة المساجين في رحلاته الشهيرة حول العالم. ويمر السائح أيضًا على فيا ألبونتي ريالي، ومنها إلى ميدان بيازا بانتشي التي تعني مبدل النقود والتي تعج الآن بالموائد والطاولات التي تُفرش بأطيب المأكولات والمشروبات.
وسيرًا على الأقدام نصل إلى منطقة فيا ديجلي أوريفيسي، إذ مقهى كلينجوتي، أحد أقدم مقاهي جنوة وبالانعطاف إلى اليسار، نتوجه إلى فيكو ديترو إل كورو ديلي فايجن، ومنه عبر بعض الأزقة الضيقة إلى المكان الذي لا يمكن لسائح في جنوة أو يفوته، هو فيا جاريبالدي التي تترجم محليًا بشارع الملك.
ومرورًا بهذا الشارع العتيق، يمكن زيارة قصرين من أعظم قصور جنوة تحولا إلى متاحف عامة، إذ يضمان الكثير من المقتنيات التاريخية الخاصة بعظماء المدينة الإيطالية العتيقة، هما قصر روسو وقصر بيانكو، ويمكن الدخول إلى هذين المتحفين بتذكرة واحدة قيمتها 8 يورو. ومن أعلى قصر بيانكو، يمكن الحصول على فرصة نادرة لا تقدر بثمن، وهي الإطلالة البانورامية للمدينة بأكملها والميناء القديم.
ولا يمكن السير طوال هذه المسافة والقيام بتلك الجولة المرهقة، من دون التوقف لالتقاط الأنفاس وتناول بعض الطعام في الكثير من المطاعم المشهورة المنتشرة في أرجاء المدينة المختلفة، مثل مطعم أنتيكا سكيامادا الكائن في 14 شارع فيا سان جيورجيو وتعني سكيامادا باللهجة المحلية لجنوة الأفران، إذ يقدم هذا المطعم أفخر وأجود أنواع المخبوزات والمعجنات أشهرها العصيدة الشهية. كما يقبل السائحون على مطعم أنتيكو فورنو ديلا كازانا المشهور بكعك الفوكاتشا.
ولا يفوتنا زيارة قاعة المرايا في قصر ريالي الذي يرجع تاريخه إلى القرن السابع عشر، إذ تُفتح للجمهور أيام الأحد والثلاثاء والأربعاء والخميس مقابل 4 يورو. وهناك أيضًا من المزارات الثقافية الأثرية قصر برنسيب الذي كان يومًا مقرًا لأقوى رجال أوروبا هو الأدميرال أندريا دوريا الذي اعتاد أن يدهش زواره في القصر في كل مرة يستضيفهم فيها بإلقاء أدوات المائدة الفضية في البحر بعد تناول الطعام.
وتعتبر جنوة بفضل موقعها الذي جعلها إمبراطورية التجارة في الشرق الأدنى من أكثر المدن في العالم بزخًا، إذ تنتشر محلات الفواكه المحلاة على رأسها بييترو رومانينجو بفيا روما، إضافة إلى محلات الزهور المشهورة عالميًا، مثل فيردي وكينج أمبرتو للزهور، إذ تقدم أغرب منتجات الرفاهية مثل شراب الورد، وماء الورد، وبيض عيد الفصح، البسكويت الصيامي. ومن مظاهر الرفاهية والبزخ أيضًا بارات جنوة، يتقدمها بار ميشسوتيه الذي يقدم أجود أنواع الخمور الإيطالية المصنوعة في لوني والتي كانت مفضلة لدى الرومان قديمًا.
ونتوجه إلى أفخر مطاعم إيطاليا في جنوة، مطعم أنتيكو أوستريا دي فيكو بالا في 15 شارع فيكو بالا بالقرب من المدينة القديمة، إضافة إلى مطعم إل جينوفيز في فيا جالاتا الذي يقدم الصلصة الخاصة التي تعلو أصناف المعجنات المعجنات الإيطالية المشهورة عالميًا.
وبعد نيل قسط من الراحة، يبدأ اليوم الثاني من الجولة في جنوة والتي يزور فيها السائح بعض المباني والمزارات السياحية، مثل كاتدرائية سان لورنزو بواجهتها التي يسودها اللونين الأبيض والأسود. وبُنيت هذه الكاتدرائية كنُصُب للبابا جون الذي استقدم من الأراضي المقدسة أثناء فترة الحروب الصليبية. ومن المفارقات أن عمال البناء الذين شاركوا في تشييد هذه الكاتدرائية تملكتهم بعض المخاوف الدائمة بعد عملية البناء. كما قصفت البحرية الملكية هذا المبنى أثناء الحرب العالمية الثانية، إلا أنه لحسن الحظ لم يهدم. ويوجد في المدينة أيضًا كنيسة سان أمبروجيو التي تحتوي على رسومات روبنز الذي قضى عدة سنوات في الكنيسة حتى انتهى منها.
وبعد التجول بين المزارات الأثرية المختلفة، لابد من التوقف لتناول وجبة خفيفة وبعض المشروبات في أحد المقاهي التي تعج بها جنوة والتي تقدم الأطعمة المحلية الخفيفة والمشروبات، مثل مقهى ديجلي سبيتشي ثم التوجه منها إلى استكمال الجولة السياحية، ليستأنف السائح جولته في المنزل الصغير الذي يُقال أن كرستوفور كولومبوس وُلد فيه، وهو المنزل الصغير الكائن في شارع فيا دي رافيكا، ومنه إلى المدخل الثاني للمدينة في بورتا سوبرانا بأبراجه الشهيرة الساحرة التي يرجع تاريخها إلى العام 1155 عندما بُنيت الأسوار العالية لحماية المدينة من هجوم بارباروسا.
ويستعيد السائح صفاء ذهنه بعد ذلك بالتمشية في الهواء الطلق في متنزه لارجو زيكا بالقرب من مدخل المدينة، ويرجع تأسيسه إلى القرن السابع عشر، والذي يبعد عشر دقائق فقط من أعالي التلال التي تحيط بالمدينة. وبالاستمرار في النزهة الهادئة يتجه السائحون إلى الميناء القديم وهي المنطقة التاريخية الأشهر على الإطلاق في المدينة، ويقع بالقرب منها متحف جالاتة الذي يوثق تاريخ ميناء جنوة. وتعتبر المدينة مرتعًا لمليارديرات العالم في الفترة من نيسان/إبريل إلى تشرين الأول/أكتوبر من كل عام الذين يغادرونها عبر الميناء العتيق ويتوقفون بالسفن بالقرب من قلعة سان فروتاوسو التي لا يمكن الدخول إليها إلا سيرًا على الأقدام أو بالقوارب الصغيرة.
أرسل تعليقك