أطلق عمر محمد، وهو مؤرخ شاب من الموصل العراقية، منبر"عين على الموصل"، ومن خلاله يقوم بتوثيق جرائم "داعش"، مؤكدا أن "التنظيم كان يسعى إلى عزل المدينة لذا حاولنا أن نعرف العالم بما يجري داخلها كنوع من الحماية لأهلها"، أثناء حديثه عن أكثر من 300 ألف متابع لما ينشره في صفحته على فيسبوك.
كشاهد على ما جرى أخذ محمد على عاتقه أن يربط الفظائع التي يرتكبها داعش في مدينته بالرواية الجماعية للمرحلة الراهنة عبر موقع عين على الموصل، ويقول دارس التاريخ ذو الاثنين والثلاثين عاما "كانت طريقة لحماية مستقبل مدينتي لتتمكن الأجيال القادمة من معرفة ما جرى".
بدأ محمد الكتابة في صفحة "عين على الموصل " مع آخرين تحت أسماء مستعارة بعد أن أعلن التنظيم ما سماه دستور الولاية في حزيران/ يونيو من عام 2014 والذي تكون من ستة عشر مادة تحكم الموصل بأحكام الشريعة، وصفها محمد بـ"أحكام الموت"، وشملت قائمة الجرائم التي سجلتها الصفحة النزوح الجماعي للمسيحيين، وبيع الأزديين كعبيد، ورجم المتهمين بالزنا حتى الموت، وإلقاء المثليين من فوق المباني العالية.
مهمة سرية
كان على محمد أن يتحرك بسرية في الشوارع التي يحتلها التنظيم ليسجل بعينيه ما جرى من تدمير لمدينته متقبلا إمكانية قتله، ومستعدا لذلك بحماية مستقبل مشروعه بإشراك زميل آخر له خارج العراق، ومع تزايد مخاطر استهدافه وقتله هو وعائلته ترك محمد مدينته في أواخر عام 2015، ووصل أوروبا حيث حصل على لجوء ليستقر ويكمل حياته الأكاديمية التي يحبها بعد أن وجد فرصة لدراسة الدكتوراه، لكنه شعر أن الواجب يقتضي أن يكمل مشروعه، ويتابع الأحداث لحظة بلحظة.
ما نشرته الصفحة وصل أنحاء مختلفة من العالم حيث كان الناس يبحثون عما يساعدهم في فهم ما يجري داخل المدينة، وكذلك كانت وسائل الإعلام الدولية والمنظمات الإنسانية، ومن بينها "أطباء بلا حدود".
يقول حكيم خالدي مستشار قسم العمليات بالمنظمة، إنه اتصل بمحمد في ديسمبر/كانون الأول من 2016 حين كانت المنظمة تواجه صعوبات جمة في الوصول إلى معلومات عما يحتاجه أهل المدينة من مساعدات طبيعة ويطلعهم على تفاصيل الوضع الإنساني داخلها والمناطق التي تحتاج دعما طبيا.
أطلع محمد المنظمة على ما نجا من مؤسسات طبية يمكن لهم استخدامها كمواقع لإغاثة المتضررين وكمشفى لاستقبال المصابين بالصدمات ومركز للولادة. "كان شريكا وثيقا في مخططاتنا لإنقاذ الموصل" يضيف خالدي.
مصدر موثوق للمعلومات
تطوّع محمد بمساعدة أكثر من منظمة إغاثية وإنسانية خلال المعارك العنيفة التي شهدها غرب الموصل في عام 2017 بين تنظيم "داعش" وقوات التحالف الدولي، حين أرسل السكان العالقون بين الجانبين نداءات يائسة عبر مواقع الانترنت. "حينها كانت الصفحة ذات السنوات الثلاث حلقة وصل وثق فيها الكثيرون، واعتبروها ملاذهم الأخير ومصدرهم الموثوق للمعلومات رغم عدم معرفتهم بهوية صاحبها" بحسب قوله.
باستخدام معلومات المواقع المفتوحة، وبمعرفة مؤرخ الموصل الدقيقة بشوارع مدينته ومداخلها ومخارجها استطاعت الصفحة بمساعدة صحفي كان يغطي المعارك أن تتواصل مع التحالف والقوات الحكومية العراقية، وتتحول الصفحة إلى خلية أزمة نظمت عمليات إنقاذ لأكثر من تسعين عائلة أوصلتهم إلى أماكن آمنة كانت بينهم عائلة محمد نفسه.
مع تحول "عين على الموصل" إلى منصة تفاعلية تربط أهل المدينة بأماكنها وشبكاتها، ومع دحر تنظيم "الدولة الإسلامية" خلال العالم الماضي رأى محمد أن الوقت قد حان للتفكير في المستقبل، ويضيف "برغم الصدمة والدمار غير المعقول بدأت حركة شبابية في التكون وكان علي أن أدعم ذلك".
ومنذ إبري/نيسان وحتى يوني/حزيران من 2017 كون محمد فريقا من المتطوعين الشباب، وجمّعوا ما تبقى من مكتبة الجامعة المدمرة، والتي كانت يوما ما تضم أكثر من مليون كتاب. استعادوا نحو ثلاثين ألف مجلد وجمعوا تبرعات من مناطق مختلفة من العالم، وخلال نيسان من نفس العام حين كان القتال دائرا في غرب الموصل كان حفل موسيقي لعزف الكمان يقام على أطلال ضريح النبي يونس الذي فجّره أفراد من التنظيم في عام 2014، وفي يوليو/تموز من العام الجاري ينظم دارس التاريخ المولع بالموسيقى حفل أوركسترا آخر في فيينا يبث من أجل مدينته.
يختتم محمد حديثه بالقول : جزء كبير من مدينتي دُمر تماما، وعلى المجتمع أن يساهم الآن في بناء موصل جديدة بأفكار مبتكرة . لا شيء يعود كما كان".
أرسل تعليقك