كانت أزمة رهائن عين أمناس اختباراً جديداً لأداء الجزائر واستراتيجيتها في حربها ضد الإرهاب. العملية العسكرية الخاطفة وتحرير الرهائن، في حد ذاتها أثارت جدلا وانتقادات، والأداء الإعلامي والسياسي للحكومة كذلك.لا يزال "الصمت المطبق" الذي اعتمدته الحكومة الجزائرية في بداية أزمة الرهائن الجزائريين والأجانب على إثر الهجوم الإرهابي على المنشأة الغازية بـ "تيقنتورين" بولاية إليزي (جنوب شرق الجزائر)، يثير الجدل وسط الأحزاب السياسية، والمتابعين لأطوار الأزمة منذ بدايتها. كما أن العملية التي نفذتها القوات الخاصة للجيش، لتحرير الرهائن، أثارت انتقادات وجدلا بالنظر للحصيلة الثقيلة لضحاياها من الرهائن.فإعلاميا، تساءل الكثير من المواطنين حول سبب الغياب المثير لرئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، ورئيس الوزراء عبد الملك سلال، أثناء المحنة الكبيرة التي عاشها الجزائريون ومعهم الرأي العام الخارجي وخصوصا الدول التي كانت لها رعايا ضمن الرهائن. وما أثار سخط الجميع، هو تلك المعلومات الغامضة والمتناقضة التي أدلى بها كل من دحو ولد قابلية، وزير الداخلية، ومحمد السعيد أوبلعيد، وزير الاتصال، ووكالة الأنباء الجزائرية. وقد شهد اليوم الثاني من الأزمة، تناقل كل الفضائيات العالمية ووكالات الأنباء العالمية، خبر مقتل 34 رهينة أجنبية في غارات شنّها الطيران الحربي الجزائري على موقع حقل الغاز، وهو خبر تبين فيما بعد أنه غير صحيح، لكنه خلف حالة سخط واستياء دولي من الجيش الجزائري، ولم يكلف المسؤولون الجزائريون أنفسهم عناء تكذيب الخبر. مما عرض الجزائر حينها لانتقادات شديدة اللهجة من قبل حكومات أوروبية واليابان والرأي العام العالمي.
توجيه انتقادات حادة لأداء رئيس الوزراء الجزائري عبد المالك سلال وحكومته أثناء أزمة رهائن عين امناس
ولا تزال الحكومة الجزائرية تواجه متاعب لتداعيات خيار "التعتيم الإعلامي"، حيث تطالب الآن الدول التي فقدت مواطنيها في عين أمناس، بأدقّ التفاصيل والمعلومات عما جرى في الهجوم الإرهابي، وعملية التحرير. فيما تتوسع دائرة الأحزاب والمواطنين المنتقدين للقرار الانفرادي للسلطة وعدم إشراك المواطن والطبقة السياسية في القضايا المصيرية، على غرار فتح المجال الجوي الجزائري أمام الطائرات الفرنسية لشن الحرب في مالي، بل وصلت أحزاب المعارضة المنضوية في مجموعة ''الدفاع عن الذاكرة'' إلى حد توجيه الاتهامات للسلطة بالتخلي عن مبادئ الدولة والرضوخ لإملاءات خارجية.ويرى الدكتور عمر بوساعدة، الأستاذ في كلية العلوم السياسية والإعلام، أن الجزائر انتهجت أسلوبا ناجعا في إدارتها للأزمة الإرهابية الأخيرة، باعتمادها على إعلام أمني يرتكز على "الغموض والسرية"، وهذا الأسلوب نابع من مبادئ المدرسة الجزائرية الأمنية الإعلامية الموروثة من حقبة حرب التحرير.
وأضاف بوساعدة في حواره للإذاعة الجزائرية، "على الرغم من غياب التسويق الإعلامي الجيد لمواقف الجزائر إزاء هذه الأحداث الإرهابية، إلا أن الغموض والسرية يمثلان نقطة قوة في إستراتجية الجزائر في التعامل مع هذه الأزمة، وهي إستراتيجية مغايرة لكل الأساليب العالمية في إدارة الأزمات، وهذه الطريقة فاجأت الدول الغربية بما فيها أوروبا وأمريكا الذين تغيرت مواقفهم عقب نهاية الأزمة، واثنوا على الطريقة التي تجاوزت بها الجزائر هذه الأزمة، في ظرف قصير وتمكنها من تحقيق النتائج المرجوة". ويبرر أستاذ جامعة الجزائر غياب ناطق باسم الدولة، بأن الأزمة كانت مفاجئة.ويعتقد بوحنية قوي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة قاصدي مرباح بورقلة، أن أهم ما يمكن استنتاجه من عملية "تيقنتورين" هو أن الجزائر في ضربتها العسكرية بيد من حديد ضد الجماعة الإرهابية، كشفت عن "إستراتيجية عسكرية مشرفة، وكان خيارها العسكري موفقا إلى حد بعيد، بدليل تزكية الإدارة الأمريكية للعملية، وحملت الجماعة الإرهابية مسؤولية قتل الرهائن، وتوالت رسائل التأييد من فرنسا وبعض دول أوروبا والمنظمات الدولية".لكن الدكتور قوي، يرى أن النقطة السوداء التي أفرزتها الأزمة تتمثل أساسا في غياب إستراتيجية إعلامية سريعة وذكية تسوق لهذا التحرك، بشكل يجعل الدبلوماسية الإعلامية والماكنة العسكرية والمقاربة الأمنية أدوات تتكامل مع بعضها البعض في رؤيتها للوضع، "لكن للأسف كان المواطن الجزائري يستقصي أخبار عين أمناس من الفضائيات ووكالة الأنباء العالمية".
الاعلامي الجزائري مروان ألوناس: العملية كانت بحاجة إلى متحدث ميداني من منطقة العملياتويرجع أستاذ العلوم السياسية ذلك إلى أن السلطة الجزائرية ترى دوما بأن الإعلام ليس ضمن أولوياتها، وهو ما يفسر أن الإصلاح الإعلامي كان متأخراً، "وجاء فتح المجال السمعي والبصري، بشكل غير رسمي، للدكاكين الإعلامية التافهة والمتملقة، وغير واضحة الرسالة".
ويعتقد الإعلامي مروان الوناس، أن عجز الطريقة التي انتهجت في إدارة الأزمة إعلاميا عكسه الاضطراب والتناقض في تصريحات بعض الوزراء الذين سمح لهم بالتحدث عن الموضوع، "رغم أن العملية كانت بحاجة إلى متحدث ميداني من منطقة العمليات". ويضيف الوناس "أن غياب المعلومات الصحيحة وتعمد الحكومة عدم تمكين الرأي العام من الأخبار الحقيقية، فتح الباب أمام شكوك الدول التي لها رهائن محتجزون، حيث أخذوا المعلومات القليلة التي أعطيت بتحفظ وريبة، ما جعل موقف السلطات الجزائرية هشا وتبريراتها غير مقنعة، وراويتها للأحداث محل شك."
ويرى مروان الوناس في غياب سياسة إعلامية واضحة، وتجنب الحكومة التعامل بشفافية مع الإعلام، واعتقاد المسؤولين أن ذلك سيشوش على عملهم؛ هو سبب الاضطراب والتناقض الذي سجل في إدارة الأزمة، وهو ما "سيخلق بعض المتاعب للحكومة الجزائرية مع حكومات قتل مواطنوها في الأزمة، والتي لم تصدق بعد الرواية الرسمية للأحداث".
ويعترف الكاتب الصحفي عبد العالي رزاقي، بضعف الجانب الإعلامي للحكومة الجزائرية في أزمة الرهائن بعين أمناس، وأن إعلام الجماعات الإرهابية كان أقوى، ويؤكد رزاقي بأن التناقض في تصريحات المسؤولين "دليل على عدم وجود تنسيق بين الأطراف المعنية بالأزمة، مما فتح المجال للتشكيك في كل خبر أو رواية عن الأزمة". ويوصي رزاقي بضرورة أن يكون ناطق رسمي باسم خلية الأزمة المشكلة لإدارتها، وناطق باسم العملية العسكرية، يتعاطى مع تطوراتها في لقاءات صحفية خاطفة. ويضيف رزاقي بأن العملية الإعلامية لا تقل أهمية عن العملية العسكرية الميدانية، ويأسف لأن تداعيات ما حدث في عين أمناس ستلقي بثقلها على الجزائر في البعد الاستراتيجي والإقتصادي.
أرسل تعليقك