أوضح أستاذ الفلسفة الإسلامية وعلم الأخلاق في جامعة القاهرة الدكتورحامد طاهر، أن ظاهرة الدروس الخصوصية هي مسؤولية ثلاثة عناصر: الأول هو المدرس الذي لم يستطع توصيل المعلومة بصورة واضحة وسهلة للتلاميذ، والثاني هو التلميذ الذي لم يفهم جيدًا، ويطالب ولي أمره بمساعدته بدرس خصوصي، أما العنصر الثالث فهو ولي الأمر الذي يستجيب لرغبة الأبن أو الابنة ويتحمل نفقات الدروس الخصوصية.
وأشار مدرس في المرحلة الإعدادية - رفض ذكر اسمه – إلى أنه يشعر بالخجل هو وزملاؤه لأنهم يعطون دروسًا خصوصية، وبالتالي فهم من بين هؤلاء الذين يبتلعون 15 مليار جنيه سنويًا من دخل الأسرة المصرية، مضيفًا أن المشكلة تكمن في عدم تقدير دور المدرس وعدم مكافأته بشكل يتناسب مع متطلبات الحياة المعاصرة، مشيرًا إلى أن المدرس المصري عندما يسافر للخارج يكون عملة نادرة ويأخذ المقابل المادي الجيد.
وطالب المدرس بالاعتماد على الكفاءة عند ترقية المدرسين واختيار مديري ووكلاء المدارس - لأن عليهم عبء كبير في مسألة الدروس الخصوصية - وعدم التقيد بعدد سنوات الخبرة. وأضاف أنه يصاب الكثير من المدرسين بالإكتئاب الناتج عن إحساسهم بعدم مراعاة الضمير خلال عملهم في المدرسة لدفع الطلاب لأخذ دروس خصوصية؛ فيشعرون بالتقصير في تأدية الأمانة التي حملوها عند تعيينهم.
كما يعاني مدرسو الدروس الخصوصية من حياة أسرية مرتبكة، ذلك لأنهم يغيبون عن منازلهم أغلب ساعات اليوم، ولا يعودون إلا عند النوم؛ ففي الصباح المدرسة، ثم الدروس الخصوصية كل ساعات النهار وأغلب ساعات المساء!
وقالت م .س الطالبة بالصف الثاني الإعدادي " إن تفكير أهلها في دروس الثانوية العامة والإستعداد لها بدأ رغم أنها لم تدخل المرحلة الثانوية بعد، مشيرةً إلى أن والدها اقترض لسد احتياجات مراكز الدروس الخصوصية من أجل شقيقتها التي كانت طالبة في المرحلة الثانوية منذ عامين، فضلًا عن مصروفات أخرى زادت من حجم المعاناة تمثلت في الكتب الخارجية"، وأضافت أنها حاولت الإطلاع على بوابة التعليم الإلكتروني، لكنها اكتشفت أن الموقع لا يفتح في أحيان كثيرة وأن به مشاكل فنية حيث " أنه يهنج"، كما أن الأسئلة سهلة بشكل لا يحدث في الامتحانات.
وأفاد أ.ن طالب بالصف الثالث الثانوي "إن حجز الدروس الخصوصية يبدأ من منتصف إجازة الصيف أو بعد إعلان نتيجة الثانوية مباشرة، نظرًا للزحام الشديد عليها مع بداية شهر أغسطس"، مضيفًا أن بعض المراكز الخاصة تتبع أفكار " نيولوك "، حيث يمكن للطالب الآن اختيار المدرس والمجموعة التي يرغب الحضور معها و الميعاد المناسب له.
وأوضحت ف.ش الطالبة بالمرحلة الثانوية "أنها في حاجة إلى كل درجة، لذلك يجب عدم الاستهانة أو الاستخفاف بالأمر، مشيرةً إلى أن المذاكرة من موقع إلكتروني حكومي غير مأمونة تمامًا لأن بمعظم المواقع الحكومية مشاكل فنية ولا تفتح بسهولة ولا يتم تحديثها بشكل مستمر، لذا لا يمكن الإعتماد عليها، كما أن الدرس الخصوصي يتيح للطالب متابعة مستواه الدراسي بالإختبارات المستمرة وحل الامتحانات مع المدرس والنقاش وإعادة الشرح والسؤال عن الأشياء غير المفهومة، وهذا كله غير متاح في المواقع الإلكترونية "
واشتكى بعض الأولياء أيضًا من تصرفات بعض الأساتذة بالمؤسسات التربوية، الذين يستفزون ويبتزون التلاميذ لحثهم علي تلقي دروس خصوصية عندهم، عقب التحجج لأتفه الأسباب كي لا يقدموا الشروحات في الأقسام، على أن يكون الشرح جيدًا وكاملًا في منازلهم.
ويؤكد أولياء التلاميذ لـ "مصر اليوم "، أنهم مجبورون على الإنصياع لهذا النوع من الأساتذة على الرغم من أنها تقتطع من ميزانية الأسرة حوالي 1000جنيه شهريًا، وذلك خوفًا على مستقبل أولادهم من الضياع لأنه في حال الاحتجاج على الفعل الحاصل، سيكون هناك ما لا يحمد عقباه.
أما أ.ح المقيم بالقاهرة فقد أكد أن ظاهرة الدروس الخصوصية لم تعد مقصورة على المدارس، بل انتقلت إلى الجامعة وأصبحت تكاليفها أعلى، فبمجرد أن حصل نجله على الثانوية العامة التي كانت تستقطع 2000 جنيه للدروس شهريًا ودخل كلية الهندسة فوجئ بظاهرة الدروس تلاحقه أيضًا في الجامعة، فالمحاضرة في أحد المراكز يبلغ سعرها 100 جنيه وأخرى سعرها 200 جنيه وهو ما زاد من معاناة الأسرة مع الدروس الخصوصية.
وأشار أحد خبراء التربية الدكتور محمود الحضري " إلى أن ظاهرة الدروس الخصوصية حطمت مبدأ تكافؤ الفرص، وزرعت التفرقة بين الطلاب في فترة تعتبر أجمل فترات الحياة بينهم "، واتسمت بالتسابق في الدروس الخصوصية التي يتلقاها الطالب أو الطالبة في المراحل التعليمية المختلفة حتى وصلت إلي الجامعة.
وتتوالي الأزمات داخل وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني المصرية واحدة بعد الأخرى، فلا تكاد تُحل واحدة حتى نجد مشكلة جديدة تلوح في الأفق داخلها، وتبقى أزمة الدروس الخصوصية هي الشغل الشاغل والحمل الثقيل الذي تعاني منه الأسر المصرية طوال العام الدراسي، رغم التصريحات الكثيرة من المسؤولين بشأن برامج بديلة للقضاء عليها، والكثير من القرارات والإجراءات الرسمية للقضاء عليها مثل تجريمها وإطلاق وزارة التربية والتعليم أخيرًا بوابة التعليم الإلكتروني في خطوة حاولت من خلالها تحسين مستوى التعليم ومحاربة الدروس في آن واحد.
وأصبحت الدروس الخصوصية خلال السنوات الأخيرة ظاهرة روتينية، فقد صار من الطبيعي أن يحصل الطالب على درس خصوصي دون رؤية المعلم أو طريقة أدائه، وأصبح المفهوم السائد أن الطريق للمجموع المرتفع هو الدرس الخصوصي.
أرسل تعليقك