توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تعرف على حكم الطهارة بمياه الصرف الـمعالجة

  مصر اليوم -

  مصر اليوم - تعرف على حكم الطهارة بمياه الصرف الـمعالجة

حكم الطهارة
القاهرة - مصر اليوم

ذهب جمهور الفقهاء إلى أنَّ الماء الذي يَصْلُح للطهارة به هو الماء المطلق؛ أي الباقي على أصل خلقته؛ مثل مياه البحار والأنهار والأمطار ونحوها؛ قال تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾ [الفرقان: 48]، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فِي الْبَحْرِ: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ، الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» رواه أصحاب السنن، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ الْمَاءَ طَاهِرٌ؛ إِلَّا أَنْ تَغَيَّرَ رِيحُهُ أَوْ طَعْمُهُ أَوْ لَوْنُهُ بِنَجَاسَةٍ تَحْدُثُ فِيهَا» رواه البيهقي في "السنن الكبرى".

قال الإمام الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (1/ 83، ط. دار الكتب العلمية): [فما يحصل به التطهير أنواعٌ: منها الماء المطلق، ولا خلاف في أنه يحصل به الطهارة الحقيقية والحكمية جميعًا] اهـ.

وأجمع أهل العلم على أنَّ الماء القليل والكثير إذا وقعت فيه نجاسة فغيَّرت للماء لونًا أو طَعْمًا أو رائحةً فإنه يَنْجُس ما دام كذلك؛ قال الإمام ابن المنذر في "الإجماع" (ص: 35، ط. دار المسلم): [وأجمعوا على أن الماء القليل والكثير إذا وقعت فيه نجاسةٌ فغيّرت للماء طعمًا أو لونًا أو ريحًا: أنه نجسٌ ما دام كذلك] اهـ.

وحَدُّ الماء الكثير عند جمهور الفقهاء هو مقدار قلتين من قِلَالِ هَجَر، و"قِلَال": جمع قُلَّةٍ وهي الجَرَّةُ الضخمة، و"هَجَر": بلدةٌ كانت تُصَنَّع بها القِلال؛ قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" (7/ 213، 228، ط. دار المعرفة): [قوله: «قِلَالِ..»؛ قال الخطابي: القِلَالُ بالكسر جمع قُلَّةٍ بالضم هي الجِرَارُ.. قوله: «..هَجَر» أن المراد بها: قريةٌ كانت قُرب المدينة، كان يُصْنَعُ بها القِلَال. وزعم آخرون بأن المراد بها: هَجَر التي بالبحرين؛ كأن القِلَالَ كانت تُعْمَلُ بها وتُجْلَبُ إلى المدينة، وعُمِلت بالمدينة على مِثَالِهَا. وأفاد ياقوت: أن هَجَر أيضًا بَلَدٌ باليمن] اهـ.

ومقدار القلتين من قِلَال هَجَر: 270 لترًا تقريبًا. انظر "الفقه الإسلامي وأدلته" للدكتور وهبة الزحيلي (1/ 273، ط. دار الفكر).

والماء الـمُتَجمِّع من الصَّرْف الصحي الذي نحن بصدد الحديث عنه يُعَدُّ ماءً كثيرًا تَغيَّرت أوصافه الثلاثة -الطعم، واللون، والرائحة-؛ فلا شك في تنجسه.

وقرر جمهور الفقهاء أن الماء المختلط بالمتنجس يَطْهُر بطُرُقٍ؛ منها: التكثير، ومعناه: صَبُّ الماء الطاهر على الماء المختلط بالمتنجس الذي تغيَّر حتى يَغْمَرها وتستهلك فيه؛ بحيث يذهب التغيُّر عن الأوصاف الثلاثة: الطعم، واللون، والرائحة.

قال الإمام الدسوقي المالكي في "حاشيته على الشرح الكبير" (1/ 46، ط. دار الفكر) عن الماء الذي حلّت فيه نجاسة وغيّرته: [فإن زال تَغُيُّرُهُ بِصَبِّ مُطْلَقٍ عليه قليلٍ أو كثيرٍ أو ماءٍ مضافٍ انْتَفَتْ نجاستُهُ قولًا واحدًا] اهـ.

وقال الخطيب الشربيني الشافعي في "مغني المحتاج" (1/ 126، ط. دار الكتب العلمية): [(فلو كُوثِرَ) المُتنَجِّسُ القليل (بِإِيرَادِ -أي بِصَبِّ-) ماءٍ (طهورٍ) أي أُورِدَ عليه طَهُورٌ أكثر منه (فلم يبلغهما لَمْ يَطهُر) لمفهوم حديث القُلَّتَين؛ لأنه ماءٌ قليلٌ فيه نجاسةٌ، ولأن المعهود في الماء أن يكون غاسلًا لا مغسولًا (وقيل) هو (طاهرٌ) بشرط ألَّا يكون به نجاسةٌ جامدةٌ؛ قياسًا للماء على غيره] اهـ.

والأصل في تطهير القليل بالكثير ما أخرج الإمام البخاري في "صحيحه" من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه لَمَّا بال الأعرابي في المسجد: «دَعُوهُ، وَأَهْرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ، أَوْ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ».

قال الإمام الخطابي في "معالم السنن" (1/ 116، ط. المطبعة العلمية): [وفي هذا دليلٌ على أنَّ الماء إذا وَرَدَ على النجاسة على سبيل المكاثرة والغلبة طَهَّرَهَا] اهـ.

والظاهر مِن كلام العلماء أن الماء كما يتنجس بما يغير طَعْمَهُ أو لَوْنَهُ أو رِيحَهُ من نجاسةٍ فإنه كذلك يطهر بزوال ما غيّره ابتداءً، ولكنهم لم يكن لديهم طريقة لإزالة ذلك إلا بالتكثير، ولو تحقق ذلك بطريقةٍ أخرى في زمانهم لتحصل طهارته بها؛ كما هي الحال في العصر الحديث مِن قطع العوالق النجسة مِن مياه الصرف الصحي.

ومياه الصرف الصحي هي مياهٌ ملوثةٌ مجمعةٌ من المجمعات السكنية والتجارية والصناعية والزراعية، وهذا التلوث ناتجٌ عن اختلاط الفضلات المنزلية والصناعية من هذه المصادر، ويتم التخلص من هذه المياه وتصريفها باستخدام الأنابيب أو المجاري أو أيِّ أبنيةٍ أخرى مشابهة، وأحيانًا يتم تصريفها في حفرةٍ، وتفرغ هذه الحفرة باستخدام مُعدَّاتٍ خاصةٍ تمتص هذه المياه وتصرفها في الأماكن المخصصة لذلك.

ومعالجة مياه الصرف الصحي عمليًّا تمر بمراحل أربعة: الترسيب، والتهوية، وقتل الجراثيم، والتعقيم بالكلور. ومن خلال هذه المراحل تتحول صفات الماء إلى درجةٍ قريبةٍ من ماء الأنهار، وفي مراحل متقدمةٍ من المعالجة -باستخدام ما يُسمى: "الـمُرشحات الرملية، والامتصاص الكربوني، والأكسدة الكيميائية، والتناضح العكسي"- تزداد درجة النقاء بحيث تُزَالُ الشوائب والعوالق التي لحقت بالماء -كالزيوت والدهون والعكارة- تمامًا، وتصبح المياه نقيةً وقريبةً جدًّا من المياه الصالحة للشُّرب والاستهلاك الآدمي.

وعلى ذلك فإن ما يتم القيام به في زماننا في عملية تنقية مياه الصرف الصحي بمراحلها المختلفة، وما يستخدم من المواد بما يتم بها إزالة العوالق النجسة والروائح الكريهة، وكذلك ما يحدث من مرور المياه على أكثر من تصفية؛ هو السبب الذي يصير به الماء طاهرًا بناءً على ما قرره الفقهاء في قولهم بالتكثير.

أما كون هذا الماء مخلوطًا بمواد مثل الكلور: فإن هذا الأمر لا يغيّر في طهوريته؛ وذلك على ما ذهب إليه الحنفية والحنابلة في روايةٍ؛ فإنهم يرون أن الماء الذي خالطه طاهرٌ يمكن الاحتراز عنه -كالكلور ونحوه قياسًا على الصابون والزعفران ونحوهما- فتَغَيَّرَ به أحدُ أوصافه؛ فإن هذا لا يغيِّر في كونه طاهرًا مطهِّرًا، إلا أن الحنفية يشترطون أن لا يكون التغيير عن طبخٍ أو عن غلبةِ أجزاءِ المخالِطِ للماء حتى يصير الماء ثخينًا به.
قال الإمام الميرغيناني الحنفي في "الهداية" (1/ 21، ط. دار إحياء التراث العربي بتصرف): [(ولا يجوز) -أي التطهر- بماءٍ غَلَبَ عليه غيرُهُ فأخرجه عن طبع الماء؛ كالأشربة والخل وماء الباقلا والمرق وماء الورد وماء الزردج (لأنه لا يسمى ماءً مطلقًا، والمراد بماء الباقلا وغيره: ما تَغَيَّرَ بالطبخ، فإن تغير بدون الطبخ يجوز التَّوَضِّي به، وتجوز الطهارةُ بماءٍ خَالَطَهُ شيءٌ طاهرٌ فَغَيَّرَ أحدَ أوصافِهِ؛ كماء الْمَدِّ -أي ماء السَّيْل-، والماءِ الذي اختلط به اللبن أو الزعفران أو الصابون أو الأشنان)] اهـ.

وقال الإمام ابن قدامة في "المغني" (1/ 11، ط. مكتبة القاهرة): [ما خالطه طاهرٌ يمكن التحرزُ منه فَغَيَّرَ إحدى صفاته: طعمه، أو لونه، أو ريحه؛ كماء الباقلا، وماء الحمص، وماء الزعفران. واختلف أهل العلم في الوضوء به، واختلفت الرواية عن إمامنا -أي الإمام أحمد- رحمه الله في ذلك؛ فَرُوِيَ عَنهُ: لا تحصل الطهارة به، وهو قَولُ مالك والشافعي وإسحاق. وقال القاضي أبو يعلى وهي أصح، وهي المنصورة عند أصحابنا في الخلاف. ونَقَلَ عن أحمد جماعةٌ من أصحابه؛ منهم أبو الحارث، والميموني، وإسحاق بن منصور: جوازَ الوضوء به. وهذا مذهب أبي حنيفة وأصحابه؛ لأن الله تعالى قال: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا﴾ [النساء: 43]، وهذا عامٌّ في كل ماءٍ؛ لأنه نكرةٌ في سياق النفي، والنكرة في سياق النفي تَعُمُّ؛ فلا يجوز التيمم مع وجوده، وأيضًا قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث أبي ذرٍّ رضي الله عنه: «التُّرَابُ كَافِيكَ مَا لَمْ تَجِدْ الْمَاءَ»، وهذا واجدٌ للماء] اهـ.

وبناءً على ما سبق: فإن تنقية مياه الصرف الصحي بوسائل التنقية الحديثة بحيث لا يبقى للنجاسة أثرٌ في طعمه ولونه وريحه، تجعل هذه المياه طاهرةً يصح رَفْعُ الحدث بها وإزالةُ النجس.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

egypttoday
egypttoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تعرف على حكم الطهارة بمياه الصرف الـمعالجة تعرف على حكم الطهارة بمياه الصرف الـمعالجة



GMT 19:17 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

حُكم شراء حلوى المولد النبوي والتهادي بها

GMT 18:02 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

حُكم الاحتفال بالمولد النبوي الشريف

GMT 16:15 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

قصة زوجة النبي أيوب عليه السلام من وحي القرآن الكريم

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تعرف على حكم الطهارة بمياه الصرف الـمعالجة تعرف على حكم الطهارة بمياه الصرف الـمعالجة



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية

GMT 12:20 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

طلائع الجيش يبحث عن مهاجم سوبر فى دوري المظاليم

GMT 15:09 2019 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

فان ديك يحصد لقب أفضل لاعب بنهائي دوري الأبطال

GMT 15:15 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مشروع "كلمة" للترجمة يصدر "كوكب في حصاة"

GMT 20:20 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

صدور رواية "الطفلة سوريا" لعز الدين الدوماني
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon