توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

فيلم "بلاد الخيال" لبنان كسكين في الحنجرة

  مصر اليوم -

  مصر اليوم - فيلم بلاد الخيال لبنان كسكين في الحنجرة

بيروت ـ وكالات

يمزج الفيلم بين أصوات أربعة فنانين من "اللبنانيين في المهجر"، إضافة إلى صوت المخرجة-الراوية التي ربطت بين الأصوات الأخرى لتكملها وتمحوها وتناقضها وتفاجئها وتسطر عبراتها... ويحمل أحد النصوص الرئيسية وجدي معوض اللبناني الفرنسي الذي عاش في كندا وذاع صيته ككاتب ومخرج مسرحي متألق. ومن الشخصيات الأخرى التي تدلي بشهاداتها أو بالأحرى تشارك في الرحلة التجريبية الفنية لسبر أغوار البلد-المنفى، الراقصة ندى شعيب وهي أخت المخرجة والصحافية كاتيا جرجورة والمخرج بتريك شيحا... فترافقهم جيهان شعيب إلى لبنان سائلة متسائلة عن مسيرتهم وطريقة تعاملهم مع المكان ومع الواقع فتفجر فيضا من الأشجان لكنها ليست من تلك التي تصب في حنين أكل الصدأ لحنه بل من تلك التي تحمل على التفكير الفلسفي والمقاربات الجمالية وحتى على الهزل...المقاطع التي تحرك سواكن المتفرج وخاصة العربي منه بصفة شبه عفوية لفرط تغلغلها في المخيلة الثقافية الجماعية على غرار رقص على وقع صوت أسمهان أو مشهد على خلفية لحن للرحباني، لا تقع أبدا في الفولكلور أو على الأقل هي تجسيد مصغر لفلكلور يشار إليه كفولكلور فيصير نوعا من التملك أو البناء لهوية شخصية، لذا توظف المخرجة بعض العناصر الفنية بذكاء وفي نسج مدروس لشهادات يجيب صدى أصواتها على الأخرى... وإن أدى طريق الكل إلى لبنان فإن طريق وجدي معوض توقف في مطار شارل ديغول بباريس فتصوره جيهان شعيب في غرفة فندق ونرى من خلفه عبر زجاج النافذة حركة الطائرات، وتقول المخرجة "وجدي أخي الروحي... حاولنا طيلة سنوات تحضير سفرته إلى لبنان معا... لكن الرحلة كانت تؤجل في كل مرة. فبعد منفاه في فرنسا وكندا تحول لبنان بالنسبة لوجدي من فضاء جغرافي إلى فضاء شعري". وأكد وجدي معوض في الفيلم عن "فضاء الهوية" بدلا عن "الهوية"، ويفترض فضاء الهوية حرية تغيير القناعات والأفكار المسبقة التي تربى عليها وإعادة صياغتها وإزالة ما كان منها مغلوطا محنطا. ولا يتردد معوض في الضحك من "الكيتش" اللبناني. فبالنسبة إليه "كلهم كيتش، وطريقة إطلاقهم النار بالكلاشنيكوف كيتش" ثم ما يلبث أن يصحح قوله "لكن هذه نظرة أوروبي، أنا أوروبي"... لكنها أيضا رؤية المخرج المسرحي المهووس بالفضاء. وتحدث معوض عن أحلامه وفانتازما "مسرحية يكتب نصها عن ساحة الشهداء وتلاقي نجاحا هائلا في لبنان فتلعب في كامل البلاد إلى حد أن توقف الحرب". ويصف معوض هواجس شبابه بـ "الأحلام الطفولية" لكننا نرى فيها حلم الفن كوسيلة للتغلب على الكوارث والإبقاء على أثر إنساني... منذ ملحمة جلجامش المنحوتة على الطين. ومن الأفكار المسبقة التي استغرق التخلص منها في ذهن معوض وقتا طويلا هي تلك التي تعلمها صغيرا "الفلسطينيون حقيرون والإسرائيليون سبب مشاكلنا ونحن لسنا عرب بل فينيقيين" ويضيف "السنة لا يطيقون الشيعة والعكس بالعكس... لا نطيق الاختلاف الجمالي" ويختمها معوض بنفس السؤال المفتوح "إذا لم نكن عربا فماذا نكون"؟ وتشكل غرفة الفندق حسب المخرجة "نقطة عبور ومرور" لكنها في نفس الوقت "النقطة الوحيدة الثابتة في الفيلم ""... وكل هذه الأمكنة المتأرجحة بين الخيار السينمائي وعفوية الصدف صورة تشكيلية عن الصراع النفسي الذي ألهم هؤلاء الفنانين الذين ولدوا أو كبروا في المهجر على غرار المخرجة التي عاشت في المكسيك ثم في فرنسا، والذي يعمق الهوة بين الروايات الموروثة عن عائلاتهم وحقيقة البلاد وكل ما غذوه عنها من أحلام وتوقعات. ويشبه معوض أبناء "جيل الحرب" بالنمور المنقرضة ويعيد خصوصية حسهم الفني إلى فترة زمنية معينة جعلت منهم "جيلا نادرا" تبنى انتماءه إليه كانتماء أوثق من انتمائه إلى لبنان مبهم. ويشترك الفنانون في شعور بالذنب على صلة بإحساسهم بانتماء منقوص إلى لبنان لأنهم سافروا هربا من الحرب فلم يعيشوا الحرب من الداخل أو بالكاد. ومن الشخصيات الساطعة في الفيلم كاتيا جرجورة التي ولدت وكبرت في الخارج فكرست مسيرتها المهنية كصحافية لتقفي النزاعات الحربية في العراق وأفغانستان والأراضي الفلسطينية، وعادت كاتيا إلى لبنان "أردت أن يكون لي لبناني أنا وليس لبنان والدي فهو لبنان مسيحي لديه ايديولوجيا خاصة به" فذهبت كاتيا إلى جنوب لبنان "لأنها كانت المنطقة الوحيدة التي لا يزال فيها صراع آنذاك"، وكأنها تتوق إلى الحرب وتبحث عنها وتشتهيها كهوية ثابتة للبنان... تدمنه حتى الثمالة. وقالت كاتيا "هناك جمالية في الحرب، في الإطارات المشتعلة والشبان الملثمين والدخان الذي يصعد إلى السماء ويمحو إشارات الطرقات... هناك جمالية حتى في الدم". وتظهر كاتيا في الفيلم بفخر شظايا الرصاصة التي أصابتها في البطن بعد شهرين من وصولها إلى لبنان للعيش هناك، فقالت "أظن أني أردت أن أصاب" وأبرزت جلدها أمام الكاميرا وكأنها رسخت في جسدها وبصفة نهائية هويتها اللبنانية وكفرت عن ذنوب غيابها، وعرفت في اللحم معاناة شعبها فاكتمل انتماؤها إليه بالتئام الجرح. وصورت جيهان شعيب كاتيا جرجورة في جنوب لبنان خلال احتفال لأنصار حزب الله وزعيمه حسن نصر الله ولم يكن المشهد "كيتش" بل قويا معبرا عن تمزق شعب ووحدته في آن. ومن أبلغ المفاهيم في الفيلم تسليطه الضوء على الحيرة الداخلية التي يعيشها هذا الجيل فقالت كاتيا "لدي أصدقاء من حزب الله... لكن ذلك لا يتجاوز حد الاحترام والتهذيب... لأنني" غريبة وأعادتها كاتيا بعد تردد طويل ولكن بكل اقتناع "نعم أنا غريبة هنا وغريبة في كندا". ثم تتراجع عن قولها في لقطات أخرى وتصرح بنفس الثقة "أحسست نفسي لبنانية خلال حرب 2006 فرأيت أشياء رهيبة ولأول مرة أحسست نفسي مستهدفة كلبنانية ولا كصحافية أو كإنسان". وقالت ندى شعيب أنها أحست في 2006 بما أحس به والديها في الثمانينات، فكانت هي في فرنسا في حين كان والداها في لبنان، "عشت ما عاشه أبوي... أي نفس الخوف على الأهل". ويعيد التاريخ نفسه ليمنح روابط مأساوية جديدة تربط هذا الجيل ببلده. الحرب صارت الرابط... وهذا الجسد المجروح تحركه ندى شعيب أخت المخرجة في رقصة شرقية مغرية. فالجسد من أهم مقومات الهوية لدى هذا الجيل الذي اكتسب القرب والبعد الكافيين لاكتساب نظرة مميزة عن بلادهم. واختارت ندى الرقص كطريقة تربطها بتاريخها بعد أن فقدت لغتها الأم في المهجر وفقدت حتى القدرة على الكلام بعد أن اضطر أهلها إلى مغادرة البلاد على عجل... وكان الجزء اللبناني نائما في داخلها على حد قولها ليستيقظ يوما ويصالحها مع أنوثتها، فتضيف "بل أكثر من الأنوثة، إن الرقص الشرقي هو الحب". وكان التعبير الجسدي ليعوض التعبير اللغوي، واستحضرت المخرجة جملة مهمة لوجدي معوض في الفيلم "الطفولة كسكين مغروس في الحنجرة". فبح صوت أطفال الحرب، ثم عادوا كل على طريقته ليعبروا عن حبهم للبنان. وفعلا نسمع الشهادات تلو الأخرى كما نسمع رسالة حب مهما كانت مفعمة باللوم، رسالة حب حملها صوت جيهان "الحر في القيلولة، طعم الثمار، برودة المرمر تحت الأقدام، حبات الفاكهة في كأس شاي، رموش جندي، صوت فيروز الحزين"... هذا هو لبنانهم. لبنان الشعر والفن والحلم، لبنان تقاتل أهله والتقى فيه العشاق. فجدة باتريك شيحا كانت راقصة نمساوية في كاباريه ببيروت في الستينات، ووقعت في شراك حب جده اللبناني الغني ثم هاجرت إلى النمسا ولم يرث باتريك سوى روايات سريالية أقرب إلى الخيال، ويعود اليوم ليصور فيلما في لبنان فيقول "لبنان مترسخ في الحاضر". وهذا ما أرادته جيهان شعيب لفيلمها: لبنان ينبض حياة رغم ديكور الخراب ولبنان لا يحتاج وجدي معوض في السفر إليه وكأنه يحمله في داخله ككنز لا يمكن لأحد أن يسرقه منه، ولبنان تفكر كاتيا في مغادرته "أدركت أن علاقتي بلبنان ليست في تتبع الحروب وكأني مقاتل من بين المقاتلين لكن في المسافة الهادئة التي تفصلني عنه". ويختم الفيلم مشهد المخرجة حاملة بين ذراعيها رضيعها على أحد الشواطئ، في إشارة إلى الأمل الذي لا يدحضه منفى وترفع فيه راية الجمالية والشاعرية كهوية مطلقة وانتماء لا يتزعزع. وتفتح نفس الأسئلة الفيلم لتغلقه "أنا لبنانية أنا متغربة من زمان"، "إلى ماذا نعود بعد ما تغير كل شيء ؟"... في حلقة مفرغة ومليئة على غرار التراجيدية اليونانية القديمة. فتدير رحى الأصوات التي تتحدث عن المنفى والحرب والرقص والحب والأشياء نشيدا واحدا وكأنه يستمد وحدة وقوة الرؤية من هشاشة النبرات واختلافها. "بلاد الخيال" هو نصف عنوان قصيدة الشاعر المارتينيكي الكبير إدوار غليسان، صاحب نظرية الكل-العالم، والنصف الآخر للعنوان هو "بلاد الواقع". صدفة؟... تهدي لنا جيهان شعيب بلادا حقيقية عبر بلاد أحلامها.  

egypttoday
egypttoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فيلم بلاد الخيال لبنان كسكين في الحنجرة فيلم بلاد الخيال لبنان كسكين في الحنجرة



الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فيلم بلاد الخيال لبنان كسكين في الحنجرة فيلم بلاد الخيال لبنان كسكين في الحنجرة



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon