المنيا - جمال علم الدين
"لن ألوث النيل"، قسم قطعه الفراعنة على أنفسهم للمحافظة على مياه نهر النيل، وحتى لا يلقى عذابًا عظيمًا في عالمه الآخر، إلا أن الأحفاد حنثوا بأيمانهم، فلوثوا النهر بمخلفات مختلف ألونها، ويبقى حالهم أن "هذه بضاعتنا ردّت إلينا"، حكومات متعاقبة، ومحافظون يتبدلون إلا أن أزمة "مصرف المحيط" مازالت قائمة، في محافظة المنيا، لما يسببه من تلوث لمياه النيل.
فعلى بعد 20 كيلو مترًا شمال محافظة المنيا بقرية إطسا يقع المصب الرئيسي لمصرف المحيط، الذي يبدأ من مركز ملوي جنوب المحافظة مرورًا بمركز أبوقرقاص وصولًا لسمالوط، يحمل مخلفات صناعية وصحية وزراعية تصب جميعها في نهر النيل، ما يعكس تأثيرًا سلبيًا على صحة المواطنين والثروة السمكية وإنتاجية الأراضي الزراعية
نحو مليوني متر مكعب من مخلفات كريهة رائحتها، كثير بلاؤها، تصب في مصرف المحيط يوميًا، تهدد حياة الأطفال وتنهش أكباد المواطنين، فلا يمر عابر إلا مست أحشاءه الروائح العفنة فتمنى أن لو يتقيأ، وعود متكررة من المحافظين الذين تعاقبوا على "المينا"، بردم المصرف أو تحويل مساره، لحل تلك الأزمة، لكن الأهالي وصفوفها بـ "الزائفة".
ولعل آخر تلك الوعود قرار المحافظ السابق، اللواء صلاح زيادة، الذي أصدره في بيان رسمي، منتصف شهر يوليو الماضي، أكد فيه أنه استعان بخبير ألماني بهدف إيجاد حلول بيئية، وآمنة لمصرف المحيط الذي يتسبب في الكثير من المشاكل والأمراض لأبناء المحافظة، موضحًا أنه أثناء زيارته لألمانيا يونيو الماضي اتفق مع الجانب الألماني لترشيح أحد الخبراء لوضع حلول نهائية وعملية لمشكلة مصرف المحيط، الذي يعد كارثة بيئية وصحية تهدد جميع القرى الواقعة غرب محافظة المنيا على امتداد المصرف الذي ينقل المياه المحملة بمخلفات الصرف الزراعي والصناعي والمبيدات والأخطر من ذلك أن مياه المصرف تصب في نهر النيل مباشرة وعلى بعد مسافات قريبة من المصب تقع محطات لمياه الشرب.
وأشار أحد العاملين بـ "ري المنيا"، رفض عدم ذكر اسمه، أن مصرف المحيط، أو مصرف إطسا، كما يطلق عليه الأهالي، تم إنشاؤه والعمل عام 1994، موضحاً أنه يمتد بطول 4 مراكز بالمحافظة، بداية من ديرمواس جنوبًا ومرورًا بملوي وأبوقرقاص والمنيا واخيرًا بقرية إطسا التابعة لمركز سمالوط، ليصب أكثر من 10 آلاف متر مكعب من مياه الصرف الصحي والزراعي والصناعي.
ولفتأحد أهالي قرية إطسا علاء عبد الرحمن، إلى الأخطار التي يسببها هذا المصرف، خاصة وأن مكان المصب على بعد كيلو واحد فقط من محطة مياه شرب تقوم بتغذية العشرات من قرى مركز سمالوط بمياه ملوثة ومخلوطة بمياه الصرف دون معالجة، موضحًا: "الميه بتنزل من الحنفية بريحة الصرف الصحي وبتصيبنا بأمراض الكلى وفيروس سي"، كلمات أكد بها أحمد جمال، أحد أهالي القرية، على تلوث مياه الشرب التي يتناولها هو وجميع أهالي قريته والقرى المجاورة، بسبب مياه المصرف، موضحاً أنه وبعد مرور عامان فقط على عمل هذا المصرف، إنتشر وبسرعة البرق الإصابة بأمراض الكلى وفيروس سي، بين أهالي القرية والقرى المجاورة".
وأكد الحاج علام سعيد، أحد أهالي القرية، على تأثير مياه المصرف على الثروة السمكية ونفوقها، فضلاً عن إصابة الأسماك التي إصطيادها بالميكروبات والأمراض، لتغذيها على رمم الحيوانات التي يحملها المصرف لنهر النيل معلقَا: "السمك مش لاقينه ولو لقيناه مش بناكله"، لم يقف الضرر الذي يسببه مياه المصرف عند حد إصابة المواطنين والثروة السمكية، بل أكد أهالي إطسا، أن آثار المصرف السلبية، طٌالت الأرض الزراعية، وأدت إلى انخفاض إنتاجية المحاصيل، بسبب تلوث مياه الري التي تخرج من نهر النيل، لاختلاطها بمياه المصرف.
وأكد أهالي القرية، أنهم رفعوا العديد من الشكاوى والاستغاثات إلى المسؤولين، بتغيير مسار المصرف، ليصب بالظهير الصحراوي الغربي، خاصة وأنه يمر بوسط الحيز العمراني للقرية، إلا أنه لا حياة لمن تنادي، وأن ما يحصلوا عليه لا يتعدى الوعود الزائفة.
أرسل تعليقك