كرسي الحكم من أحد أكثر المغريات الموجودة في العالم، فالدخول إلى جنة السياسة والسلطة ليس كالخروج منها، خاصة في أنظمة الحكم التي لا تعترف بالتداول السلمي للسلطة أو التي تشهد ثورات داخلية أو غزوات عسكرية خارجية تفضي لتغيير الحاكم بالقوة، حكام كانوا ملوكًا أو حكموا كالملوك لكنهم لاقوا نهايات مأساوية ما بين إذلال علني وسجن وقتل لهم ولأفراد عائلاتهم.
ونستعرض في التقرير التالي أبرز النهايات الأكثر تراجيدية لحكام كانوا يومًا من أقوى الرجال وأكثرهم سلطة ونفوذًا في بلادهم والعالم:
1 – لويس السادس عشر وماري أنطوانيت
كانت فرنسا في القرن الثامن عشر من أقوى الدول وأغناها في أوروبا والعالم وكان قاطن قصر فرساي الملكي الشهير في ضواحي باريس يحكم ملايين البشر داخل فرنسا وفي مستعمراتها المترامية الأطراف، وبالرغم من هذا، لم يحم الملك لويس السادس عشر وزوجته ماري أنطوانيت من ثورة شعبية عارمة اندلعت عام 1789 بسبب تردي الأوضاع المعيشية للشعب الفرنسي من جهة وتأثير أفكار عصر التنوير من جهة أخرى، حيث لم يعد كثير من الناس يتقبلون فكرة الملكية المطلقة والحق الإلهي في الحكم التي كانت تقوم عليها ملكيات أوروبا آنذاك.
هذه الثورة أسقطت الملك وزوجته المترفة من عليائهما فانتقلا من سكنى القصور إلى زنزانة حقيرة اقتيدا إليها وسط إهانات الثوار واحتقارهم لهم قبل أن يتم سوقهما إلى المقصلة في ميدان الكونكورد في باريس عام 1793 في حضور الآلاف من سكان العاصمة الذين هللوا للإعدام، أما ولي العهد الطفل لويس السابع عشر فقد مات في السجن عام 1795 وهو بعد في العاشرة من عمره بعد إصابته بالسل وبسبب الإهمال.
2 – نيكولا الثاني وأسرته
حكم آل رومانوف الإمبراطورية الروسية المترامية الأطراف لنحو ثلاث قرون من الزمن، ومطلع القرن العشرين كان القيصر نيكولا يحكم نحو 23 مليون كيلو متر مربع من الأراضي و180 مليونًا من البشر، لكن اندلاع الحرب العالمية الأولى والهزائم التي تتالت على الجيش الروسي على الجبهة أدت لاشتعال البلاد بثورة شعبية عام 1917 سرعان ما استغلها البلاشفة لصالحهم خاصة بعد عودة قائدهم لينين إلى البلاد، فاعتُقل القيصر مع أسرته وأُرسلوا إلى المنفى في سيبيريا ومن بعدها إلى بلدة قرب جبال الأورال.
وفي عام 1918 خشي البلاشفة أن ينجح أنصار القيصر في تحريره وإعادته للعرش فتم إعدامه رميًا بالرصاص مع زوجته ألكسندرا وبناته الأربعة وابنه الوحيد وولي عهده الطفل ألكسي، وتم دفنهم جميعًا في الغابة القريبة من الكوخ الذي كانوا يعيشون فيه حيث ظلوا راقدين هناك لعقود طويلة حتى تم انتشال ما تبقى من جثامينهم ونقلها إلى كنيسة في سان بطرسبورغ بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.
3 – موسوليني
حكم الدوتشي بنتو موسوليني وحزبه الفاشي إيطاليا بيد من حديد منذ بداية العشرينات من القرن الماضي ووعد شعبه بإعادة مجد روما القديمة، وبالفعل فقد حقق العديد من الإنجازات الاقتصادية والسياسية والعمرانية، كما وسّع إمبراطورية إيطاليا الاستعمارية في أفريقيا، وقد كان من الممكن أن يتذكر الإيطاليون موسوليني كحاكم قوي وصالح لولا تورطه في التحالف مع ألمانيا النازية، فقد دخل الجيش الإيطالي الحرب دون أن يكون زادها خصومه الشيوعيون.
ومع تقدم قوات الحلفاء عام 1945 حاول “الدوتشي” الفرار متنكرًا مع عشيقته لكن قوات المقاومة الشعبية التي كان يسيطر عليها الشيوعيون ألقت القبض عليه وأعدمته رميًا بالرصاص وقامت بعرض جثته وجثة عشيقته كلارا بياتشي وعدد من أعوانه في ساحة عامة في ميلانو معلقة رأسًا على عقب في حين تجمعت الجماهير وراحت تشتمهم وتبصق عليهم.
هذه النهاية المروعة لموسوليني أرعبت حليفه هتلر الذي خاف أن يتعرض لنفس النهاية بعد دخول الحلفاء إلى برلين فقرر الانتحار، وأمر حراسه المخلصين أن يحرقوا جثته وجثة زوجته إيفا براون حتى لا يستطيع الحلفاء التنكيل بها أو عرضها على العامة كما حصل لموسوليني.
4 – الملك فيصل الثاني وعبد الإله ونوري السعيد
في عام 1958 شهد العراق انقلابًا عسكريًا قاده ضباط قوميون ويساريون ضد حكم الأسرة الهاشمية أطلق عليه اسم ثورة "14 يوليو"، قام الجيش صبيحة الانقلاب باقتحام مقر إقامة الملك فيصل الثاني في قصر الرحاب حيث قام الجنود بقتل الملك وخاله الأمير عبد الإله وأفراد من الأسرة المالكة، أما نوري السعيد باشا رئيس الحكومة ورجل النظام القوي فقد حاول الفرار من منزله بعد سماعه خبر الانقلاب لكن أفراد مفرزة أمنية اكتشفوا أمره وقاموا بقتله.
لكن القصة لم تنته هنا فبعد دفن نوري السعيد وعبد الإله بوقت قصير قامت الجماهير الغاضبة بنبش قبورهم وسحل جثثهما في شوارع بغداد، فقد كان الرجلان مكروهين من أفراد الشعب العراقي بسبب علاقتهما مع الإنجليز ودورهما في إحباط ثورة رشيد عالي الكيلاني عام 1941 وكذلك بسبب الشبهات التي دارت حول علاقتهما بوفاة الملك غازي الذي قتل عام 1939 في حادث سيارة يعتقد البعض أنه كان مدبرًا.
5 – نيكولاي شاوشيسكو
حكم نيكولاي شاوشيسكو رومانيا لنحو ربع قرن بصفته رئيسًا للدولة وأمينًا عامًا للحزب الشيوعي الحاكم وقد كان في بداية حكمه محبوبًا من الشعب الروماني بسبب انتقاده لموسكو وانتهاجه لسياسات متمايزة عن حلف وارسو، كما نجح في إقامة علاقات جيدة مع بعض الدول الغربية كبريطانيا وفرنسا، لكن سوء الأحوال الاقتصادية وانهيار الأنظمة الشيوعية في أوروبا الشرقية أدى لقيام انتفاضة شعبية في رومانيا عام 1989.
بدأت الانتفاضة حين كان شاوشيسكو يلقي كلمة في جمع من المواطنين الذين راحوا يقاطعونه منادين بسقوطه ما أدى لانسحابه وقيام التلفزيون الرسمي بقطع البث، وبعدها سارت المظاهرات في الشوارع وأيد الجيش الانتفاضة وألقي القبض على شاوشيسكو وزوجته وأعدموا رميًا بالرصاص بصورة مهينة أمام كاميرات التلفزيون بعد محاكمة صورية سريعة.
6 – محمد نجيب الله
أصبح الدكتور محمد نجيب الله رئيسًا لأفغانستان عام 1987 في وقت كانت البلاد تعاني من ويلات الحرب الأهلية بين النظام الشيوعي المدعوم من السوفييت وقوات المجاهدين المدعومة من الغرب والجارة باكستان، وفي عام 1989 انسحبت القوات السوفييتية من أفغانستان تحت وطأة الخسائر البشرية الكبيرة التي تكبدتها وفي عام 1992 استقال نجيب الله من منصبه ولجأ إلى مقر الأمم المتحدة في كابول حيث ظل محتجزًا هناك أربع سنوات بسبب رفض المجاهدين السماح له بمغادرة البلاد.
في عام 1996 استولت حركة طالبان على كابول وقامت باقتحام مقر الأمم المتحدة حيث قتلوا الدكتور نجيب الله مع شقيقه بعد أن قاموا بإخصائهما وقاموا بتعليق جثثهما وعرضها على سكان كابول.
7 – صدام حسين
حكم صدام حسين العراق حكمًا مطلقًا كنائب للرئيس أحمد حسن البكر من 1968 إلى 1979، وكرئيس للجمهورية من 1979 بعد تنحي البكر عن الحكم في ظروف ما تزال غامضة حتى اليوم.
وباستخدام مفرط للعنف – حسب ما ذكرته التقارير الإعلامية والحقوقية – أحكم صدام قبضته على العراق وأدخله في حروب طويلة أنهكته واستنزفت طاقاته وثرواته، ولكن في عام 2003 قامت القوات الأميركية بغزو العراق بحجة امتلاكه لأسلحة دمار شامل وأسقطت نظام الرئيس صدام حسين الذي توارى عن الأنظار، قبل أن يلقى القبض عليه وتنشر صوره على شاشات التلفزة بذقن طويلة وشعر أشعث بعد أن عثر عليه داخل مخبأ هو عبارة عن حفرة مهواة في مزرعة في إحدى ضواحي تكريت.
وقبل ذلك كانت القوات الأميركية قد قتلت ولدي صدام قصي وعدي وحفيده مصطفى، حوكم صدام أمام محكمة عراقية تابعة للنظام الجديد الذي نصبه الاحتلال الأمريكي على العراق وصبيحة يوم 30 كانون الأول/ ديسمبر 2006 تم إعدامه شنقًا.
8 – معمر القذافي
وصل العقيد الليبي معمر القذافي إلى السلطة في ليبيا عام 1969 عقب انقلاب عسكري أطلق عليه اسم ثورة الفاتح من أيلول سبتمبر حول بموجبه ليبيا من مملكة إلى جمهورية ثم جماهيرية، وفي البداية نال القذافي شعبية كبيرة في ليبيا والعالم العربي بسبب مواقفه الثورية كتأميم النفط وإغلاق القواعد الأمريكية حتى لقبه البعض بـ"جيفارا أفريقيا"، لكن الصورة سرعان ما تغيرت في السنوات اللاحقة فبات القذافي مثار تندر بسبب غرابة أطواره وتصرفاته.
وبعد أن كان يومًا ألد أعداء الملكيات قرر في أواخر أيامه أن يطلق على نفسه لقب ملك ملوك أفريقيا، في عام 2011 اندلعت في مدينة بنغازي انتفاضة شعبية كان القذافي قادرًا على إخمادها لكن تدخل قوات حلف الناتو التي غزت ليبيا دعمًا للثوار أدى لسقوط حكم القذافي الذي ألقى الثوار القبض عليه خلال محاولته الفرار وقتلوه أمام الكاميرات بصورة مهينة وبدون محاكمة وقاموا بعرض جثته لأيام على شاشات التلفزة.
أرسل تعليقك