غزة - وكالات
يروي الفيلم الوثائقي "جارة الكرمل" قصة مدينة حيفا الفلسطينية قبل وبعد نكبة العام 1948، ويكشف عن حياتها ومكانتها مدينة مركزية على حوض البحر الأبيض المتوسط.
وتبلغ مدة الفيلم 48 دقيقة يتوقف عند معالم حيفا الثقافية في وجه محاولات الطمس الإسرائيلية، مستعينا بالروايات الشفوية وبصور ولقطات تاريخية.
الفيلم الذي أعده "أستوديو الأرز" لصالح قناة الجزيرة الوثائقية، يعرض هذه الأيام في مراكز ثقافية داخل أراضي فلسطين عام 1948 ضمن فعاليات تربوية وتثقيفية.
ويقدم الفيلم بمضامينه حيفا باعتبارها مدينة جميلة تعد ملتقى لجبل الكرمل مع البحر المتوسط بعدة وجوه تساعد المشاهدين على فهم العشق الكبير الذي يصيب ساكنيها من الخباز حتى الطبيب.
كما يستعين الفيلم ببعض الفنانين ممن يعبرون كل بطريقته عن كل ما تعنيه حيفا التي عاش فيها شعراء وأدباء بارزون كمحمود درويش وأنيس القاسم وإميل حبيبي.
التعبير بالريشة
وتمثل الرسامة ميساء عزايزة في بداية الفيلم قبالة منزل فلسطيني مهجور وموصد فتفتحه بريشتها وتبدأ برسم مبناه الداخل على مساحة واسعة من واجهته كما تتخيله.
وقبيل نهاية الفيلم يظهر المبنى الداخلي للمنزل بمحتوياته وموجوداته التراثية، كسجادة أو أطباق من قش ملونة بألوان العلم الفلسطيني.
وتشيد جارة البيت المهجور زهرة خمرة (80 عاما) بقدرة الرسامة على مقاربة محتوى البيت فعلا بريشتها، وتقول إن الرسمة أعادت الحياة للمنزل المهجر.
سوق الشوام
وتستذكر خمرة صدمتها يوم عادت بعد شهرين من اللجوء في عكا إلى حيفا بعد سقوطها في أبريل/نيسان 1948 وكيف شاهدت دمار بعض أحيائها، وتقول إنها وبعد 65 عاما ما زالت تبكي سوق الشوام الذي دمرته إسرائيل غداة احتلال حيفا.
أما رواية حيفا التاريخية فيقدمها بشهادة دقيقة الشيخ النقابي عودة الأشهب (88 عاما) الذي يستعيد مشهد هجوم العصابات الصهيونية عليها بتواطؤ مع الاستعمار البريطاني.
في روايته الشفوية يتقاطع الأشهب وشهود آخرون مع المصادر التاريخية المكتوبة بتوقفه عند أثر مجزرة دير ياسين في 9 أبريل/نيسان مع تهجير حيفا في الثامن عشر من الشهر نفسه.
مركز اقتصادي
ويحرص الفيلم على عدم حصر تاريخ حيفا بنكبتها، فيستعرض مسيرة بنائها وازدهار الحياة الاقتصادية والثقافية فيها منذ نهاية العصر العثماني.
ويروي الطبيب إدوارد أبي نادر (72 عاما) الذي ما زال يقيم في الكرمل ببيت والده كيف كانت حيفا ملجأ للباحثين عن العمل من فلسطين ولبنان وسوريا والأردن.
وينوه أبي نادر لمنشآت حيفا الصناعية وتطوير مينائها البحري الواسع وسكك الحديد فيها، كما يستذكر النوادي الاجتماعية والثقافية في حيفا ويتوقف عند زيارة الفنانين الراحلين محمد عبد الوهاب وأم كلثوم وإحيائهما عدة حفلات فيها.
ويخصّص الفيلم مساحة من وقته للشباب في المدينة الراهنة التي بات فيها العرب أقلية -نحو 30 ألف نسمة- فيعبرون عن عزمهم بالتحرر من محاولات الهيمنة الإسرائيلية والمساهمة في استعادة المدينة لروحها.
حيفا اليوم
وتنبه الصحفية رشا حلوة لمواجهة الشباب الصاعد في حيفا محاولات المؤسسة الحاكمة جعلهم ضيوفا يشعرون بالاغتراب فيها من خلال تغيير معالمها وتسمياتها وتهويدها.
كما يلقي الفيلم الضوء على حنين المهجرين من حيفا في العالم لمدينتهم، وتوجز ذلك الفتاة سمر عبد الجابر ابنة عائلة مقيمة في لبنان هجرت من حيفا.
من جانبها تعبّر الفنانة تريز سليمان عن حب حيفا وعن الظلم اللاحق بالمهجرين منها والمتبقين فيها بأغان رقيقة، وهذا ما يفعله الفنان علاء عزام الذي يغني لمدينته المدللة حيفا من رأس جبل الكرمل مصدر تسمية الفيلم.
وعن استحضار عدد من فناني حيفا في الفيلم يقول المخرج عصام بلان للجزيرة نت إنهم يثرون مضمونه وجاذبيته إضافة لرغبته بإظهار حيفا الراهنة منصة ثقافية ضخمة بعيدا عن البكائيات.
أسود أبيض
بلان الذي يستخدم في الفيلم عدة تقنيات تصوير وإخراج يرصد معالم حيفا بكاميرات محلقة ومحمولة تنقل نبض الشخصيات.
ويوظف بلان المقاربة بين أبنية فلسطينية وأخرى إسرائيلية ملاصقة مثلما يتجسد بمسجد الجرينة الذي تجاوره كتلة إسمنتية ضخمة تعرف بـ"عمارة الصاروخ".
كما يوظف صور الأسود والأبيض وصور الألوان للمفاضلة بين الأمس واليوم، كما يتجسد مثلا في صورة مسجد الاستقلال الذي كان يؤم المصلين فيه المجاهد عز الدين القسام.
ويتابع "الدمج بين صور الماضي واللحظة الراهنة يساعدني على إيصال الرسالة الهامة بأن المدينة باقية رغم الاحتلال ومحاولات الطمس والتهويد".
أرسل تعليقك