توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ظاهرة التسول في كركوك العراقية بين معاناة اللاجئين السوريين ومهارات المبدعين

  مصر اليوم -

  مصر اليوم - ظاهرة التسول في كركوك العراقية بين معاناة اللاجئين السوريين ومهارات المبدعين

بغداد – نجلاء الطائي

حين تسير في أحد شوارع محافظة كركوك وتعترضك فتاة متسولة تطلب منك مبلغاً مالياً باللهجة السورية، فهي ليست سورية بالضرورة، إذ أن حالة التنافس التي أنتجها انتشار المتسولات السوريات في كركوك مع نظيراتهن العراقيات، دفع الأخيرات إلى انتحال صفة اللاجئات السوريات، بغية الحصول على تعاطف أكبر، وبالتالي أموال أكثر. وللتسول في كركوك حكايات أخرى، لعل أكثرها لفتاً للانتباه خروج البعض عن السياقات الرتيبة التي يتبعها المتسولون عادة، واعتماد طرق تعد مبتكرة في المجتمع العراقي، كالقيام بحركات بهلوانية مقابل الحصول على مبلغ مالي معين ممن يرغب في المشاهدة. وتقابل هكذا حكايات لا تخلو من ظرافة، حكايات تدعو للأسى، منها حكاية "سرى الدمشقي"، الفتاة السورية ذات الـ14 عاماً، والتي نزحت مع عائلتها إلى العراق، عقب مقتل والدها في قذيفة من قذائف الحرب الشرسة الدائرة في بلادها. ترتدي الدمشقي الزي الإسلامي، وتتخذ من إحدى تقاطعات طريق بغداد وسط مدينة كركوك موقعاً لممارسة التسول، وكسب قوتها وقوت عائلتها. وتوضح الدمشقي، في حديثها إلى "مصر اليوم "، أن "الحديث معي عن أهلي يولد المواجع لي، فأبي قتل في معركة لم يكن طرفاً فيها، إذ خرج لجلب الإفطار والخبز لنا، وسقطت قذيفة مجهولة المصدر مزقت جسده، وحين خرجنا والجيران إلى موقع التفجير وجدت أبي وعدداً من الجثث ممزقة في الموقع ذاته، وحينها لم يبق لنا أي معيل سوى رب العباد".قطعت حديثها وأجشهت بالبكاء، ثم استأنفت حديثها عن الأسباب التي دفعتها إلى امتهان التسول مبينة أن "التسول أقصر الطرق لكسب المال، وقلوب الناس، تحت مسميات عدة، والعراقيون معروفون بالكرم"، مشيرة إلى أن "معدل الدخل من التسول يختلف من شارع لآخر، وأهم الشوارع التي تدر علينا النقود شارعي الجمهورية والأطباء، ولكننا نعاني من مضايقة المتسولات العراقيات، اللاتي نجد منهن منافسة شديدة"، لافتة إلى أن "الوجه الحسن والجمال يسهمان برفع المدخولات المالية التي نجنيها من التسول"، مؤكدة في الوقت نفسه أن "التسول ليس مهنتنا، ولكن الحاجة أجبرتنا على ذلك". وتتوقف عن الحديث، وتنسحب لتجلس على حافة الطريق الرئيس في شارع بغداد، وتسحب من حقيبتها السوداء زجاجة ماء صغيرة، لتغسل وجهها من حرارة الشمس، وتعاود حديثها "جمال المرأة يلعب دوراً مهماً في كسب ود من يدفع لنيل ثواب الدنيا والآخرة، لكن البعض يبحث عن لذة دنيوية زائلة، والكثيرون يتحرشون بنا جنسياً، لكننا لن نسير في هذا الطريق"، لافتة إلى أن "الكثير من العوائل النازحة إلى كركوك ومدن كردستان هم من الأطفال والنساء، وبعض العوائل التي لديها فتيات بعمر الزواج قامت بتزويجهن من عراقيين"، موضحة أن "مهورهن تتراوح بين 100 إلى 300 دولار". متسول سوري آخر يدعى جمال (55 عاماً)، يقف وسط شارع الأطباء، في قلب مدينة الذهب الأسود، حيث منعت السيارات من دخول الشارع، تزامناً مع عيد الأضحى، فيما يبدو أن ملامح وجهه أتعبتها صروف الزمان. ويوضح جمال، في حديثه إلى "العرب اليوم"، أن "الظروف وما تمر به سورية أجبرتنا على التسول، وإلا كيف تعيش عائلة مكونة من 12 فرداً"، ويضيف "تركنا منزلنا في ريف دمشق، وهربنا بجلدنا ودخلنا العراق عبر إقليم كردستان، وتم تسجيلنا رسمياً لدى منظمة الأمم المتحدة، لكننا تركنا المخيم، واستقرت بنا الأحوال في كركوك، حيث نتخذ من أحد الفنادق ملجأ لنا، ونتسول لكسب قوتنا". ويتفق جمال مع مواطنته سرى الدمشقي على أن "التسول هو أقصر الطرق لكسب المال"، مبيناً "أنا لدي طفل معاق ومن خلاله أستطيع الحصول على المال". ويتوقع جمال أن "القتال في سورية من الصعب أن يتوقف"، مشيراً إلى أنه "بدأ يعتاد على حياة التسول"، لكنه يشكو من "مواجهة شرسة من المتسولات في شوارع كركوك"، ويؤكد أن "النساء المتسولات أكثر بكثير من الرجال"، موضحًا أنه "من خلال عملي في التسول تمكنت من عد ما يقارب الـ40 متسولة، وهن من غير أهالي كركوك، ويمتلكن نفوذًا في شوارع المدينة" لافتًا إلى أن "الكثير من المتسولات العراقيات، بعد أن اكتسح السوريون السوق، بدأن ينتحلن صفة سوريات، ويحملن أوراقاً كتب عليها بأنهن لاجئات من سورية". ويروي متسول يدعى صابر، إلى "العرب اليوم"، شيئاً من خبايا مهنة التسول، إذ يؤكد أنها "ليست كما يظن البعض مهنة حرة، ومتوفرة لكل من يرغب بالتسول، فهناك قوانين ولجان مشكلة من قبل أكبر المتسولين، وتضم عناصر نسوية وشباب وحتى الأطفال"، موضحًا أن "هذه اللجان لديها مهام، حيث تقوم بتوزيع المتسولات والمتسولين على شوارع المحافظة، وكذلك الأطفال والحالات المرضية، إذ أن اللجان تحرص على أن تكون صورة المتسول جاذبة للذي يدفع النقود". ويتطرق صابر إلى متسول اختار طريقة مختلفة في ممارسة مهنته، وهذا المتسول يدعى "جمال أبو الدقلات"، وله جمهور بدأ يتسع في أحد شوارع كركوك الرئيسة. و"الدقلة" في اللهجة العراقية هي القفز والدوران في الهواء، وهي مشابهة للحركة التي يؤديها السبّاح عند القفز من المنصة المرتفعة. ويقول صابر "جمال أبو الدقلات معروف لدى جميع المتسولين، فقد ابتعد عن خط الدعاء والتوسل لكسب النقود، لأنه بارع في الحركات البهلوانية، ويمتاز بطوله الذي يصل إلى مترين". وبحسب رواية زميله صابر، يقف "أبو الدقلات" يومياً وسط شارع الجمهورية وسط المحافظة، ويصيح "وينهم أهل الدقلات والحركات؟ خمسة بألف"، والكثيرون يدفعون له ألف دينار ويقوم بتأدية حركات بهلوانية مقابل ذلك. وعن النساء المتسولات، يشير صابر إلى أن "السوريات موجودات ولكنهن قليلات، إلا أن بعض المتسولات العراقيات لجأن إلى انتحال صفة اللاجئات السوريات، بغية كسب تعاطف الناس معهن بصورة أكبر". ويرى ناشط في مجال حقوق الإنسان أن "الحد من ظاهرة التسول أمر ضروري، لأن الموضوع بالغ الخطورة"، فيما يعزو مجلس المحافظة سبب عدم القضاء على الظاهرة إلى "الوضع الخاص لكركوك"، لكنه يؤكد ،في الوقت ذاته، أن "هناك إجراءات متبعة، أسهمت في التقليل من أعداد المتسولين". ويوضح الناشط عبد الرحمن علي، إلى "العرب اليوم "، أن "ظاهرة التسول من المواضيع المهمة، وعلى إدارة ومجلس محافظة كركوك والأجهزة الأمنية متابعة هذا الملف، لما فيه من مخاطر كثيرة أمنياً واجتماعياً"، مشدداً على "ضرورة منع ظاهرة التسول، في ضوء وجود مافيات وعصابات تستغل الأطفال والنساء حتى جنسيًا". بدورها، تبين رئيس لجنة حقوق الإنسان والمرأة والطفل في مجلس محافظة كركوك جوان حسن عارف، في تصريح إلى "العرب اليوم"، أن "مجلس المحافظة يعمل منذ فترة للحد من ظاهرة التسول في المحافظة، ولكن بسبب الوضع الخاص لمحافظة كركوك لم نستطع إيجاد حل نهائي للموضوع"، عازية أسباب انتشار ظاهرة التسول إلى "سهولة دخول هؤلاء المتسولين إلى المحافظة، آتين من مناطق مختلفة من العراق". وتشير عارف إلى أن "هناك متعهدين وشبكات"، مؤكدة أن "مجلس المحافظة قام بإجراءات عدة، بالتعاون مع شرطة كركوك والقائممقامية، تمثلت في تنفيذ حملة لملاحقتهم، وإلقاء القبض على رؤساء الشبكات، والمتعهدين الذين يستأجرون أطفالاً ويجندونهم، وقد نجحت الحملة في تقليل أعداد المتسولين".

egypttoday
egypttoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ظاهرة التسول في كركوك العراقية بين معاناة اللاجئين السوريين ومهارات المبدعين ظاهرة التسول في كركوك العراقية بين معاناة اللاجئين السوريين ومهارات المبدعين



الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ظاهرة التسول في كركوك العراقية بين معاناة اللاجئين السوريين ومهارات المبدعين ظاهرة التسول في كركوك العراقية بين معاناة اللاجئين السوريين ومهارات المبدعين



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon