تونس ـ وكالات
ولد موردخاي عزرا في جزيرة جربة بولاية مدنين جنوب شرقي تونس، عاش طفولته فيها، وانتقل إلى تونس العاصمة للالتحاق بالجامعة.بعد تخرجه في كلية التجارة، عاد إلى مسقط رأسه ليفتتح متجرا لبيع آثاث خشبي للقرى السياحية التي تملأ جربة التي تقع على ساحل البحر المتوسط، واستحقت لقب "جزيرة الأحلام عن استحقاق" نظرا لمناظرها الطبيعية الخلابة.احتفل موردخاي بعيد ميلاده الستين منذ أيام، وهو أب لثلاثة أولاد: بنتان وولد. استر، وريما و موشيه. تلقى الثلاثة تعليمهم الجامعي في باريس واستقروا فيها.لكنهم يحرصون على زيارة تونس كل عام في مناسبة دينية يهودية تعرف باسم "إيلولا" أو الحج اليهودي إلى جربة، حيث يوجد كنيس "غريبة"، أقدم كنيس يهودي في إفريقيا."لماذا أهاجر من بلدي مادامت الأمور المادية والاجتماعية على ما يرام؟"، يسأل موردخاي مستنكرا، بعد أن التقيته وآخرين من الحجيج اليهود التونسيين أو من أصل عربي داخل الكنيس.رفض موردخاي أكثر من مرة فكرة الهجرة إلى فرنسا، كما فعل أولاده وكثير من يهود تونس الذين قل عددهم من مائة ألف يهودي عام 1956 بعد الاستقلال من فرنسا إلى نحو 1,500 شخص فقط عام 2013.فالبنسبة له "جربة هي الحياة والهوية"، قالها موردخاي، بعد أن أشعل شمعة ووضعها على طاولة خشبية داخل الكنيس، ممارسا إحدى شعائر الحج اليهودي.سأم يهود تونس من أسئلة الصحفيين التي توحي بأنهم أقلية في البلاد، من قبيل:"هل تستطيع أن تسير بالكابا (طاقية اليهود الدينية) في جربة؟ "وهل أنت يهودي تونسي أم تونسي يهودي؟""لقد سئمنا من هذه الصور النمطية التي يروج لها الإعلام الغربي بصورة غريبة، بل إن وسائل الإعلام في الدول الأوروبية كبريطانيا وفرنسا تتباكى على أحوالنا وكأننا تعرضنا لإبادة جماعية"، كما قال خضير حنينا، الذي حرص على "الحصول على البركة" من أحد حاخامات الكنيس، بوضع رأسه تحت يديه فيما قرأ رجل الدين بضعة آيات من التوراة يحفظها عن ظهر قلب.يقول كوهين، وهو تاجر حلي فضية في حي حومة السوق بجربة، أن كثيرا من الصحفيين الأجانب يرون في يهود تونس مادة خصبة للإثارة "لأننا لدينا كل المكونات اللازمة لإثارة شهية القارئ: الديانة وهي اليهودية، ووجودنا في دولة تقطنها غالبية مسلمة، واتقان بعضنا العبرية".نحن مواطنون أصليون "عشنا في جربة قبل وصول الإسلام والمسيحية،" يضيف جازما، بعد احتسائه شربة من نبيذ "البوحة" المستخرج من ثمار التين والذي يشتهر بصناعته يهود تونس، وتناول هذا النوع من النبيذ تحديدا هو أحد مظاهر الاحتفالات في الحج اليهودي.
لجربة تحديدا مكانة خاصة لدى يهود تونس، فهي معقل اليهودية ومقر كنيس "غريبة" الذي يعتقدون أنه بني بحجارة استجلبت من هيكل سليمان الأول في مدينة القدس.
"جربة مكان قديم وأقدس مكان لنا ولليهود من أصل عربي"، كما يقول موردخاي، الذي يمزج العربية بالفرنسية كأغلب التونسيين.وتقول لافتة معلقة داخل كنيس "غريبة" ومكتوبة بأربع لغات (العربية والانكليزية والفرنسية والألمانية) "يرجع عهد هذا المقام العتيق والمقدس المعروف بالغريبة إلى عام 586 قبل الحساب الافرنجي أي منذ خراب الهيكل الاول لسليمان تحت سلطة نبوخذ نصر ملك بابل وقد وقع ترميمه عبر العصور"."لا أريد التحدث عن اليهود في إطار الأقلية. نحن لسنا برشة (كلمة عامية تعني كثير) ولكننا ابناء هذا الوطن"، تقول شراح وهيب، بعد أن وضعت ما يعرف في المعتقدات اليهودية "ببيضة الأماني" داخل مغارة صغيرة شقت في جدار داخل كنيس "غريبة"، حيث يعتقد اليهود أن الآماني التي يدونونها على قشرة البيض ستتحقق ببركة الكنيس.ندما تبحث بالإنجليزية أو بالعربية في الانترنت عن "يهود تونس"، ستجد مقالات وتقارير صحفية تهيمن عليها عنواين من قبيل "مستقبل غامض"، و"الصراع من أجل البقاء"، و "التحدث عن الأقلية اليهودية في تونس بصيغة الماضي قريبا."فيكتور الطرابلسي، وهو ابن رئيس الجالية اليهودية في تونس بيرز الطرابلسي، يعتقد أن الصحفيين الأجانب يأتون إلى جربة أو تونس "لتصويرنا كأقلية مضهدة في دولة إسلامية محاطة بالسلفيين من كل جانب بعد ثورة الياسمين (التي أطاحت الرئيس زين العابدين بن علي عام 2011)، أو أن عددنا تناقص عبر السنين بسبب الاضطهاد أو التمييز، وهذه أفكار مغلوطة تماما، بل أن بعضهم يحرفون كلامنا بحثا عن الإثارة فقط".لا أثر لما يروج في بعض وسائل الإعلام الغربية عن مقاطع للفيديو على الانترنت لسلفيين متشددين يتوعدون بقتل اليهود في تونس، كما أن تكسير بعض شواهد المقابر اليهودية في العاصمة جاء في إطار عام شمل مقابر وأضرحة للصوفيين أيضا، وليس كما صور في الإعلام على أنه استهداف ليهود تونس.يهود تونس أيضا يعتقدون أن الإسلاميين المتشددين في تونس أقلية، لكنهم يثيرون مخاوف وقلق أغلبية التونسيين على اختلاف معتقداتهم، سواء كانوا مسلمين، أم بهائيين، أم يهود."اليهود ليسوا استثناءً، لأنهم جزء من نسيج تونس، أتمنى أن يأتي اليوم الذي ينظر فيه العرب والعالم إلى يهود تونس كمواطنين تونسيين بغض النظر عن الديانة"، يقول موردخاي.
أرسل تعليقك