"الأرزاق على الله المهم السعي"، هكذا كانت جملة عم "محمد" 66 سنة، الذي أصبح حديث مواقع التواصل الاجتماعي في الأيام القليلة الماضية، بعد انتشار مقطع فيديو له لم يتعدى الـ5 دقائق، يظهر خلاله الرجل المُسن يتجول ليلًا يوميًا علي كورنيش الإسكندرية، ويحمل بيده اليسرى ماكينة "فوري" لشحن رصيد الهواتف المحمولة، وباليد اليمنى يتكأ علي "عكاز"، مفضلًا كسب لقمة عيش رغم كِبر سنه وعجزه، عن الجلوس علي أحد الأرصفة للتسول وسؤال "الحاجة" من المارة.
وبملامح يبدو عليها قسوة سنوات من العمر الذي مضى في التنقل بين رصيفٍ والأخر، التقت "الوطن" بالرجل المُسن محمد يوسف علي الهجان، 66 سنة، حيث لحية بيضاء وتجاعيد تملأ الوجه يفسران نفسهما ويحكيان معاناة هذا الرجل العجوز؛ الذي اختار التنقل بين "كافيهات" كورنيش الإسكندرية، فضلاً عن "الركبة الصناعي" الذي اضطر تركيبها بعد إجراءه عملية جراحية في الساق اليمنى منذ أكثر من 10 سنوات.
"شحن ع الهوا يا بيه.. شحن ع الهوا يا هانم" جملة يرددها "عم محمد"، يوميًا من بعد صلاة المغرب، وحتى صلاة الفجر، يستند على "عكاز" بيده اليمنى، ويرتدي طاقية بيضاء يعلوها "شال" من القطن، ويربطه حول وجهه ورقبته لحمايته من البرد القارس، أثناء تنقله بين "كافيهات" الكورنيش بداية من نفق مشاة إسكندر إبراهيم إلى بوابات حدائق المنتزه شرق الإسكندرية.
ويكشف عم محمد، عن تفاصيل سنين من حياته مرت بين تعب وشقى، قائلًا "حصلت علي دبلوم من مدرسة الترسانة البحرية منذ أكثر من 45 سنة، واشتغلت فني في نفس المدرسة لسنوات عدة ، حتى أتيحت لي الفرصة للسفر إلي "ليبيا" اشتغلت في أحد شركات البناء في بني غازي، وبعد عودتي إلي الإسكندرية اشتغلت أمن في أحد شركات المقاولات الكبرى، وأخيرًا اشتغلت في شركة الكهرباء حتى خروجي علي المعاش".
أقرأ أيضاً : جثة مسن تثير الذعر داخل مسكنه في مدينة نجع حمادى
وأضاف عم محمد، أن الراتب الذي كان يتقاضاه من عمله في الشركات لم يكن يكفي مصاريف أسرته التي تتكون من زوجته و4 أبناء، كانوا جميعهم آنذاك في مراحل تعليمية مختلفة، ويحتاجون إلي مصروفات دراسية، بالإضافة إلي الدروس الخصوصية، بخلاف احتياجاتهم اليومية الأساسية من مآكل ومشرب وغيرهم، موضحًا أنه اعتاد العمل الشاق منذ صغره وتربى علي تحمل المسؤولية، وثقته في أن الأرزاق علي الله مادام المرء يسعى علي لقمة عيشه.
وتابع "كنت أعود من شركة المقاولات إلي منزلي لتغير ملابسي وتناول الغداء، وسرعان ما أخرج لأفترش رصيف مسجد هدى الإسلام بمنطقة سيدي بشر قبلي، حيث أسكن بالقرب منه، وأبيع سلع بسيطة لم يتعدى سعرها الـ1.25 جنيه، حتى ساعات متأخرة من الليل"، مستكملًا "ظهرت الهواتف المحمولة وبدأت في الانتشار، وباتت حاجة الناس لكروت شحن الرصيد شيء ضروري، فقررت الحصول عليها من مندوب الشركة بسعرها الأصلي والمرور علي "كافيهات" الكورنيش من ميامي إلي المندرة، بعد عودتي من عملي في شركة الكهرباء، ليكون باب رزق جديد يفتحه الله لي لمساعدتي في سد احتياجات أبنائي".
وأكد أنه بدأ في بيع "كروت شحن الرصيد" قبل وصوله إلى سن المعاش بـ4 سنوات، وبعد سنة واحدة من تعرض إلي تلف في "ركبة" الساق اليمنى، واضطر إجراء عملية جراحية لتغير "المفصل" والتي لم تكن عائق مطلقًا في استكمال مسيرته وإصراره علي كسب الرزق بطريقة سلمية، لافتاً أنه أخبر الطبيب بطبيعة عمله الذي يضطره للمشي لساعات طويلة طوال الليل، فنصحه باستخدام "عكاز" لتخفيف الحمل علي ساقه أثناء المشي، بالإضافة إلى تدفئتها طوال الوقت، حتى لا يحدث لها مضاعفات.
وأشار إلى أنه ظل مستمر بعمله حتى واجهته مشاكل عدة في "كروت الشحن" منها تلفها السريع، حتى أقترح عليه أحد جيرانه الذي يعمل في مجال الهواتف وشحن الرصيد، أن يعطيه أحد ماكينات فوري الذي يملكها "ابتغاء مرضات الله"- بحسب وصفه، لمساعدته في سهوله الشحن وتفادي لمشاكل الكروت.
وأوضح أن ماكينة "فوري" سهلت عليه الأمر كثيرًا، ومر عليه 10 سنوات من المشي على الكورنيش ليصبح من مشاهيره، مكونًا علاقات قوية مع أصحاب "الكافيهات" وزبائنهم صيفًا وشتاءً "لو كسلت والدنيا بتمطر مين هيأكل العيال"، لافتًا إلى أن أحد زبائن "الكافيهات" تبرع له بـ"عمرة" منذ سنتين، ولكن أمنيته في الحياة هي "الحج"، ولا يريد شيئًا أخر من الدنيا.
قد يهمك أيضاً :
مباحث جمصة تسعى لكشف غموض العثور على جثة مسن داخل شقة
جثة مسن تثير الذعر داخل مسكنه في مدينة نجع حمادى
أرسل تعليقك