قبل ما يزيد على القرن أرسل آرثر جيمس بلفور، إلى اللورد ليونيل والتر دى روتشيلد، رسالة بتاريخ 2 نوفمبر 1917 أشار فيها إلى تأييد حكومة بريطانيا إنشاء وطن لليهود فى فلسطين فيما عرف بوعد بلفور والذى وصف لاحقاً بأنه «وعد من لا يملك لمن لا يستحق»، وبعد مرور ما يزيد عن العشرة عقود تتحول إسرائيل التى تعاملها الولايات المتحدة كطفل مدلل إلى قوة تقدم وعوداً بشأن ما لا تملكه إلى من لا يستحق، فبعد أن نجحت فى بسط نفوذ استيطانى على أرض فلسطين، تعمد الآن إلى الاستيلاء على الجولان بعد أن احتلتها عام 1967، بل وتجامل القوة العظمى المؤيدة لها فى العالم بإطلاق اسم رئيسها دونالد ترامب على مستوطنة جديدة فى الجولان.
زمان.. «جولانيتس» تحتضن مختلف الأعراق.. والحركة الصهيونية تسعى للسيطرة على مياهها
تزخر كلمة «الجولان» بالعديد من المعانى والدلالات التى كان لمنطقة الجولان السورية نصيب فى الكثير منها، إذ إن الكثير من هذه المعانى تنطبق إلى حد بعيد على الخصائص الجغرافية للمنطقة، فالجولان فى اللغة هو اسم مشتق من الفعل جال، والمراد بها حركة الناس بالتنقل والترحال، أما فى الآرامية فقد أطلق على الجولان اسم جيلان أو جلانا أو جولانا وتشير إلى معنى التجوال والتنقل أيضًا.
وتوضح ورقة بحثية للباحثة أسماء شهوان لاستكمال رسالة ماجستير من كلية الدراسات العليا بجامعة النجاح الوطنية فى نابلس، ارتباط الأسماء التى أطلقت على الجولان بطبيعة المنطقة الرعوية وحاجة الإنسان المستمرة للبحث عن مصدر غذاء له ولحيواناته خاصة مع وجود فرق فى درجة الحرارة بين الشمال والجنوب، وهو ما فرض على الإنسان وحيواناته دوام الحركة والتنقل بحثا عن الكلأ.
أقرأ أيضًا:
بنيامين نتنياهو يستقر على موقع بناء مستوطنة ترامب في مرتفعات "الجولان"
وأطلق اليونانيون على الجولان اسم «جولانيتس» ثم تحول فى العصر الرومانى إلى «جولانيتيد» وأجمعت المصادر التاريخية المختلفة، حسبما تشير الورقة البحثية، إلى أن ظهور اسم الجولان فى المصادر القديمة وبلغات متعددة إنما يدل على قدم الاسم من جهة وعلى أهمية المنطقة ودورها الحضارى على مدار الحقب الزمنية المختلفة من التاريخ من جهة أخرى.
وفى الوقت نفسه أوضحت مصادر أخرى أن كلمة «جولان» مشتقة لغوياً من كلمة «أجوال» وتعنى البلاد التى يكثر فيها الغبار، وفى ضوء هذا المعنى، يشير كتاب «الجولان- دراسة فى الجغرافية الإقليمية» الذى ألفه الدكتور أديب سليمان باغ، كبحث تقدم به 1958 إلى جامعة باريس للحصول على درجة دكتوراه الآداب، إلى أن اختيار اسم «الجولان» للمنطقة فى محله، إذ غالباً ما يتسبب هبوب الرياح وعجيج الغبار فى تعرض عيون أهالى المنطقة إلى أمراض الرمد التى تنتشر خلال الفترة بين نهاية فصل الصيف وبداية الخريف، حين يفقد معظم الأرض الغطاء النباتى بحلول الحصاد وبداية فصل الجفاف، حيث يتغير اتجاه الرياح وينعدم انتظامها وتبدأ ثورة الزوابع والأتربة.
وفى العصر الإسلامى تحول الجولان إلى قاعدة لانطلاق الجيوش الإسلامية خاصة فى فترة الفتوحات، وشيد الأيوبيون سور بانياس القائم حتى اليوم، ويحتوى على أبراج مربعة أقيمت لأغراض عسكرية ودفاعية أيضا، وفى الحقبة العثمانية شهد الجولان نوعا من النمو والتطور خاصة بعد قدوم الشركس والتركمان الذين أنشأوا فيه العديد من القرى والمدن، ومن أرض الجولان مر الخط الحديدى- الحجازى الذى كان يتجه إلى فلسطين فى زمن العثمانيين، وأنبوب البترول السعودى (التابلاين) الذى يصب على الساحل اللبنانى فى منطقة الزهرانى.
الاسم الجغرافى للمنطقة «الجولان» كان موجوداً أيضاً خلال العصور الكلاسيكية، وكان يطلق فى العصر الرومانى اسم «أرض الجولان» على المنطقة الواقعة ما بين سفح جبل خرمون واليرموك من الشمال إلى الجنوب وما بين بحيرة طبرية ونهر العلان من الغرب إلى الشرق، وهو ما يتطابق مع حدود الجولان المعاصرة، حسبما يوضح كتاب «أديب»، أنه قبل الإسلام، أطلق العرب اسم الجولان على جبل فى بلاد الشام أى فى سوريا، يعرفونه بـ «جبل الجولان»، وأنه كان يقع فى المنطقة التى تشكل جزءاً من إمارة الغساسنة العرب الذين حكموا سوريا الجنوبية وعاشوا فيها وتركوا فيها آثاراً تنتشر فى أنحاء كثيرة فى البلاد.
ويعد الجولان وحدة جغرافية إقليمية وهو ما يؤكده العديد من الأدلة حسبما يوضح كتاب «أديب»، فإلى الغرب منه يقع نهر الأردن وحوض الحولة وبحيرة طبرية وبين فلسطين، حيث يشكل نهر الأردن والحولة وطبرية عناصر من الغور (الوادي) الذى يبلغ عمقه حوالى 400 متر إلى شرق الحولة و500 متر شرقى طبرية، وعلى مستوى القرية السورية كفر حارب، وهذا الانحدار العميق يشكل جرفاً عالياً يطل على أرض فلسطين، أما وادى اليرموك الذى يفصل بين الجولان وشرق الأردن فيبلغ عمقه 300 متر عند مصب نهر العلان فى نهر اليرموك، وبذلك فإن الجولان بموقعه فى قلب بلاد الشام، يجمع بين 4 أقطار هى سوريا، ولبنان، وفلسطين والأردن.
وعن الطبيعة المناخية للمنطقة يشير الكتاب إلى أن الجولان يتميز باستمرار هطول الأمطار بغض النظر عن كميتها، وللمناخ والمياه تأثير على الجغرافيا النباتية للمنطقة إذ إنها أغنى فى الأشجار والنباتات، ولكن مع مرور الزمان ونتيجة لانتشار القطعان والمواشى التى يرعاها البدو تأثرت المساحات الخضراء للمنطقة، وتأثرت الغابات التى كانت تغطى كل سطح الجولان فى الماضى، ولكن كمية الأمطار التى تتساقط على المنطقة كانت كافية لإنبات أشجار جديدة لو نجت من فؤوس الحطابين، إذ تصنف تربة الجولان من مجموعة التربة الكستنائية حسب الدكتور فان لير، الذى نقل «أديب» عنه هذا التقييم.
وعن الجغرافيا البشرية للمنطقة، يوضح كتاب «أديب» أنها تعد من الخصائص المميزة للجولان إذ إنه يضم سكاناً سوريين ولكن من أصول عرقية مختلفة عرب وتركمان وجراكسة وأكراد وأرمن، هذا إلى جانب التعدد فى العقائد الدينية والتعدد فى الفعاليات، فكان منهم البدو الرعاة ومنهم الفلاحون المستقرون العاملون فى الزراعة أو فى رعى المواشى، وكذلك المشتغلون بالأخشاب أو الكرمة أو زراعة الأُرز.
وفى العصر الحديث ارتبط البحث من جديد عن أصل اسم «الجولان» بـ «نشوء الصراع العربى- الإسرائيلي»؛ حيث أخذ موضوع الجولان بعدًا سياسيا نتيجة محاولة الصهاينة إعادة الاسم إلى اللغة العبرية لتثبيت الحق اليهودى فى أرض الجولان وربطه بمقولة أرض الميعاد، حسبما توضح الورقة البحثية لأسماء شهوان؛ إذ إن المزايا العديدة التى تتمتع بها هضبة الجولان فى سوريا، وخاصة توافر مصادر المياه وتنوع التضاريس واختلاف درجة الحرارة بين الشمال البارد والجنوب الحار، جعلتها مطمعاً لإسرائيل التى لم تدخر جهداً فى الترويج لمزاعم تبعيتها لها، وأسفر هذا عن محاولات متكررة لامتلاكها والاستيطان فيها قبل عقود من احتلالها. وتوضح الدراسة، أن الحركة الصهيونية سعت لإقناع حكومة الانتداب البريطانى بإعادة ترسيم الحدود الفلسطينية- السورية، بما يضمن لها السيطرة على مصادر المياه فى المنطقة.
وقدر عدد سكان الجولان عام 1967 بحوالى 138 ألف نسمة كانوا يعيشون فى 139 قرية، وبعد حرب 1967 واحتلال إسرائيل لهضبة الجولان تم تهجير ما مجموعه 131 ألف نسمة من السكان، وكان من بين المهجرين 10 آلاف من اللاجئين الفلسطينيين الذين هاجروا واستقروا فى الجولان أثناء نكبة 1948 وضمت قوات الاحتلال الإسرائيلى عام 1967 معظم القرى والبلدات السورية فى هضبة الجولان البالغ عددها 139 قرية ولم يتبق منها سوى 6 قرى فقط. هى عين قينيه، بقعاتا، مجدل شمس، الغجر، مسعدة وسحيتا.
وعمدت إسرائيل بعد احتلالها هضبة الجولان عام 1967 إلى مجموعة من الإجراءات لتهويد الأرض وتهجير السكان، تمهيدًا لإقامة المستوطنات التى لاقت إجماعاً من الأحزاب الإسرائيلية لأهمية المنطقة، وأدت هذه الإجراءات إلى ضم الجولان للكيان الصهيونى عام 1981 بعدد من الادعاءات الدينية والأمنية والاقتصادية لتبرير ضمها، وبلغ عدد المستوطنات الإسرائيلية فى هضبة الجولان بحلول عام 2000 حوالى 34 مستوطنة، ورغم المقاومة الشرسة من جانب السكان المحليين للجولان فإن بطش القوة القمعية لإسرائيل من جهة وقلة عدد سكان الجولان من جهة أخرى حال دون نجاح المقاومة.
الآن .. إسرائيل تتوغل فى الاستيطان ..وتجامل واشنطن من أرض الغير
لم تكتف إسرائيل بأن وضعت يدها على أرض لا تمتلكها بسطوة الاحتلال والتهجير وإنما امتد تطاولها على ما لا تستحق بأن تجامل القوة الداعمة لها وهى الولايات المتحدة التى تعامل إسرائيل كطفل مدلل وتسعى دوماً لأن تجعل منها قوة نافذة ومسيطرة على المنطقة العربية.
ومؤخراً، اقترح رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، إنشاء مستوطنة جديدة فى هضبة الجولان المحتلة تحمل اسم الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، وأعلن مكتب رئاسة الوزراء الإسرائيلى، قبل يومين، أن مجلس الوزراء سيجتمع اليوم الأحد، فى هضبة الجولان المحتلة، للتصويت على تسمية مستوطنة باسم ترامب، وذلك بعد اعتراف ترامب بسيادة الدولة العبرية على هضبة الجولان السورية التى احتلتها إسرائيل فى 1967.
وجاء فى بيان لمكتب «نتنياهو» أن «رئيس الوزراء سيعرض على الحكومة التصويت على إنشاء بلدة جديدة فى الجولان باسم الرئيس ترامب»، وأضاف «أن مجلس الوزراء سيجتمع فى هضبة الجولان اليوم من أجل شكر الرئيس ترامب على اعترافه بسيادة إسرائيل على الجولان»، فيما قالت وسائل إعلام إسرائيلية إن المستوطنة الجديدة ستحمل اسم «مرتفعات ترامب».
وجاءت صيغة مقترح القرار الذى قدمته سكرتارية الحكومة للوزراء، كالآتى: «تقديرا لجهود الرئيس الأمريكى الـ 45، الرئيس دونالد ترامب، من أجل دولة إسرائيل فى مجموعة واسعة من المجالات، وإعرابا عن امتناننا للاعتراف الأمريكى بالقدس عاصمة لإسرائيل والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان بقيادة الرئيس دونالد ترامب، تقرر الشروع فى إنشاء تجمع جديد فى الجولان يسمى: هضبة ترامب».
ووقع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى مارس الماضى إعلانا يعترف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان، وقال ترامب فى حينه فى البيت الأبيض وإلى جانبه رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو «لقد جرى التخطيط لهذا الأمر منذ فترة»، ووصف نتنياهو فى حينه الاعتراف بـ«التاريخي» وقال إن «مرتفعات الجولان ستظل إلى الأبد تحت السيطرة الإسرائيلية»، وقال «لن نتخلى عنها أبدا»، كما أعلنت الحكومة السورية وقتها أن اعتراف واشنطن بضم الجولان لإسرائيل «اعتداء صارخ على سيادة ووحدة أراضي» سوريا.
وتجدر الإشارة إلى أنه لا يزال نحو 18 ألف سورى يقيمون فى الجولان المحتل يرفض معظمهم الجنسية الإسرائيلية، مع نحو 20 ألف مستوطن يهودى.
وقد يهمك أيضًا:
"مستوطنة ترامب" قريبا على مرتفعات الجولان المحتل
غارات روسية تضرب ريف إدلب والجولاني يجتمع بقياديين أتراك لصد هجومٍ مُحتمل
أرسل تعليقك